في عام 2015م، انضم الشعب اليمني إلى شعوب سورية والعراق وليبيا، من حيث البحث عن مأوى آمن، وبدأت حرب مفتوحة بين دول الخليج وإيران على أرض اليمن، واستقبلت أوروبا الآلاف من اللاجئين السوريين، لينضموا إلى من سبقوهم من الفلسطينيين والعراقيين.
ولكن، لعل العام الجديد، يمثّل بارقة أمل للمواطنين العرب، لينعموا بثروات بلدهم، التي تموّل اقتصاديات أوروبا وأمريكا، وأن يجدوا فرصة ليثبتوا ذاتهم، بأنهم قادرون على إنتاج غذائهم وسلاحهم ودوائهم، وأنهم ليسوا عالة على الآخرين، فالله تبارك وتعالى أنعم عليهم بالثروات البشرية والطبيعية والمالية، ولكنهم أضاعوها في صراعات داخلية وبينية، فلم تقم لهم قائمة، ولم يعد لهم وجود على خريطة القوى الدولية.
قد يستنكر البعض الحديث عن أحلام عام جديد، ولكنه نتيجة طبيعية لمن تعوّدوا على احترام الوقت واعتبارات الزمن، فالشاب ليس عالة على أبويه وأسرته، بل ولا على عائلته الكبيرة بحجة أنه لا يزال يدرس بالجامعة، أو أنه لم يلتحق بفرصة عمل بعد، أو أنه لا يزال يسعى لتأثيث بيت الزوجية.
فمن يدرجون أحلامهم على أجندة الأعوام الجديدة، أخذوا فرصتهم في الاعتماد على النفس، وهم في طور المسؤولية في سن الشباب، أداروا الجامعات والحكومات والشركات الكبرى، وهم في سن دون الأربعين عامًا، بينما دولنا العربية، لا زالت ترى من هم دون سن الخمسين قُصر، يجب أن يسمعوا لمن هم في الثمانينيات، ليستفيدوا من خبراتهم، ولكن للأسف من وصلوا الثمانينيات لا خبرة لهم، فورث الشباب الوهم، وأصبح بلا مستقبل.
لندع هذه الرؤية التشاؤمية، ولنطلق العنان للمواطن العربي يحلم، فالأيام حُبلى يلدن كل عجيبة، وبين طرفة عين وانتباهتها يغيّر الله من حال إلى حال، فلعل عام 2016 يشهد بداية تحقيق الأحلام العربية، فبما يحلم المواطن العربي؟
- وطن آمن:
نعم، وطن آمن أمنية لكثير من المواطنين العربي في ليبيا واليمن والعراق وسورية، وفي مصر وتونس، بل وفي فلسطين المحتلة، فالرصاص يحصد أرواح البشر هناك، بلا ثمن، ويستشعر الناس في وطننا العربي حديث الني صلى الله عليه وسلم: “من بات آمنًا في سربه معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا”.
فإن لم يقدر للمواطن العربي الموت برصاص جنود بلده، وقاذفات الروس والأمريكان والفرنسيين، فقد يقضي حياته رهن معتقل أو قبو يختبئ فيه، ليكن شيئاً بلا قيمه، في حين أن الله تبارك وتعالى استخلفه في أرضه، وأمره بعمارتها، فكرّمه ربّه، وأهانه إخوانه وبنوه، (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا).
حلم المواطن العربي بأن يشعر بالأمن، وأن يعود اللاجئون، وأن يحظى المعتقلون بالحرية، وأن يتمتع الناس بالطيبات التي رزقهم الله إياها في بلدانهم.
- فرصة عمل:
لم تعد البطالة قاصرة على النساء أو حديثي التخرج من الشباب، فحتى قبل ثورات الربيع العربي، كانت البطالة بحدود 17% من قوة العمل العربية، ولكنها تجاوزت الـ 22% بعد فشل ثورات الربيع العربي، وتفجير العديد من البلدان العربية بالصراعات الداخلية.
البطالة بين الشباب العربي قاربت من نسبة مخيفة تصل إلى 40%، وينتظر أن تزيد هذه النسبة خلال الفترة المقبلة بسبب أزمة انهيار أسعار النفط، فالخليج يقلّص ميزانياته، بما يعني تسريح جزء لا يُستهان به من العمالة الوافدة في الأشهر القادمة.
يريد المواطن العربي فرصة عمل، كما حظي بها المواطن الأمريكي، حيث سجّلت معدلات البطالة بأمريكا في عام 2015 نسبة 5%، يريد العربي أن يعمل لكي لا يهاجر ولا ينضوي في خيام اللاجئين، من أجل أن يأوي أسرته وأولاده، ويوفّر لهم طعامهم، يريد أن يعمل في مصانع شيّدتها أموال عربية، ومزارع قامت بسواعد شباب أعجزته البطالة، ويلاحقه الفقر.
