اعتاد الشعب التركي طوال تاريخه منذ تأسست الإمبراطورية العثمانية على التعايش مع إخوانهم المسلمين من كافة أصقاع العالم الإسلامي من قارات الدنيا من مختلف الأعراق والأجناس والقوميات، بل والألسنة واللغات؛ ما جعل اليوم من إسطنبول الملجأ الأول والحضن الأكبر لجميع المظلومين والمضطهدين في العالم الإسلامي، لا سيما أبناء بلدان «الربيع العربي»، ويعتبرونهم ضيوفهم بمنزلة المهاجرين وهم لهم الأنصار.
بداية، يؤكد د. عبدالوهاب أكينجي، رئيس جمعية علماء المسلمين في تركيا، لـ«المجتمع»، أنه يوجد في تركيا ملايين من اللاجئين الذين لجؤوا إليها فراراً من الضغوط التي كانوا يعيشونها في بلادهم، وفراراً من الظلم الذي وقع عليهم في مختلف الأقطار، وأن المؤسسات الدينية التركية لها دور رائد وفعال في دعم ومساعدة اللاجئين في المجالين الديني والاجتماعي.
ويضيف أن تركيا في عهد العثمانيين كانت ملجأ للمظلومين وللأقليات الذين أُجبروا على اللجوء إلى الدولة العثمانية، وهذه أصبحت ثقافة تاريخية من ثقافة الشعب التركي، وهي استقبال اللاجئين والترحيب بهم، والسبب الثاني الذي له تأثير في هذا الدور الإيجابي هو الإيمان والأخوة الدينية التي تربط الأتراك بإخوانهم اللاجئين، وهنا المؤسسات الدينية التي تستند إلى الدين الحنيف يعتبرون ذلك واجباً من واجباتهم التي يجب أن يقوموا بها وهي أداء حقوق الأخوة بينهم وبين غيرهم، وخصوصاً بين إخوانهم المظلومين الذين أتوا إلى تركيا طلباً للحماية والأمان.
الأتراك يعاملون اللاجئين باعتبارهم ضيوفاً في منزلة المهاجرين وهم الأنصار لهم
والمؤسسات الدينية منها ما هو ضمن مؤسسات المجتمع المدني، وهناك مؤسسات حكومية تابعة للدولة مثل شؤون الديانة التي لها دور فعال في القيام بواجباتها تجاه اللاجئين بتوفير كل ما يحتاجون إليه؛ وهما شيئان أساسيان؛ أولاً: الحضانة والترحيب وإحساسهم بروح ومعاني الأخوة، والحمد لله المسلمون والمؤسسات الدينية في تركيا لا ينظرون إلى اللاجئين على أنهم أجانب؛ بل يعتبرونهم من أنفسهم وضيوفاً، ويحاولون أن يطبقوا حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم فليكرم ضيفه».
ويشدد على أن هذا الإحساس هو في الحقيقة واجب من الواجبات، والحمد لله المسلمون ومؤسساتهم الدينية يقومون بهذا الواجب خصوصاً ضد المؤامرة القومية التي تحاول الادعاء بأن هناك فاصلاً بين تركيا واللاجئين، وفي الوقت نفسه مد يد العون للاجئين، والحمد لله يمكن أن نقول: إن المؤسسات الدينية أيضاً لهم دور إيجابي في هذا الموضوع.
وختم أكينجي بالدعاء أن يجعلنا من الذين يهتمون بأمر المسلمين وبمشكلات المؤمنين حتى لا نقع تحت طائلة الحديث الشريف الذي يقول فيه الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم: «من أصبح ولم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم»، ونعوذ بالله من أن نفرط في حق إخواننا المهاجرين ونحن لهم بمثابة الأنصار.
حفاوة كبيرة
من جهته، يقول الأكاديمي والباحث السياسي التركي مهند حافظ أوغلو، لـ«المجتمع»: إن المؤسسات الدينية التركية تحاول القيام بواجبها وما يقع على عاتقها من مهام دينية وإنسانية في آن واحد، فيما يتعلق باللاجئين لحل مشكلاتهم الاجتماعية وبالفتاوى الدينية التي تناسب الحياة الجديدة التي انتقلوا إليها في بلد مختلف في طريقة معيشته ومذهبه الفقهي عما في بلدانهم، ويساعد على ذلك أن تركيا دولة مؤسسات، وبالتالي كان هناك الكثير من الاختلافات البنيوية الهيكلية في المسائل الاجتماعية والفقهية والدينية، وبناء عليه تحاول هذه المؤسسات الدينية بالفعل أن تقدم ما يجب أن تقدمه وتمد يد المساعدة ما استطاعت للإخوة اللاجئين.
