في ظل التحولات العالمية المتسارعة، لم يعد التعليم التقليدي كافياً لتلبية احتياجات الأجيال القادمة، وخاصة في المرحلة الثانوية التي تُعد نقطة الانطلاق نحو الحياة الجامعية والمهنية،
في الكويت، تبرز الحاجة الماسة لإصلاح وثيقة المرحلة الثانوية، حيث أصبحت المناهج القديمة، التي تقتصر على مسارين علمي وأدبي، غير كافية لتأهيل الطلاب لعالم اليوم المتغير؛ ولذا، يجب على النظام التعليمي أن يتطور ليواكب هذا التغيير، بما يمنح الطلاب فرصاً أكبر للتخصص في مجالات متعددة ويمكّنهم من تطوير قدراتهم ابتداء من المرحلة الثانوية.
إن النظام الحالي يجبر الطلاب على اختيار أحد مسارين فقط: العلمي أو الأدبي، وهو نظام لا يعكس التنوع الكبير في اهتمامات الطلاب وقدراتهم؛ فتحديد مسارين فقط يمكن أن يحد من فرص الطلاب في اكتشاف اهتماماتهم الحقيقية؛ لذلك، يبرز هنا اقتراح إدخال مجموعة أوسع من التخصصات تبدأ من الصف العاشر، بحيث يتمكن الطلاب من اختيار مسارات متعددة، مثل التخصصات التقنية، والمهنية، والفنية، إلى جانب المسارين العلمي والأدبي.
على سبيل المثال، يمكن للطالب المهتم بالتكنولوجيا والبرمجة أن يختار مسارًا تقنيًا، بينما يمكن للطالب الذي يفضل الفنون أو العلوم الإنسانية أن يتخصص في مجالات أكثر ملاءمة لمهاراته، هذا التنويع لا يهدف فقط إلى توسيع الخيارات المتاحة للطلاب، بل أيضًا إلى تجهيزهم بشكل أفضل للمرحلة الجامعية والحياة العملية.
وفي التخصص العلمي، نجد أن التشتت في دراسة العديد من المواد العلمية في وقت واحد يرهق الطلاب ويمنعهم من التعمق في فهم كل مادة، من هنا، يُقترح نظام جديد يُركز على تدريس مادة علمية واحدة فقط خلال السنة الدراسية الواحدة، تخيل طالب الصف العاشر يدرس الكيمياء فقط، بتركيز مكثف، ويغطي المنهج الكامل الذي كان في السابق موزعاً على ثلاث سنوات، هذا النظام يسمح للطالب بالتعمق في المادة وفهمها بشكل أكبر، وهو ما يمكّنه من التميز والتفوق فيها.
ثم في الصف الحادي عشر، يتحول الطالب إلى دراسة الفيزياء، بنفس الطريقة المركزة، ثم الأحياء في الصف الثاني عشر، بهذه الطريقة، يتجنب الطلاب التشتت بين العديد من المفاهيم في وقت واحد؛ ما يعزز من فهمهم ويزيد من استعدادهم للمرحلة الجامعية، حيث سيتعين عليهم دراسة تخصصات محددة بعمق أكبر.
وكذلك مادة الجيولوجيا تعتبر واحدة من المواد التي يمكن أن تكون صعبة على الطلاب إذا تم تدريسها بشكل منفصل، لكن بدلاً من تقديمها كمادة مستقلة، يمكن توزيع مواضيع الجيولوجيا على المواد العلمية الأخرى، على سبيل المثال، يتم دمج مفاهيم الكيمياء الجيولوجية ضمن مادة الكيمياء، مثل دراسة تفاعلات الصخور والمعادن، أما في الفيزياء، يمكن إدراج دراسة حركة الأرض والزلازل، بينما يتعلم الطلاب في الأحياء عن تأثير التغيرات الجيولوجية على النظم البيئية.
هذا الدمج لا يخفف فقط من ضغط المواد على الطلاب، بل يساعدهم أيضاً على رؤية العلاقة المتداخلة بين العلوم المختلفة؛ ما يعزز من قدرتهم على ربط المفاهيم العلمية ببعضها بعضاً.
إلى جانب التخصصات العلمية الأساسية، يجب أن يتاح للطلاب اختيار مواد إضافية تتعلق بتخصصاتهم واهتماماتهم، هذه المواد الاختيارية يمكن أن تشمل تعلم البرمجة، والتصوير، والتصميم الجرافيكي، أو حتى الفنون والمسرح، الهدف هنا هو إعطاء الطلاب مساحة أكبر للتعبير عن شغفهم وتطوير مهارات جديدة خارج إطار المناهج التقليدية.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن إدراج مشاريع تطبيقية في المناهج، حيث ينفذ الطلاب مشاريع علمية ذات طابع عملي، مثل تجربة كيميائية مبتكرة أو مشروع فيزيائي يعتمد على تكنولوجيا الطاقة المتجددة، التعليم يجب ألا يكون نظرياً فقط، بل يجب أن يكون تطبيقيًا وعمليًا بحيث يلمس الطلاب تأثير ما يتعلمونه في حياتهم اليومية.
وبدلاً من الاعتماد على الامتحانات النهائية فقط لتقييم الطلاب، يجب أن يكون هناك نظام تقييم متدرج يشمل التقييم المرحلي، من الممكن تقييم الطلاب بناءً على أدائهم في المشاريع العلمية والبحثية، بالإضافة إلى اختبارات دورية طوال العام، هذه الطريقة تعطي صورة أكثر شمولية عن مستوى الطالب وتتيح له الفرصة لتحسين أدائه على مدار العام الدراسي.
كما يمكن أن يشمل التقييم مشاريع جماعية، حيث يتم تقييم الطلاب على أساس العمل الجماعي والتعاون، هذه المهارات أصبحت ضرورية في الحياة العملية، حيث يحتاج الموظفون إلى العمل ضمن فرق والتواصل بفعالية مع الآخرين.
إن الهدف النهائي من هذه التعديلات هو إعداد الطلاب بشكل أفضل للحياة الجامعية وسوق العمل، فتنويع التخصصات وإدخال المواد التطبيقية والاختيارية، بالإضافة إلى نظام التقييم المستمر، سيعطي الطلاب الأدوات التي يحتاجونها للنجاح في الحياة الجامعية والمهنية.
فلذلك، عندما يتخرج الطالب من المرحلة الثانوية وهو ملم بمجموعة متنوعة من المهارات النظرية والعملية، يكون أكثر استعداداً لمواجهة التحديات التي تنتظره، هذه التعديلات لا تهدف فقط إلى تحسين الأداء الأكاديمي، بل أيضاً إلى تنمية مهارات التفكير النقدي والإبداعي لدى الطلاب؛ ما يفتح أمامهم أبواباً جديدة من الفرص سواء في الكويت أو خارجها.
في النهاية، إصلاح وثيقة المرحلة الثانوية في الكويت ليس مجرد مسألة أكاديمية، بل هو خطوة نحو إعداد جيل من الشباب القادر على مواجهة المستقبل بثقة وابتكار.