بقلم: خالد أبو الفضل
ما يحدث لطارق رمضان في فرنسا هو بكل بساطة شيء مشين ومخادع، ولذلك لم يعد بإمكاني الحفاظ على صمتي تجاه هذا التزوير البغيض للعدالة، وبما أن تهم الاغتصاب تم رفعها ضده في فرنسا، فإن حالة طارق رمضان شابتها مخالفات إجرائية، وإنكار إجراءات التقاضي السليمة، وأدلة على تمييز مخادع، والواقع أن سوء معاملة رمضان من قبل المحاكم الفرنسية، وإعدامه العلني الفعلي معنوياً من قبل وسائل الإعلام الفرنسية، غير عادل إلى الحد الذي يرتفع لمستوى الاضطهاد الصريح.
وقد قام آلان جابون وآخرون بالفعل بتفصيل سجل الاضطهاد وإساءة المعاملة من قبل السلطات الفرنسية في هذه القضية، فقد وقع أكثر من مائة من الأكاديميين والعلماء البارزين بياناً يطالب بمعاملة عادلة وإجراءات تقاضٍ سليمة لطارق رمضان.
إذن لماذا أكتب؟ أكتب أولاً لأنني كمسلم أشعر بالغضب من الصمت المحرج للمنظمات والقادة المسلمين تجاه إعدام رجل دين مسلم لا يمكن إغفال وجوده، فنفس المنظمات التي ركبت في وقت من الأوقات على عظمة شهرة شهر رمضان وصيته، التي تنافست على المفاخرة بوجود طارق رمضان على قائمة المتحدثين في مؤتمراتهم وندواتهم، تخلوا عنه الآن بهدوء وبشكل مريح وتركوه وهو وعائلته في مصيبة.
والسبب الثاني الذي يدفعني للكتابة هو أنني أكتب للتاريخ وكطالب للقانون، فقضية رمضان تذكرني بقضية دريفوس المخجلة عندما حاول النظام القانوني الفرنسي المستنير أن يمسك برجل بريء بطريقة خاطئة، لأنه ببساطة كان يهودياً، أكتب لأنني أشك بشدة في أن الطريقة التي يتم بها التعامل مع قضية رمضان بها أدلة واضحة على التحيز السياسي والديني، وأن هذه التحيزات تمثل مخالفات عديدة ابتليت بها إجراءات التقاضي في فرنسا، أكتب لأنني أشعر بقلق عميق حيال السخرية من افتراض البراءة، ولأن هناك أدلة دامغة على أن طارق رمضان لا يعامل كمشتبه به يواجه اتهامات الاغتصاب بشكل صحيح، لكنه في الواقع سجين سياسي يتعرض للاضطهاد من قبل أعداء أيديولوجيته، وبعد دراسة مجموعة كاملة من القضايا الجنائية المرفوعة ضد المغتصبين المشتبه بهم في فرنسا، ليس هناك شك في أن معاملة طارق رمضان لا تبررها التهم أو الادعاءات أو إجراءات التحقيق في القضية.
وفيما يلي سرد جزئي للمخالفات والمشكلات في هذه القضية:
طارق رمضان يقبع في الاعتقال الوقائي منذ شهر فبراير من هذا العام، ولم يتم تحديد موعد للمحاكمة، وليس من المؤكد إذا كانت ستجري محاكمة أم لا.
ورمضان لم يعامل كمدعى عليه جنائي عادي، وقد تم تحويل قضيته بشكل لا يمكن تفسيره إلى اختصاص المدعي العام فرانسوا مولينز، وهو شخص متخصص في ملاحقة قضايا الإرهاب التي كان المشتبه فيها مسلمين بشكل دائم.
وقد تعامل مولينز مع طارق رمضان تحديداً وكأنه متهم بالإرهاب، فتم وضع رمضان في الحبس الانفرادي، وتم تقييد وصوله إلى عائلته وللمحامين ولملفات قضيته الخاصة بصرامة وشدة؛ وحرم من امتيازات البريد وأي حقوق خاصة.
ومن المثير للصدمة أن رمضان اعتُقل لعدة أشهر قبل السماح له بمجرد التحدث أو تقديم أي أدلة تبرئة من قبل دفاعه، وفقط في 5 يونيو من هذا العام تم السماح له أخيرًا بتقديم الشهادات وأدلة الطعن، وبذلك فطارق رمضان يكون من الناحية القانونية، وبحسب شروط احتجازه، تم وضعه في ظروف غير مواتية، حيث تم تقييد قدرته على الدفاع عن نفسه ضد التهم بشدة، والمشكلة مع القيود المفروضة ليست فقط نفسية ولكنها تقيد قدرة المدعى عليه على إجراء البحوث والتداول مع المحامي وإطلاق دفاع قوي ضد الاتهامات الموجهة إليه، تخيل أنك تحاول تنظيم دفاع ضد التهم الجدية عندما تسجن في الحبس الانفرادي 23 ساعة في اليوم، ولا يسمح لك إلا بزيارة قصيرة خارج زنزانتك، أو تمنع من الوصول إلى مكتب أو كمبيوتر، وتمنع الوصول إلى معظم البريد، وتمنع من القراءة والكتابة وتمنع من الوصول إلى ملف القضية الخاصة بك!
