جلستُ في إحدى المرات مع شاب عاد لتوه من الدراسة في دولة بعيدة، ودار بيننا حديث طويل في مجالات مختلفة، ثم قال لي: سأحكي لك قصة حدثت معي وأنا في الخارج، التي جعلتني أقدر قيمة الصحبة الصالحة، وهي أنه في أحد الأيام، ذهبت إلى مطعم لطلب العشاء، وإذ بفتاة جميلة تقف خلفي، ممن تبيع جسدها مقابل وجبة طعام أو مكان للنوم، بدأت بمحاولة استمالتي، وحاولت التصبر، ولكن الشيطان كان حاضراً ويحاول إغوائي، عند شعوري بالضعف، تذكرت ذكرياتي مع الصحبة الصالحة، وكأنهم أمامي، مما ثبّتني وطرد الفكرة من رأسي.
كثير منا يمر بمواقف ضعف إيماني تجعله يكاد ينزلق، كما في الحديث الصحيح: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة، يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن» (صحيح البخاري).
فالإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، ولكن الله تعالى يقيض له من لطفه ما ينتشله من هذا الضعف، كصديق يتصل عليك فجأة ليخرج معك، أو أم تناديك لغرض ما، ليصرفك عن الانزلاق.
ولنا في قصة نبي الله يوسف عليه السلام أسوة حسنة، حين همّت به امرأة العزيز، ولكن الله صرف عنه الهم قبل أن يأتيه بسبب برهان ربه؛ (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) (يوسف: 24)؛ في أحد التفاسير، قيل: إن برهان ربه كان رؤية يعقوب عليه السلام ينهاه، يوسف لم يرَ أباه منذ قرابة عشر سنين، ولكن الله تعالى ساق له رؤية أبيه كي يحفظه.
كذلك، الصحبة الصالحة التي تكون لأبنائنا في الصغر تكون درعاً حصينة لهم عند الكبر، بسبب ما تعلموه منهم من قيم دينية غرست في داخلهم، ومن تصور لشخصيتهم بُني في صميمهم، فأصبحوا لا يألفون الرذائل والمعاصي، لو تأملنا حال الشباب الذين بدؤوا التدخين، سنجد أن أعمارهم كانت بين 13 إلى 17 عاماً، وهذه مرحلة اكتشاف الذات وتكوين صورة ذهنية عنها، لكننا نرى كثيراً من الشباب، وإن تركوا الصحبة الصالحة عند الكبر، يحافظون على قيم طيبة كالمحافظة على الصلاة وعدم التدخين، وسبب ذلك ما بُني داخلهم من تصور لذاتهم.
فالصحبة الصالحة حماية للطفل عند الكبر وحماية للمجتمع من التيارات والأفكار الهدامة التي تهوي بأبنائنا إلى الشرك أو الانحراف، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما دورنا كأفراد ومؤسسات لدعم مثل هذه البيئات الطيبة؟
على مستوى الأفراد:
– يجب على الوالدين تعزيز مفهوم الصحبة الصالحة لأبنائهما والتحدث معهم عن فوائدها.
– أن يكون الآباء مُثُل يُقتدى بها فلا يصاحبوا إلا الأخيار.
– توفير الصحبة الصالحة للأبناء من خلال إشراكهم في النوادي التربوية والقرآنية التي تتميز ببرامجها واهتمامها بالشباب.
على مستوى المؤسسات الحكومية والخاصة:
– دعم البيئات التي تساهم في تطوير المجتمع، وخاصة الجهات الرسمية ذات التاريخ الطويل والمشرف.
– يجب التوقف عن دعم البيئات الساقطة والهدامة التي لا شأن لها سوى الرقص والاختلاط ومحاولة زرع فكرة التحرر من الدين الذي هو صمام الأمان لنا.
كما نرعى البراعم من النباتات كي تنمو وتزهر ويصبح عودها قوياً، كذلك يجب علينا الاهتمام بأطفالنا واختيار الأصلح لهم في الصغر، حتى يكونوا أشداء في الكبر، ينتفع بهم دينهم وبلادهم والناس.