في الساعة السادسة مساء ينتهي وقت وجود الطالبات في مقر الجامعة الإسلامية بغزة، لكن رجل الأمن يدرك أن هناك ثلاث طالبات يتنقلن منذ الثامنة صباحًا بين مختبرات كلية الهندسة لمباشرة أمور مشروع تخرجهن.
يراهن يخرجن متأخرات كالعادة من هذه المختبرات، يحملن الخلطة الإسفلتية والحصمة والميزان ويركض من مختبر لآخر، استمرين في العمل منذ يناير 2015 حتى يناير 2016، فخرجن بمشروع نوعي يهدف إلى إعادة ترميم ورصف الشوارع المليئة بالشقوق سمى بمشروع “الخواص الميكانيكية للإسفلت ذاتي المعالجة“.
المهندسات خديجة الرملاوي، ونور حسان، وهديل أبو عيشة من قسم الهندسة المدنية بالجامعة الإسلامية، وتحت إشراف الدكتور شفيق جندية، تمكن من حصد المرتبة الأولى في جائزة ناصر بن حمد العالمية للإبداع الشبابي قبل أيام.
ذاتي المعالجة
عندما قررت الطالبات الثلاث الاجتماع في مشروع تخرج واحد كان هناك إصرار كبير على أن يكون مشروع مميز، لذلك كان مشروع “إسفلت ذاتي المعالجة”، ففي العالم العربي لم يسبق أن تم العمل تنفيذ هذه الفكرة.
نظرت الطالبات إلى الطرقات المتشققة أثناء سيرهن في شوارع غزة، فكرن كمتخصصات في الهندسة المدنية في إضافة معايير معينة تساعد على معالجة هذه الطرقات بشكل ذاتي، كان القرار استخدام الألياف الحديدية ومخلفات الحديد في الخلطة الإسفلتية ومن ثم استخدام شاحنات منتجة للطاقة الحرارية تمر على الإسفلت فتعمل على إذابة الحديد وملئ الشقوق ومعالجة الطريق.
تقول المهندسة هديل أبو عيشة لـ”المجتمع”: “ما يحدث أنه يتم تعبيد الطرق بهذه الخلطة الإسفلتية الجديدة، تم تمر شاحنات تولد حرارة معينة تعمل بخاصية الحث الكهرومغناطيسي، فيقوم الصوف الحديدي الموجود داخل الإسفلت بامتصاص هذه الحرارة و نقلها للإسفلت مما يؤدي إلي تمدد الييتومين أو ما يعرف بـ “الزفتة” (الإسفلت) وهكذا يتم إغلاق الشق بدون الحاجة إلي مواد مالئة“.
بعيد عن ابتكار فكرة المشروع، فهناك الكثير مما يميزه، أول ذلك أنه موفر اقتصاديا، فهو يزيد العمر الافتراضي للطرق، مما سيقلل من احتياجات الطرق إلى الصيانة المتواصلة، وسيحافظ على مستوى الأداء المطلوب في ظل الأحمال الضخمة التي تتعرض لها الطرق. كما أن عملية تصنيع الخلطة الإسفلتية التقليدية قد تكون ضارة في بعض مراحلها، وهو ما يستثنيه المشروع، الذي ستعمل الخريجات أيضًا مستقبلا على استخدام مخلفات حديدية فيها مما يجعل المشروع صديق للبيئة لأنها يخلصها من برادة الحديدة ومخالفاته.
الصعوبات وتحديات
“على قدر التعب، كان الرضا بفضل الله عن النتائج” بهذه الكلمات توضح المهندسة نور حسان أن كل ما مرت به وزميلاتها أصبح هين بعد تحقيق هدفهن، انتهى انجاز المشروع المحفوف بصعوبات كبيرة في بيئة فقيرة الإمكانيات مثل بيئة غزة.
أول صعوبات التي صادفت المهندسات هو إيجاد دراسات وأبحاث سابقة يبدأن منها المسيرة، وتضيف نور لـ”المجتمع”: “اضطررنا للتجريب كثيرًا حتى نحقق الطريقة الأمثل، كان علينا استخدام هوا الصوف الحريري (Steel wool )، لكن بسبب عدم توافر النسخة العلمية منه تم استخدام بديل مشتبه له و هو “سلك الجلي الناعم“.
وتشير إلى أن طريقة توليد الحرارة باستخدام “الحث الكهرومغناطيس” هي الخاصية سهلة في الخارج لكن في قطاع غزة ولقلة الإمكانيات تحتاج لفنين مختصين في هذا المجال، لذلك اضطرت الفتيات إلى استبدالها بـ”الميكرويف“.
المرتبة الأولى
كان تلقي المهندسات الثلاث لرسالة إلكترونية تفيد بوصولهن لتصفيات المراكز الأولى في جائزة “ناصر بن حمد العالمية للإبداع الشبابي” مفاجأة كبيرة لهن، فعندما أرسلن مشاركتهن بمشروع “الإسفلت ذاتي المعالجة” في مجال الإبداع العلمي- أحد المجالات الأساسية التي تدعمها الجائزة- لم يكن يتوقعن أنه من سهل منافسة 111 دولة و6000 مشروع شارك في المسابقة.
المفاجأة الأهم هي فوزهن، فقد تمكن المشروع المشارك من نزع المرتبة الأولى للجائزة، وفي يوم التاسع من مايو الحالي، جلست المهندسات يتسمرن أمام شاشة التلفاز لمشاهدة حفل إعلان النتائج الذي أقيم في صالة مدينة خليفة الرياضية بمدينة عيسى، فقد نُسق لأن تستلم الجائزة نيابة عنهن حفيدة السفير الفلسطيني في البحرين.
تقول هديل: “شعور رائع الفوز بجائزة عالمية ونحن في قطاع غزة المحاصر، أثبتنا أن هنا طاقات شبابية تستطيع أن تنجز رغم الحصار والمعاناة”، وتضيف: “نتمنى من أي شخص متهم في مجال تطوير الإسفلت والهندسة المدنية تطوير المشروع ليعطي فعالية أكثر لخاصية المعالجة الذاتية، فإذ تمت دراسات أكثر سيصبح هو الإسفلت المستخدم، ونحن سنعمل على تطوير فكرتنا أيضًا“.
أما المهندسة نور فتقول: “نريد أن نوصل رسالة لكل المبعدين الخريجين، من يملك فكرة ويهاب من عرضها عليه يحاول بكل الطرق لإخراج إبداعه إلى النور، وبإذن الله الكريم سيلقى نتيجة من المحاولة“.