- تعاون عزيز:
يحلم المواطن العربي في 2016، أن يتحقّق التعاون الاقتصادي العربي، ليتحوّل هذا التعاون من الوهم إلى الواقع، فعلى مدار نحو 7 عقود، يخاطبه الساسة بالحريات الأربع (الحق في التملك، والحق في العمل، والحق في التنقل، والحق في الإقامة)، ولكن لا يشعر العربي بالغربة في مكان آخر، بقدر ما يعانيه في الدول العربية.
يحلم المواطن العربي بأن تأتي الاستثمارات العربية المتكدسة في خزائن أمريكا وأوروبا، وتلك التي ضاعت في أسواق البورصات العالمية، يحلم بأن تعمّر تلك الأموال صحراء مصر، وأرض السودان، وشواطئ موريتانيا، وصحراء المغرب العربي.
يحلم المواطن العربي، بأن يتباهى بمنتجات عربية، صُنعت في بلاده، وينعم باستهلاكها، ويسعى لتطويرها، ويأمل أن يصدّرها للآخرين، لا ليمُن على البشرية بها، بل ليحمل إليهم ثمرات العمارة، وواجبات الخلافة.
- مدرسة لأبنائه:
ونحن نطوي صفحات العام الخامس عشر من الألفية الثالثة، لا يزال نصف العرب لا يقرأ ولا يكتب، حتى الدول النفطية التي شيّدت المدارس، يتسرّب أبناؤها من بعد المراحل المتوسطة، ولا يميلون لدخول الجامعة.
بينما في الدول العربية المكتظة بالسكان، يتكدّس أبناؤها في فصول ضيقة، لا تسمح لهم بتعليم مناسب، وهم أفضل حالًا ممن لم تمتد إليهم خدمات التعليم في الريف والمناطق النائية، والمناطق الفقيرة في كثير من الدول العربية.
يحلم المواطن العربي الذي فاته قطار التعليم، أن يلتحق به ابنه، ليتنشله من وحل الجهل والأمية، وليخرجه من دائرة الاستهلاك اللعينة، التي أوقعته فريسة لشركات متعدية الجنسية، لا ترقب فيه إلًا ولا ذمة.
يحلم المواطن العربي بمدرسة وجامعة، ليواجه ذلك العالم المجهول، الذي سعى لإبهاره بالمخترعات والكشوف العلمية، فأصبح كياناً استهلاكياً، لا يفكّر، بل قام غيره عنه بواجب التفكير.
- يراقب ماله:
الثروة في العالم العربي مشوّهة، لا عدالة في توزيع الثروات، وحكومات لا تؤمن بالديمقراطية، أو وجود برلمانات تحاسبها، على ما يأتي إليها من ثروات طائلة، نظير المواد الخام التي منّ الله عزّ وجلّ بها على تلك البلاد، فظنت تلك الحكومات أنها صاحبة الحق بالتصرف في هذه الأموال.
وليتها أحسنت التصرف، بل ذهبت لتهرّب تلك الأموال للخارج في حسابات خاصة، بينما أبناء البلاد العربية يعانون البطالة والفقر، وحرم هؤلاء الحكام البلاد العربية من تنمية حقيقية، تعمل على إثراء الشعوب العربية، وتنمّي قدراتها البشرية، وتتقدّم بهم.
يحلم المواطن العربي، بأن يشارك في التخطيط للتنمية، وأن يشارك في إعداد الموازنة العامة، ويحلم بتمثيل برلماني ديمقراطي حر، يسمح له بممارسة حقوقه، فيحاسب الحكومات إن أخطأت، ويعزلها إن انحرفت، ويعمل على زيادة ثروات بلاده للأجيال القادمة.
يحلم المواطن العربي بعقد اجتماعي جديد، يرسّخ لاحترام حقوق الإنسان وتحقيق العدالة الاجتماعية، يحلم المواطن العربي بألا ينظر إلى الآخرين نظرة العاجز، بل يتمنى أن يكون في موقف الند، الذي يعطي ويأخذ في إطار من قول الله تبارك وتعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى)، في إطار من التنافس مع الآخرين يحكمه التعاون لا الصراع.
يعلم المواطن العربي أن الواقع مر، ولكنه الأمل في غد أفضل، ولا بد من حلم، فأول الغيث قطرة، ثم ينهمر، فأهم ما يجب بأن يتسلّح به المواطن العربي في مجال الاقتصاد وغيره من المجالات، ألا ينهزم نفسيًا، ويعلم أنه قادر على التغير، وأنه من حقه أن يحلم بغد أفضل.