ليس بالاكتشاف العظيم إذا قلنا: إن الثورة السورية غلب عليها طابع الصراع الدولي منذ سنوات، وأن المشكلة لم تعد سورية-سورية بالدرجة الأولى، وخصوصاً بعد التدخل الإيراني، والتدخل الروسي في سبتمبر 2015، بالإضافة إلى ملف الميليشيات الإيرانية، والجماعات والمنظمات الإرهابية العابرة للحدود، “داعش، ب ي د، القاعدة” وغيرهم.
الحراك السياسي الدولي في الأشهر الأخيرة الماضية شهد تطورات كثيرة، وعاد إلى ما كان عليه قبل خمس سنوات، من خلال الاجتماعات المتتالية لكل من مجموعة أستانة والتي تضم الدول الضامنة “تركيا، روسيا، إيران”، والمجموعة المصغرة الغربية، التي تضم “الولايات المتحدة الأمريكية، والسعودية، وفرنسا، والأردن، وبريطانيا، وألمانيا، ومصر”، والمجموعة الرباعية التي انطلقت في إسطنبول، على مستوى الرؤساء في 27 أكتوبر الماضي، وجمعت كلا من “تركيا، وروسيا، وألمانيا، وفرنسا”، وهناك قواسم مشتركة بين جميع هذه الدول، وأهمها أنه ليس هناك حل عسكري في سورية، وأن الحل سياسي يكون من خلال تطبيق القرارات الدولية، وأهمها القرار الأممي (2254)، ومحاربة الإرهاب، وملفات اللاجئين، وإعادة الإعمار، التي لن تتم دون الوصول إلى اتفاق سياسي يصب في مصلحة السوريين، ويرضي جميع الأطراف.
المبعوث الأممي الخاص الجديد إلى سورية، جير بيدرسون، الذي تسلم مهامه في السابع من الشهر الجاري، خلفاً للمبعوث السابق ستيفان دي ميستورا، بدأ مهامه بجولة استهلها بزيارة دمشق، ومن ثم الرياض، والاجتماع مع هيئة التفاوض السورية، وقد أكد قبل بدء جولته، أنه متفق مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، على تطبيق القرار (2254) بكامله، كما أعاد تأكيد ذلك لهيئة التفاوض، وأنه سيعلن عن نتائج زيارته، بعد إكمال جولته في الرياض، وموسكو، والقاهرة.
وعلى الصعيد الميداني، انحسر العمل العسكري بنسبة كبيرة، ولم يبق إلا في أماكن محدودة، والأهم الآن إنهاء ملف الميليشيات الإيرانية، وملف إدلب (شمال غرب)، ومنبج (شمال)، وشرق الفرات، مع ضمان عدم بقاء أي من الميليشيات والجماعات والتنظيمات الإرهابية في هذه المناطق، والتي يشترك في محاربتها الجيش السوري الحر، المدعوم من تركيا، وبمشاركة تركيا أيضاً، فضلاً عن مشاركة روسيا، والتحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
إن قوى الثورة والمعارضة قبلت بالانخراط في الحل السياسي، وهذا لا يعني الرضى بأي شيء، فبين الرضى والقبول فرق شاسع، حيث جاء القبول بالانخراط في العملية السياسية، لوقف الحرب والقتل، وتنفيذ القرارات الدولية التي لم تساو بين قوى الثورة والمعارضة من جهة، والنظام من جهة أخرى، بل كانت تساوي بين السوريين من الموالاة والمعارضة، لتضمن أن الحل السياسي سيساهم في إعادة اللحمة بين السوريين، من خلال عملية سياسية تضمن الوصول إلى تطلعات ومطالب الشعب السوري، يتم بعدها الاستفتاء على الدستور الذي يضمن توزيع الصلاحيات، ويفصل بين السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، ويؤكد على عدم العودة إلى حكم دكتاتوري مستبد، ومن ثم إقرار قانون الانتخابات، والبدء بالانتخابات المحلية، ثم البرلمانية، فالرئاسية، والذي سيختار السوريون بموجب هذه الانتخابات، من يمثلهم من خلال صناديق الانتخابات بحرية ونزاهة، وصياغة عقد اجتماعي بين الشعب وممثليه في السلطة، عندها تكون قد انتهت مهمة المعارضة والنظام، لتبدأ حقبة جديدة، في مقدمتها محاسبة جميع من تلطخت أيديهم بدماء السوريين، والمصالحة الوطنية.
وبعد كل التطورات التي حصلت سياسياً وميدانياً، لا يزال في يد قوى الثورة والمعارضة السورية، كثيراً من أوراق القوة للدفع بالانتقال السياسي، أهمها أن الثمن الذي دفعه السوريون كبير جداً، من أجل حريتهم وكرامتهم، ولا يمكن مقارنة ذلك بأي ثمن كان، منذ الحرب العالمية الثانية لم يكن هناك ثمن مماثل، إضافة إلى القرارات الدولية، وكذلك ملف اللاجئين والمهجرين، وإعادة الإعمار، التي لن تتم دون تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة، وهي بيان جنيف1 (2012)، والقرار الأممي (2254)، فضلاً عن أوراق تتعلق بهشاشة وضعف النظام داخليا، وإدانته باستخدام السلاح الكيماوي، وفق تقارير لجان التحقيق الدولية، مما يزيد من عزلته الدولية، ولابد من استخدام هذه الأوراق في دفع العملية السياسية لتحقيق الانتقال السياسي، إلى دولة الحرية والكرامة والعدالة الانتقالية.
لقد أصبح من المؤكد أن عام 2019 سيكون عام يتركز العمل فيه على إنهاء ملفي إدلب وشمال شرق سوريا، من خلال إنهاء التنظيمات الإرهابية، وتطبيق الحوكمة والخدمات في هذه المناطق، لحين الوصول إلى الاتفاق السياسي.
وإضافة لما سبق سيتم تركيز العمل على المتابعة في العملية السياسية، من خلال إطلاق اللجنة الدستورية، والبدء بعقد جلسات للمفاوضات في جنيف السويسرية، للاتفاق على ترتيبات السلة الأولى من سلال التفاوض الأربع التي اتفق عليها، وهي السلة الأولى “هيئة الحكم الانتقالي”، والبدء بتحضيرات البيئة الآمنة والمحايدة، والعمل على السلة الثالثة وهي “سلة الانتخابات”، فيما السلة الثانية هي “الدستور” ومناطة باللجنة الدستورية، والسلة الرابعة هي “مكافحة الإرهاب”، وهو ما يتم عمله ميدانيا، وفي النهاية الأساس المعتمد هو، لا يتم الاتفاق على شيء، حتى يتم الاتفاق على كل شيء.
_______________________________
(*) عضو هيئة التفاوض السورية التابعة للمعارضة.
المصدر: وكالة “الأناضول”.