خلال زيارتي لبعض الجهات الحكومية، وجدت فئة قليلة تخالف الأعراف العامة لأي مؤسسة في الملابس والأشكال والسلوك، مما يدل على أمرين مممين: ضعف الرقابة الإدارية، وجهل الموظف بمعنى السلوك الخاص والعام.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، رأيت نساء يلبسن بنطلوناً للركبة، ونعال صبع، وقميصاً بدون كُم، وآخر شفافاً، وجينزاً ضيقاً وممزقاً، وفستاناً فوق الركبة، وبنطلوناً ضيقاً دون تغطية الخلفية بقميص، وقصات شعر غريبة، ومكياجاً صارخاً.. إلخ.
ورأيت شباباً يلبسون دشداشة بدون غترة، وملابس رياضية، وشنبات عريضة جداً، أو مدببة، ووشماً، وقصات شعر غريبة.. إلخ، وبالطبع كل ذلك لا يتناسب تماماً مع قيم العمل.
أذكر قبل عامين تقريباً انتشرت صورة لامرأة بلبس رسمي وقد حلقت نصف شعرها، وأوقفت الشعر الآخر، ولولا انتشار الصورة بوسائل التواصل، لما تم إيقافها ونقلها، فأين المسؤول؟!
أنا أقدر أن هؤلاء الشباب ليس لديهم علم بمعنى قيم العمل، لأنهم لم يتعلموها في البيت، ولا في المدرسة، ولا في المعاهد والكليات، ولا في أي مكان آخر، كما لم ينبهوا عليها قبل استلام العمل.
والسؤال الذي يطرح نفسه: لم لا يبادر المسؤولون –بشكل أخوي وأبوي– بنصح هؤلاء الشباب بأن ذلك السلوك لا يتسق مع أدبيات وقيم العمل، وإلا فعليهم البحث عن مكان آخر؟! الجواب: ما عنده قانون يحميه.
طيب.. لم لا نجد هذا السلوك السلبي في البنوك والشركات الكبرى؟ ولا تجد أحداً يقول: حرية شخصية!
الجواب ببساطة: أن تلك المؤسسات وضعت لها نظماً من البداية لكل موظف يعمل لديها، يوقع عليها، وإذا خالفها إما أن يتأخر في ترقيته، أو يخسر وظيفته.
اعتاد مدير عام أحد البنوك الكبرى أن ينزل دورياً إلى القاعة المصرفية.. الواجهة الأولى للبنك، قبل أن تفتح الأبواب، ويلف على الموظفين، وأي موظف يلبس نعالاً، أو دشداشة بدون غترة وعقال، أو يلبس قميصاً بدون ربطة عنق، يناديه بالاسم للخروج وتعديل هندامه، حتى وضع الغترة لها شكل معين، وكل ذلك مبين بالصور عند بداية العمل.
الرسالة باختصار: إن الجهة التي تعمل بها لا تمثلك، إنما أنت تمثلها، وبالتالي ينبغي الالتزام بقوانينها، وتقديم الصورة الأمثل لها، والسلوك واللبس والشكل الخارجي للموظف جزء رئيس فيها.
طيب.. لِمَ لا يطبق ذلك في المؤسسات الحكومية؟! لِمَ نرى العشوائية في الملابس والأزياء والمكياج والوشم والشنب واللحية.. إلخ؟ لِمَ لا يحترم الموظف الجهة التي يعمل بها بلبس لائق؟ لِمَ نرى الموظفين يدخنون في كل مكاتب الوزارات والهيئات الحكومية، بما فيها المستشفيات والمستوصفات، رغم أن مرسوماً أميرياً يمنع ذلك؟! لِمَ لا يحترم الموظف القانون في المؤسسات الحكومية، ويحترمه في القطاع الخاص؟!
لأنها باختصار أصبحت ثقافة مجتمع لم يردعها أو ينظمها أحد، بالضبط كما يحصل للمسافر المؤدب في الخارج، وأول ما يدخل مطار الكويت ولع السيجارة! ونحن لا نقبل أن تكون هذه ثقافتنا وقيمنا وسلوكنا.
وبالمقابل.. فقد دخلت عدة سفارات كويتية بالخارج، ولم أجد فيها تلك المخالفات في الملابس والأزياء والمكياج الصارخ (باستثناء التدخين)، وذلك يعني أننا يمكن أن نلتزم بالقانون والسلوك العام الحسن لو وجدنا من وجهنا إليه من البداية.
ومن المؤسسات المهمة جداً في ذلك “تلفزيون الكويت” بجميع قنواته، لأنها الواجهة الأولى لبلدي ووطني أمام العالم، فظهور مذيعة بلبس غير لائق (وغير لائق كلمة واسعة)، أو شاب كله وشم، فإنه يسيء لنا جميعاً، فالظهور باللبس المحتشم (لا بد من توصيفه)، رجالاً ونساءً، وظهور المذيعين بالغترة البيضاء والعقال، (يستثنى البرامج الحركية)، ومكياج هادئ، فإن ذلك يعطي صورة إيجابية عن المؤسسة أولاً، وعن المجتمع الكويتي ثانياً.