ويضيف: هذه المؤسسات قامت بتقديم الكثير من المساعدات على كافة المستويات، لا سيما في المرحلة الأولى من نزوح اللاجئين في أول 5 أعوام بعد توابع أحداث «الربيع العربي»، وبالتحديد في عام 2013م، وكان هناك اختلاف كبير في التعامل من المؤسسات الدينية، وكان الاحتضان والدعم كبيرين للاجئين الأوائل، وظلت هذه المؤسسات مستمرة حتى هذه اللحظة تحاول أن تقوم بواجبها، ولكنها ليست بذات القوة الحجم السابقين في دعمها وتعاونها في السنوات الخمس الأول.
ويلفت حافظ أوغلو إلى أن ذلك يرجع لاختلاف الوضع الداخلي في تركيا اليوم عنه في تلك المرحلة، سواء على المستوى الاقتصادي أو من التشاحنات الانتخابية بين الأحزاب، وهذا يؤثر بطبيعة الحال شئنا أم أبينا سلباً على عمل المؤسسات الدينية، ولكنها حتى هذه اللحظات تناضل وتجاهد من أجل أن تصل بالمستوى المطلوب لدعم اللاجئين في التغلب على قضاياهم الاجتماعية بشكل أساسي من خلال الدعم المعنوي أو المادي المباشر، والشواهد أكثر من أن تحصى على ذلك على أرض الواقع اليوم.
بمنزلة المهاجرين
وفي السياق، يقول د. يوسف كاتب أوغلو، المحلل السياسي والاقتصادي التركي: إن الشعب التركي ومؤسساته على الصعيد السياسي والديني والاجتماعي لا يتعاملون مع الوافدين إليه من مختلف البلاد العربية والإسلامية كلاجئين؛ بل يعتبرونهم إخوة لهم ويصفونهم بالمهاجرين وهم لهم كالأنصار.
الحفاوة بالمهاجرين كانت كبيرة جداً في السنوات الخمس التي أعقبت «الربيع العربي»
ومن أهم المؤسسات الدينية التركية المعنية بهذا الأمر رئاسة الشؤون الدينية، وهي جهة حكومية بنص الدستور التركي، تعنى بترتيب وتنظيم كل ما له علاقة بالشؤون الدينية والاجتماعية في عموم تركيا، ولها دور أساسي وبارز في موضوع دعم واحتضان اللاجئين، ونحن نسميهم «الضيوف»، ومعالجة قضاياهم الدينية والاجتماعية لهؤلاء الضيوف الذين هُجروا وأجبروا على ترك ديارهم بسبب الحروب أو لخطورة بقائهم في ظل أنظمة قمعية وأوضاع غير مستقرة.
فهنالك الدور التعليمي لمساعدتهم على الاندماج مع المجتمع التركي من تعليم اللغة التركية والقوانين وتعليم أبنائهم في المدارس بالمجان وتشرف عليه جهات حكومية بداية من هيئة الهجرة التابعة لوزارة الداخلية؛ فضلاً عن إعطائهم هويات إقامات مختلفة، منها الإنسانية والمؤقتة والسياحية والدائمة؛ نظراً لظروفهم غير المستقرة نسبياً، نتيجة أن هؤلاء مهددون ومعرضون للخطر من قبل أنظمة استبدادية في بلادهم؛ لذلك تستوعبهم تركيا وتقوم المؤسسات الدينية بدور مهم في هذا الإطار، وإتاحة دورات مهنية لتوفير فرص العمل، وكذلك دورات تعليمية وثقافية واجتماعية وغيرها، كما تتيح الحكومة التركية إمكانية تأسيس جمعيات للمغتربين وللضيوف من الإخوة اللاجئين.
ويختتم كاتب أوغلو كلامه بأن هذا أمر طبيعي لتركيا، فهي سليلة الإمبراطورية العثمانية التي حكمت العالم لأكثر من 5 قرون، وكانت ملجأ لكل المضطهدين من كل دول العالم سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهوداً؛ ولذا تركيا في عهد الرئيس أردوغان وحزب الحرية والعدالة مصممة على المضي في الطريق نفسه لكي تكون ملجأ لكل المظلومين والمضطهدين في العالم أياً كان دينهم أو جنسيتهم.