أغفلُ عن مطالعة القرآن الكريم ومراجعته حدّ أن أخشى دخولي في الآية الكريمة: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً {30}) (الفرقان).
وأحاول أن أعوّض بالنظر في طرائق القرآن وأساليبه في التأثير على القلوب وصياغتها من جديد.
وجدتُ واحدة من هذه المؤثرات في ضمائر الألوهية الموجودة في القرآن بصيغ متعددة وبكثرة تدعو للعجب.
كنا نسمع لغزاً عن سورة يوجد لفظ الجلالة “الله” في كل آية من آياتها، ونكتشف أنها سورة “المجادلة”: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ {1}) (المجادلة).
ولو تعوّد التالي للقرآن على التيقظ للألفاظ والضمائر والإشارات العائدة إلى الله لكان تأثير القرآن على وجدانه وقلبه مضاعفاً، ولأدرك أن هذا الكتاب هو دليل عظيم على الله ووجوده وعظمته أعظم من الكون والأرض والسماء وسائر المخلوقات.
بالملاحظة أدركت أن أعظم مقاصد القرآن على الإطلاق صناعة الحضور الربّاني في القلب البشري، فهو الشاهد الذي لا يغيب، والرقيب الذي لا يغفل، والحاضر الذي لا يعزب، و(لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ) (سبأ:3).
فضلاً عن أن هذه الطريقة تحيي في القلب الشعور بمصدر القرآن كلما همّ بتلاوته حتى لو كان الحديث عن موضوع آخر غير الألوهية.
ألقيت العديد من الكلمات حول هذه الملاحظة؛ ملاحظة كثرة وتنوع الضمائر الإلهية في الآيات بطريقة تلح على العقل والقلب والسمع حتى لا يستطيع القارئ أن ينفك عنها إلا أن تكون الغفلة قد استحكمت عليه.
وفي كل مرة كنت أطلب من الحاضرين أن يفتحوا صفحة اتفاقية أي صفحة من المصحف ثم يطبقوا عليها الملاحظة، وفي كل مرة أجد الاستغراب منهم!
مرة وقع الاختيار الاتفاقي غير المقصود على صفحة (١٦٧) من سورة “الأعراف”، فماذا وجدنا؟ (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ) (الأعراف:138)، نون العظمة لله تعالى؛ الذي جمّد لهم البحر، (قَالَ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـهاً) (الأعراف:140)، لفظ الجلالة العظيم، (وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ {140}) (الأعراف)، ضمير “هُوَ” للغيبة، واختياره هنا إما تنبيهاً على غفلتهم عنه حين عبدوا غيره أو لغير ذلك، وهو الفاعل في: “فَضَّلَكُمْ”.
(وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم) (الأعراف:141)، ضمير “نَا” يتكرر هنا؛ لأن المتكلم هو الله، (وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ {141}) (الأعراف)، الرب هو أحد أسماء الله.
(وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً) (الأعراف:142)، فاعل الوعد والمواعدة هو الله المتكلم صاحب العظمة والصدق، (وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ) (الأعراف:142)، والمتمم هو الله، (فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) (الأعراف:142)، وربه هو الله.
(وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) (الأعراف:143)، هنا نون العظمة واسم الرب، (قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ) (الأعراف:143).
موسى الكليم يتطلّع لما هو أبعد فيتمنى الرؤية، ويدعو باسم الرب؛ الذي وجده حفياً به في تحولات حياته، وتقلباتها، ومضايقها.. ويخاطبه بـ(رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ)، والكاف ضمير المخاطب وهو الله.
وذات مرة وقع الاختيار التلقائي على الصفحة رقم (٣٢٣) من سورة “الأنبياء”، وأولها: (} وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ {11}) (الأنبياء).
وأدعو استخراج الضمائر العائدة لله في الصفحة للقارئ الكريم كتجربة شخصية.
بحث كهذا يستحق رسالة علمية؛ تحصر كل الأسماء والضمائر والإشارات، وتقارن وتستخرج الفروق والجوامع والأسرار، وهي نعمة لمن وفّقه الله إليها.