«لا فائدة منك»، «انظر إلى شكلك».. جمل قد تقال بكل اللهجات: «ماكو فايدة فيك»، «مافيش فايدة»، «ما في فايدة»، «شوف شكلك».. إلى آخر قائمة العبارات التثبيطية التي قد نطلقها في لحظة غضب أو ملل دون أن نعير لها أي اهتمام؛ فتدمر وتشوِّه حياة أقرب الأشخاص إلينا ألا وهم أبناؤنا.
ماذا نرجو من مراهق أو شاب يصفه أقرب الناس إلى قلبه وهو من يثق برأيه أنه «لا فائدة تُرجى منه»، أو أعاب عليه شكله أو وصمه بالغباء والبلاهة؟ كلمات قد نطلقها تغيِّر مجرى حياة إنسان، وتحط من إنسانيته وتشعره بعدم أهميته.
وآخر الدراسات أظهرت أن هذه الجمل التثبيطية ليس لها تأثير نفسي فقط، بل لها تأثير صحي أيضاً على الأبناء، وهذا الجانب هو ما سنتطرق إليه في هذا المقال.
أمراض اضطرابات الإطعام:
قد يخشى الآباء من إصابة أبنائهم بالسمنة؛ فتصبح مراقبتهم للصغار والمراهقين مراقبة مرضية، ويصبح التدقيق على ما يتناوله الأبناء تدقيقاً يشعر الصغار بالضيق، وقد يؤدي هذا الخوف إلى زيادة النقد والجمل التثبيطية؛ مما يؤدي في النهاية إلى إصابة الأبناء بما يسمى بـ«اضطرابات الإطعام»، والتي إذا لم تشخص وتعالج عند الطبيب المختص قد تسبب مشكلات صحية خطيرة للأبناء.. فهذه الكلمات السلبية قد تجعل الإنسان يحتقر مظهره الخارجي؛ فيقوم برفض الطعام الذي كان سبباً في شعورهم بالكره من قبل آبائهم الدائمين الانتقاد لهم لدرجة المرض، أو قد تسبب العبارات السلبية إلى زيادة تناول الأبناء للطعام زيادة غير طبيعية؛ وذلك تعبيراً عن غضبهم الداخلي أو شعورهم بالراحة عند تناول الطعام.
فإذا ما تمادى الآباء في ذلك، إلى جانب عدم ملاحظتهم للمتغيرات الصحية والنفسية للأبناء، فهنا تكمن المشكلة الكبرى التي قد تنهي حياة أحب الناس إلى قلوبنا دون أن نشعر.
الليالي المزعجة:
كما أن التغذية غير السليمة لها تأثيرها السلبي على الصغار؛ بسبب الكلمات الجارحة، فالنوم غير الصحي جانب سلبي آخر للعبارات السلبية، فالطفل الذي سيخلد للنوم بعد سماعه معلقة من العبارات السلبية والكلمات غير المناسبة قد تزوره الأحلام المزعجة أثناء نومه، بل قد يصاب بالكوابيس مما يجعل نومه نوماً غير هادئ وغير صحي، وهذا يعني التعب وعدم الراحة، وهذه الليالي غير المريحة وغير الهادئة المتتالية لها تأثير سلبي على جهاز المناعة عند الصغار؛ مما يؤدي إلى كثرة احتمالية إصابتهم بالأمراض.
الراحة خارج المنزل:
عندما يصبح المنزل رمزاً للمشاحنات والعبارات السلبية يصبح الأصدقاء هم الملاذ والملجأ، ويحس الآباء بفقدان السيطرة على الأبناء، بل تصبح توجيهاتهم ونصائحهم لا معنى لها، وهنا يبدأ الأبناء بتناول ما يحصلون عليه من خارج المنزل من وجبات سريعة أو أطعمة معدة بشكل غير صحي، ويبدأ تأثير الآباء بالتناقص ليصل لدرجة الانعدام، ويتحول الحب الذي وضع في عبارات سلبية إلى سلاح استخدم لطرد الأبناء خارج حصنهم الحصين.
الشعور بعدم القيمة:
كثرة نعت الأبناء بعدم القيمة وبعدم الأهمية يجعلهم في النهاية يتبنون هذه الفكرة، فإذا ما اقتنع الابن بعدم أهميته؛ دفعه هذا الشعور إلى عدم الاهتمام بجسده وصحته وحياته، وقد يلجأ إلى التدخين في سن مبكرة، بل قد يصل به الأمر إلى الولوج في تجربة عالم المخدرات، وبسبب كلمات قد يظنها ولي الأمر بسيطة ضاع الأبناء ودخلوا في طريق مظلم، أحياناً تكون العودة منه شبه مستحيلة.
أبناؤك مرآة كلماتك:
التأثير السلبي للكلمات قوي، ولكن الحل بسيط، كل ما نحتاجه هو أن نتعلم السيطرة على أقوالنا في لحظات الغضب أو الإحباط أو العصبية، علينا أن نفكر فيما نقول، وندرك أن ما نقوله سيؤثر لدرجة كبيرة في مستقبل حياة إنسان، فالتشجيع والمدح المناسبان يخرجان لنا أشخاصاً لهم بصمة في الحياة، أما التثبيط والإهانة فهما سبيل لأشخاص يشعرون بأنهم عالة على المجتمع.
ولقد قرأت هذه العبارة وأحببت أن أشرككم بها، «غضب معاوية ] على ابنه يزيد فهجره، فقال له الأحنف بن قيس: يا أمير المؤمنين، أولادنا ثمار قلوبنا، وعماد ظهورنا، ونحن لهم سماء ظليلة، وأرض ذليلة، فإن غضبوا فأرضهم، وإن سألوا فأعطهم، ولا تكن عليهم قفلاً، فيملوا حياتك ويتمنوا موتك».