يهرب الزوج من البيت تفادياً للنكد، فهو يفرّ منه التماساً للراحة وتجنّب الشجار، لقد بات في ضجر وشعور بالاختناق، ووجوده في البيت يزيد هذا الاختناق، وحتى الأوقات القليلة التي يظن أنها مقدمة لهدوء واستقرار، سرعان ما تتلاشى بعد حصار من قبل الزوجة، وأسئلة واستجوابات، لا تخلو من غلظة في الحوار، وتطاول واستفزاز، ومن ثم الإصرار على إبقاء الأمور عند المربع صفر، رغم تنازلات الزوج وصمته مرغمًا، وإغفال حقه عليها في كل هذه المواجهات.
أسباب الهروب
تؤدي التوترات المستمرة من جانب الزوجة إلى نفور الزوج منها، وعدم القدرة على البقاء في البيت؛ فإذا أُضيف إلى ذلك تقصيرها فيما وجب عليها تجاهه من تذمّم ورعاية ازدادت مرات وفترات الهروب من المنزل، وربما أُضيف إلى هذين السببين أسباب أخرى متعلقة باختلال مبدأ القوامة و«استرجال» الزوجة أمام زوجها، وعنادها ونشوزها؛ فهنا يجد الزوج المسوّغ الذي يجيز له ترك البيت، فيصير فقط مكانًا لتغيير الملابس والمبيت.
كثيرٌ من الأزواج يتطور عندهم هذا الانسحاب الجزئي إلى انسحاب كامل، في حال لم تعالج المرأة أخطاءها وأصرت على هذه الطريقة من التعامل مع زوجها، والانسحاب الكامل يكون إما بالسفر والابتعاد عن البيت بالكلية، أو الطلاق البائن، وربما اتفق الطرفان على انفصال غير رسمي، يغادر الزوج بموجبه المنزل دون إعلان الطلاق، حفاظًا على نفسية الأبناء، أو ربما مراعاة للوجاهة الاجتماعية لأحدهما أو كليهما.
الزوجة هي السبب
في هذه المناسبة، يُطرح عادة سؤال: هل الزوجة هي السبب الوحيد لهروب الزوج من البيت؟ الإجابة: بالطبع لا؛ أي ليست كل حالات الهروب بسبب الزوجة، بل ربما كانت طبيعة الزوج هي السبب؛ فهناك الزوج «الطفل الملول»، والزوج «المدلل» الذي لا يتحمّل مسؤولية بيت وزوجة وأولاد، والزوج «الكئيب» غير المبالي.. إلخ، لكن كل هذه الحالات لا تمثل سوى 10% من حالات هروب الزوج، ويقع عبؤها أيضًا على الزوجة، التي لم تتهيأ للتعامل معها وإحكام السيطرة على زوجها بالحب والاحتواء، أما 90% من حالات اختفاء الزوج من المنزل فتعود إلى شريكته الأمّارة بالسوء التي لا تفتأ تحيل البيت إلى وكر للنكد، والخلاف والشقاق، غير حريصة على دوام العلاقة الزوجية القائمة بالأساس على المودة والرحمة.
غريبٌ في بيتي
أمام الاختصاصيين الاجتماعيين والنفسيين يشكو الأزواج الذين يعانون من هذه المشكلة من ضغوط شديدة يتعرضون لها من قبل زوجاتهم، ويقولون: إن بيوتهم صارت أشبه بمعسكرات الجيوش أو مؤسسات التأديب، وهو أمر لا يُطاق، ويؤكدون أن الزوجة في هذه الحالة بحاجة ماسّة إلى علاج نفسي، لكنها للأسف تنكر مرضها، إن الشريك الذي يحوّل حياة شريكه إلى هذا النمط من العيش بحاجة إلى النصح والإرشاد، بل المحاسبة والعقاب، ويتحدث آخرون عن أسباب هروبهم خارج المنزل، بعدما أصبحوا غرباء في هذه البيوت، منبوذين، لا يحظون بأدنى اهتمام أو رعاية من المحيطين، فتمثل لهم جماعة الأصحاب خارج المنزل حينها تعويضًا لهم عما افتقدوه في بيوتهم وبين أولادهم وزوجاتهم، ويؤكد كثيرون أنهم سعوا في كل أوقاتهم لإيجاد مساحة من الود والانسجام مع الزوجات، فكانوا يُقابلون بمزيد من الرعونة والعناد.
مفتاح قلب الرجل
لقلوب الرجال مفاتيح لا تدركها إلا الزوجات العاقلات، الحريصات على استقرار حياتهن الزوجية، وهي كفيلة بفتح مغاليقهم، ونزع فتائل الغضب من نفوسهم؛ فكما لا يجوز للزوجة أن تحل محل الرجل في القوامة، فلا يحق لها إيذاؤه أو جرح شعوره أو كسر خاطره، وإذا ما أظهرت حبها وحنانها لزوجها خضع لها وكان لها زوجًا محبًّا وأبًا عطوفًا وأخًا حنوناً، فإذا ما أشعرته بأنها تشاركه المسؤوليات وتحمل معه الأحمال وتحرص على البيت والأبناء كحرصه عليهم؛ ملكت قلبه ولبه وقيدته في بيتها فلا يغادره إلا لطارئ، فإذا ما واست الزوجة زوجها في شدته، وساعدته في محنته، ووصلته إذا جفاه الآخرون، ونصحته، وذكّرته، ودعت له، لان لها وائتمر بأمرها، وصار بيتهما موئلًا للأهل، مثلًا للبيوت التي يظللها الرفاء والوفاق.
نصائح للزوجة
– تجنبي المشكلات الزوجية، وسارعي بحلها إن وقعت، وهذا لا يقلل من مكانتك، بل يزيدك عند الله رفعة؛ لما للزوج من حق عليك.
– اعلمي أن الأصل في الزواج الإسلامي هو التأبيد؛ وهو ما يحتاج إلى صبر وطول نفس، وتقدير عواقب العصبية والغضب.
– الثواب خيرٌ من العقاب، والمدح خير من الذم، فلا تصدّري لزوجك طاقتك السلبية، ولا ترهقيه بكثرة النقد، فإنّ كل ذلك مردود عليك.
– تعلمي فن الحديث مع زوجك، وأعطيه الفرصة للحوار والرد، ولا تثقلي عليه فإنك لا تأمنين عواقبه.
– إذا أخذت بكل الأسباب فلا تنسي أن تلجئي لرب الأسباب، فالكون كونه، وهو قادر على هداية العاصي، وردّ الغائب، وهو الذي يؤلف أو ينافر بين الأرواح؛ فادعي له بخير.