الطائرات الورقية في “مسيرات العودة” وبيانات الاحتلال للمرابطين على الحدود وبيانات المشاركين في ذيل الطائرات الورقية باللغة العبرية للمستوطنين والجنود، حرب نفسية لم يتوقعها الاحتلال من قطاع غزة المحاصر منذ أحد عشر عاماً.
أهالي الضفة والقدس والداخل شاهدوا هذه الحرب النفسية وتفوق الجانب الفلسطيني على دولة تعتبر نفسها الأقوى في المنطقة وأنها صاحبة خبرة وباع طويل في مواجهة أعدائها.
حرب نفسية
المحلل المقدسي ناصر الهدمي يقول في حديث معه: لا شك أن المقدسيين ينظرون إلى مسيرات العودة بنظرة فخر واعتزاز، فأهل غزة المحاصرين حشروا الاحتلال في الزاوية بعد أن ظن الاحتلال أن يرفعوا الراية البيضاء، فـ”مسيرات العودة الكبرى” أخرجت صوراً جديدة من مقاومة الاحتلال، إضافة إلى إخراج حق العودة ليكون واقعاً وليس شعاراً، وأن العودة للقرى التي هجروها حق كالشمس.
وأضاف: الحرب النفسية بين الطرفين شكلت موقعاً متقدماً للمقاومة، التي استطاعت أن تسابق العقل الصهيوني وتتوجه إلى عقول المستوطنين القاطنين فيما يسمى بغلاف غزة الذين يعيشون حالة من الرعب والخوف، فهم لا يستطيعون تصور من أين تأتيهم الضربات الموجعة.
وتابع: تخبط الاحتلال واضح منذ بدء “مسيرات العودة”، فهو يتخوف من مفاجآت غير محسوبة من مسيرات العودة خصوصاً مع اقتراب وقت الذروة.
وختم الهدمي قائلاً: الاحتلال ارتكب خطأ جسيماً منذ البداية عندما استخدم كل أدوات القوة في قمع الشعب الفلسطيني، فلم يعد لديه ما يردع تعاظم الإرادة والشجاعة الفلسطينية، فلم يعد الفلسطيني يخشى قوة الردع “الإسرائيلية”، فمن خلال وسائل بسيطة مثل الطائرات الورقية أو حرق الإطارات الكوشوك أو بيانات ترسل باللغة العبرية أو منجنيق يقذف حمم اللهب، لم يعد الاحتلال يحتمل هذه الوسائل البدائية، ولكن أثرها النفسي كبير جداً، فميزان الرعب غير متساوٍ، فالفلسطيني صاحب الحق لا يخشى تهديدات الاحتلال بينما الجندي والمستوطن في حالة ترقب وخوف، فأمهات الشهداء تودع البناء وتؤكد استمرار التضحية والمستوطن يهرب من مسكنه والجندي في حالة غير مستقرة.
تاريخ الصراع
ويرى البروفيسور إبراهيم أبو جابر من الداخل الفلسطيني في هذا المشهد أنه أعاد الهيبة للشعب الفلسطيني في تاريخ الصراع معه، وفي مناسبة لها في ذاكرة الشعب الفلسطيني وقع كبير وهي ذكرى النكبة الـ70.
وأضاف: نحن في الداخل الفلسطيني “مسيرات العودة الكبرى” تعانق مسيرات العودة للقرى المهجرة في مناطق الـ48، فهي تحمل ذات المضمون وهي حق العودة، و”مسيرات العودة” في غزة أعطت زخماً قوياً لمسيرات الداخل، وهذا الأثر النفسي القادم من غزة علينا كبير جداً، ومن خلال متابعتي للإعلام العبري أستطيع التأكيد أن وسائل مسيرات العودة الكبرى دفعت بكل المسؤولين في الدولة العبرية إلى التحرك لمساندة الجنود والمستوطنين، وهذا واضح من الرسائل باللغة العربية من قبل وزير الجيش ومسؤولين في “الشاباك” ووزراء، حتى يستطيعوا إيصال الرسالة للغزيين، وهذا لا يخفى على أحد أن المتأثر الحقيقي من مسيرات العودة هي دولة الاحتلال وقطاع المستوطنين، فالرسالة النفسية من قبل مسيرة العودة قد نجحت.
العقلية “الإسرائيلية”
بدوره، قال الخبير العسكري واصف عريقات: الجندي “الإسرائيلي” يعتمد على بطشه وقوة ردعه، واستطاع الفلسطيني أن يحيده، وجاءت “مسيرة العودة الكبرى” من الخاصرة الضعيفة للاحتلال، واتبعت الأسلوب الدعائي السلمي، وهي موجهة للمجتمع “الإسرائيلي” بشكل شامل، فهناك الجندي والمستوطن والوزير والمواطن وهذا هو سر النجاح.
وأضاف: القائد الألماني رومل قال: “من يسيطر على عقول أعدائه ينجح في السيطرة على أجسادهم”، والفلسطيني نجح في انتخاب الوسائل، فأصبح الفلسطيني بشكل سلمي أقوى من “الإسرائيلي” صاحب القتل والإرهاب، والعالم أخذ يتحدث عن حق الفلسطيني في العودة إلى أرضه، فالجندي والمستوطن يقفان على أرض المشارك في “مسيرة العودة الكبرى”، وهذا الأمر جعل الفلسطيني يجسد حالة ذهنية معينة ويجرد “الإسرائيلي” من معنوياته.
ولفت عريقات قائلاً: الفلسطيني باختياره الوسائل السلمية، أربك العقلية “الإسرائيلية” القائمة على استخدام القوة العسكرية في مواجهة خصومها، وهنا تفوق الفلسطيني بسلميته وتأثيره فهو صاحب الحق والأرض التي يريد العودة إليها.