تحافظ المدارس الدينية على دورها المحوري في العملية التعليمية في باكستان، رغم الضغوط التي تواجهها للتخلي عن مناهجها الإسلامية، المتهمة من قبل القوى الخارجية بأنها من مصادر “الإرهاب”.
وتوفر المدارس الدينية التعليم المجاني لملايين الطلاب، وتنفق على دراستهم وإقامتهم ومعيشتهم حتى يحصلوا على الشهادة، وهو ما دفع الرئيس الباكستاني الأسبق الجنرال برويز مشرف إلى وصفها بأنها “أكبر مؤسسة إنسانية على وجه البسيطة”، على الرغم من موقفه السلبي منها.
وتعد مؤسسة “وفاق المدارس العربية” من أبرز هذه المدارس في باكستان، حيث تضم تحت جناحها أكثر من عشرين ألف مدرسة دينية، وخرجت العام الماضي أكثر من 73 ألف حافظ لكتاب الله، وهو رقم قياسي بالنسبة للسنوات السابقة.
ويرى الناطق الرسمي باسم الوفاق الشيخ عبد القدوس محمدي أن المدارس الدينية تركز على تعليم الصغار علوم القرآن والسنة، ولا تتدخل في حياتهم العملية واختياراتهم المستقبلية.
وقال: إنها تعمل على تطوير مناهجها بما يتناسب مع التعاليم الدينية وأحكام الشريعة الإسلامية، وهي تنطلق في ذلك من منهج النقد الذاتي، رافضة كل الضغوط والتوجيهات الخارجية.
ويشدد محمدي على أن المناهج الدينية لم تكن تدرّس مناهج العنف والتكفير بالمطلق، ولا تنتظر التوجيهات الحكومية أو الضغوط الغربية للاحتراز من ذلك، بل تنطلق من تعاليم الإسلام السمحة فحسب.
ويتابع قائلا إنه لا يمكن لأي مدرسة دينية في باكستان أن تلغي تدريس بعض المواضيع التي قد تثير مشاعر عموم المسلمين، كمواضيع الجهاد مثلا، لأنها واردة في نصوص القرآن والسنة، وإن حذف مثل هذه المواد سيجعل المدارس تفقد شعبيتها وحاضنتها الطبيعية.
ولا ينفي محمدي في حديثه للجزيرة نت وجود بعض الضغوط الحكومية والرسمية على المدارس الدينية، لكنه يضعها ضمن الحدود المقبولة التي لا تصل إلى حد المواجهة، ويدلل على ذلك بازدياد عدد المدارس الدينية زيادة كبيرة وزيادة عدد خريجيها والتبرعات التي تتلقاها.
من جهته، يقول الأستاذ محمد طيب الذي يدرس القرآن والعلوم الدينية في جامعة أبو بكر الصديق التابعة لمؤسسة “وفاق”: إن المدارس تراعي التخوفات الحكومية وتتفهم الضغوط الدولية على الحكومة، لذلك تقوم بضمان الانضباط والتركيز على العملية التعليمية.
وتشدد المدارس على قضايا المبيت فيها والزيارات الفردية، حتى تقطع الطريق على التصرفات الشخصية التي تعطي سمعة بأن المدارس الدينية تشكل مصدرا للإرهاب ومأوى للعناصر المتطرفة.
ويؤكد أن هذا الأمر لا يؤثر على قرارات الإدارة بشأن المناهج التي يتم تدريسها، حيث إنه يتم تطوير المناهج بحسب الحاجات الإنسانية المتجددة، ويتم تقليص المناهج الفلسفية الثقيلة المقررة على الطلاب.
كما يتم إدخال مواد جديدة تواكب التطور والتقنية كالحاسوب واللغات والمهارات المهنية التي قد يحتاج إليها الطالب مستقبلا.
على الجانب الآخر، لا تزال إدارة مدرسة المسجد الأحمر وجامعة حفصة في العاصمة إسلام آباد تتمسك بمنهجها وأسلوبها الفكري والتعليمي الصارم، على الرغم مما عانته في صيف 2007 حين قرر مشرّف اقتحام المدرسة، مما أسفر عن مقتل عشرات الطلبة الذين اعتصموا داخلها.
وتنحدر جامعة حفصة للبنات والجامعة الفريدية للذكور من المدرسة الديوبندية الحنفية، وتميل إدارتهما المشتركة إلى المناداة بتطبيق الشريعة الإسلامية، وترى أن هذا هو السبب الأساسي الذي جعل المدرسة في مواجهة مع الجيش والسلطات والقضاء.
ولا يرى مدير جامعة حفصة الشيخ عبد العزيز غازي أي مخطط مستقبلي للتنازل أو التصالح مع الحكومة للوصول إلى حل وسط، “فالتصالح وأوساط الحلول ليسا واردين في القضايا الفكرية والمواقف العقدية”، على حد وصفه.
ويحرص غازي على تبني الفتاوى نفسها التي قادته إلى المواجهة مع السلطات سابقا في أزمة المسجد الأحمر، حين فقد أمه وأخاه عبد الرشيد غازي وعددا من أفراد عائلته.
ويصرّ على عدم المساس بهوية الجامعة التي افتتحت في مقر آخر، حتى في اللون الخارجي للمسجد الذي يحرص دائما على تجديد طلائه بالأحمر، وهو اللون الذي يكتسب المسجد اسمه منه.
وكانت مؤسسة “وفاق” رفعت يدها عن جامعة حفصة وأعلنت أنها لا تتبع لها، ولم تفلح الجامعة في طلب قدمته حديثا في الانضمام مجدداً للمؤسسة.