ويشمل ذلك الأمر القنوات التلفزيونية الأخرى، وهم يتحملون مسؤولية ما يبث عبر قنواتهم الفضائية، فسمعة الكويت أهم.
وحتى التمثيليات والمسرحيات؛ ينبغي أن يستشعر منتجوها المسؤولية تجاه الوطن، والأجيال القادمة، لأنها تعرض في قنوات فضائية، فالفنان الكويتي يمثل وطنه في كل ما يقدم من أعمال، وعليه أن يحذر من الزلل، وكلنا نعرف أن غالب جمهور المسرح من الشباب والأطفال، وغالب جمهور التمثيليات النساء، فعندما تسيء بعض التمثيليات للمجتمع الكويتي من خلال لقطات سلبية، شكلاً ولبساً وشعراً ..إلخ، فإنها تروج لها في المجتمع، وتعطي صورة سلبية عن البلاد.
ولا أعرف هل يوجد قانون يمنع إعطاء صورة سلبية عن المجتمع، أو تسويق قيم سيئة، أو تصوير مشاهد بأعمال فنية غير كويتية يمنع مثلها داخل الكويت؟! مثل تلك الممثلة التي تبجحت بأنها صورت لقطة في فيلم أمريكي وهي لابسة “مايوه بكيني”! أو مثل ذلك المذيع الذي يحاور الفنانات بعلاقاتهن الخاصة!
ليس هذا فقط، فالموضوع أكبر من ذلك.. فالوفود التي تمثل الحكومة في الخارج، ينبغي لها الالتزام بالزي الوطني بالدرجة الأولى، أو “بدلة” وربطة عنق، واللبس المحتشم بشكل عام، بدءاً من ركوب الطائرة، وحتى الرياضيون الذين يحملون شعار وعلم دولة الكويت ينبغي لهم مراعاة ذلك، فلا يليق مشاركة فتاة برياضة السباحة مثلاً وهي لابسة “مايوه” أمام وسائل الإعلام.. وغير ذلك.
الموضوع ليس له علاقة بالحرية الشخصية، وكل موظف يلبس الذي يريد، وكل مذيع يعمل ما يشاء، إنما هي ضوابط عامة.
يقول أستاذ الإعلام د. محمد البلوشي: ينبغي للدولة وضع محددات لقيم العمل، وضوابط اللبس والشكل والمكياج والوشم والسلوك وحتى الشنب وقصة الشعر خلال فترة العمل، تحمل خلالها الهوية الوطنية، وإصدار تشريعات لذلك كما هو معمول في البنوك والشركات الكبرى، فالدولة مسؤولة بأدواتها لضبط الأمور.
والأمر ليس بالصعب، فكل شيء يأتي بالتدرج، ويمكن ترتيبها كالتالي:
1- في البداية، ينبغي وضع التشريعات الإدارية والقانونية اللازمة لكل ما مضى، ووضع اللوائح المناسبة، والمذكرة التفسيرية والتفصيلية لكل أمر، مع مراعاة جميع الوظائف.
2- عمل عقود خاصة بتلك اللوائح والقوانين؛ يوقع عليها جميع الموظفين الحاليين (القدامى)، ويوقّع عليها الموظفون الجدد عند استلام العمل.
3- تعد دورات للموظفين الجدد خاصة بالقيم الوظيفية، تشمل تلك اللوائح والقوانين، وحقوق وواجبات الموظف، وذلك قبل استلامه العمل، كويتياً كان أو غير كويتي، ويوقع على علمه بكل التفاصيل.
وأنا أشكر وزارة الإعلام على اهتمامها بهذا الأمر بالنسبة للمذيعين، وبالأخص الاحتشام، وقد لاحظت اهتمام المخرجين بعدم إظهار اللقطات السلبية لبعض الضيوف، وأحياناً يطلب من الضيف تغيير لبسه، أو إخفاء بعض الأمور، أو تعديل جلسته، وما زلنا نطمح بالمزيد.
كما أن للضيوف دوراً ورأياً في المذيعة إن كان وضعها غير مناسب، فأذكر أكثر من ضيف اعتذر عن الظهور مع بعض المذيعات غير المحتشمات، فاضطر المخرج لإخراجها وتغييرها بمذيع آخر، أو مذيعة محتشمة.
الخلاصة: “إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”، فلن يلتزم أحد بدون قرار أو لوائح أو سلطة قانونية، مع الاعتذار عن الإطالة، إلا أن الموضوع متشعب، ويستحق التفصيل، والكويت أهم، ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.
___________________________
يُنشر بالتزامن مع صحيفة “أحوال الكويت”.