أضف إلى ذلك أن طارق رمضان مريض جداً، وليس من قبيل المبالغة القول: إن ظروف احتجازه سيئة وملتوية، فظروف احتجازه تؤدي إلى تدهور حاد في صحته، وقد تؤدي حتى إلى وفاته، ورغم التوثيق الطبي الماحق، رفضت المحكمة الفرنسية وضعه في المستشفى وتزويده بالعلاج الطبي المناسب.
إن افتراض البراءة يعني أنه يجب علينا أن نفترض أن الشخص بريء حتى يثبت العكس، ولكن هذه ليست الطريقة التي يعامل بها رمضان، الطريقة التي يعامل بها تذكرنا بالطريقة التي تعاملت بها المحاكم الفرنسية مع المشتبهين بالإرهاب، حيث تم تقييد حقوقهم بالإجراءات القانونية الصارمة بسبب مصالح الأمن القومي المزعومة.
غير أن قضية طارق رمضان لا يفترض أن تكون مرتبطة بالإرهاب، بل هي عبارة عن اعتداءات جنسية مزعومة، ولم تقدم المحكمة أي مبررات مقنعة لجميع القيود المفروضة عليه في السجن، وترفض معاملته مثل العدد الهائل من المدعى عليهم الذين يواجهون اتهامات مماثلة الذين أفرج عنهم في بعض الحالات حتى موعد محاكمتهم.
والواقع، أن الحكومة الفرنسية قد كشفت مؤخرًا عن مؤامرة إرهابية من قبل مجموعة قومية بيضاء، أطلق عليها اسم منظمة “AFO”، لمهاجمة المسلمين في جميع أنحاء فرنسا وقتلهم، وعلى الرغم من أن الأعضاء العشرة من منظمة “AFO” اعترفوا بأنهم خططوا لتنفيذ هجمات قاتلة ضد المساجد والمدارس الإسلامية في فرنسا، وقد تم توجيه الاتهام إلى قائد المجموعة ومعظم أعضائها فإنه تم الإفراج المشروط عنهم على الفور، ولم يتعرض المدعى عليهم من منظمة “AFO” لأي شيء قريب مما حدث لطارق رمضان.
الحرمان من المحاكمة العادلة
اسمحوا لي أن أقول هذا بوضوح قدر استطاعتي: المشكلة في هذه القضية هي التمييز، طارق رمضان لا يعامل مثل أي متهم في مكانه يواجه نفس مجموعة التهم التي يواجهها، المشكلة هي الحرمان من الإجراءات القانونية الواجبة، إن ظروف حبس رمضان تحرمه فعلياً من فرصة إطلاق دفاع قوي بنفسه؛ والمشكلة هي الاضطهاد، تعرض رمضان وعائلته للإعدام بدون محاكمة في وسائل الإعلام الفرنسية.
الأسوأ من ذلك أن الدولة الفرنسية متواطئة في استغلال الفرصة التي تتيحها التهم الموجهة لرمضان من أجل اضطهاد أحد المفكرين المسلمين العامين، الذين ظلوا لسنوات شوكة في خاصرة الحكومة الفرنسية، وتكمن المشكلة في أنه مثل الحظر الإسلامي الذي أيدته المحكمة العليا الأمريكية مؤخراً، هناك أدلة كثيرة على وجود معاداة للمسلمين تتجاهلها المحكمة الفرنسية، المشكلة الخطيرة هي أنه بالنظر إلى سجل المحكمة الفرنسية حتى الآن، من المشكوك فيه إلى حد كبير أن يتمكن النظام الفرنسي من تقديم شخص مثل طارق رمضان لمحاكمة عادلة ومنصفة، ومثل قضية دريفوس سيئة السمعة، مع كل يوم يمر، يظهر هذا أكثر فأكثر كاغتيال سياسي وليس حكماً عادلاً.
في قضية دريفوس، تمت إدانة رجل بريء وسجنه لسنوات قبل أن يدرك اليهود الفرنسيون أن المثل العليا لجمهورية فرنسا المتمثلة في الحرية والمساواة والأخوة لم تشملهم، وأنهم كمواطنين يتمتعون بوضع الدرجة الثانية.
لكن قضية دريفوس أصبحت أيضًا دعوة لليهود في فرنسا وأوروبا لاستدعاء الكرامة والحقوق المتساوية كمواطنين، وعدم الخجل من المطالبة بحقوقهم كمواطنين، كانت قضية دريفوس أيضًا نقطة تحول في تاريخ اليهود الأوروبيين؛ لأنها أقنعت العديد من المفكرين اليهود بضرورة التحلي بضمير هويتهم الجماعية وكرامتهم وتضامنهم كمواطنين قبل أن يتمكنوا من الحصول على حقوق متساوية.
أجد نفسي مضطراً إلى التساؤل عما سنحتاجه لإيقاظ المسلمين من أجل إدراك حقيقة أن قضية رمضان سرعان ما أصبحت دليلاً على عدم التمكين الفاضح والخنوع السياسي للمسلمين في جميع أنحاء أوروبا؟
لا بد لي من القول: إنني لا أستطيع مقاومة الفكر القاتم إلى حد أن شعبًا لا يعترف بأهمية المسارعة في مساعدة ألمعهم وأكثرها حدة عندما يعامل بشكل غير منصف ويحرم من العدالة الأساسية، وهذا يجعل من الصعب عليهم اكتساب الاحترام كبشر وكشعب.
لقراءة المقال باللغة الإنجليزية انقر هنا