لم تبق سوى أيام قليلة على انتهاء المهلة الممنوحة دستورياً لتشكيل حكومة الرئيس الثانية، ولم يعلن رئيس الحكومة المكلف هشام المشيشي تشكيلة حكومته، وفي غياب المعلومة تكثر الإشاعات، ووقع تسريب أكثر من تشكيلة حكومية قال عنها المشيشي: إنها ليست دقيقة، لكنه لم يفصح حتى الآن عن أسماء وزرائه، وعلاقاتهم ببعض السياسيين واللوبيات والعائلات المتنفذة في تونس، وهو ما أثار شكوك الطبقة السياسية في البلاد، وخاصة حزب التيار الديمقراطي، وحركة الشعب، اللذين استخدما كما يقولون من قبل الرئيس ثم لفظهما مع رئيس حكومة تصريف الأعمال إلياس الفخفاخ.
وفي آخر تسريب لبرلمانيين ليلة الأحد إشارة إلى أن الرئيس التونسي قيس سعيّد استولى (في حكومة التكنوقراط المزعومة، حسب البعض) على ثلث الحكومة ووزارات السيادة، وأنه وضع في وزارة الداخلية أحد مستشاريه، لكن المصدر، وهو مناضل زمن الاستبداد، ونائب في البرلمان حالياً، لم يؤكد لـ”المجتمع” ما وصل إليه من أخبار حول هذا الموضوع.
العودة إلى النهضة
منذ أسبوع أو أكثر، كثفت الأحزاب المهمة في البرلمان اتصالاتها مع بعضها بعضاً، وهي حزب حركة النهضة، وحزب قلب تونس، وحزب التيار الديمقراطي، وحركة الشعب وائتلاف الكرامة، إلى جانب المستقلين، ويمثلون أغلبية مطلقة تقريباً في البرلمان.
وتمحورت المحادثات التي لا تزال متواصلة حول التعاطي مع الأزمة السياسية في ظل رغبة من الرئيس التونسي تجميع جميع خيوط اللعبة السياسية بيده، وجعل مؤسسات الدولة بتعبير بعضهم مجرد عرائس كل خيوطها بيده يحركها كيف يشاء، وفق سياسيين.
لا سيما بعد إدراك كل من الفخفاخ والتيار الديمقراطي وحركة الشعب أنهم كانوا مجرد أداة في مشروع الرئيس لا أكثر، وكلف ذلك التيار الديمقراطي وحركة الشعب خسارة كثيرة من رصيدهما الشعبي، وكلفت الفخفاخ الطرد المخزي من رئاسة الحكومة، وفق الناشط السياسي الأمين البوعزيزي في تدوينة له على “فيسبوك”.
العريض: وجود تنسيق ومفاوضات مع كل من الفخفاخ والتيار الديمقراطي وحركة الشعب وقلب تونس وائتلاف الكرامة
لقد أدرك ثلاثتهم، كما يؤكد كثيرون، أنهم استنفروا ضد “النهضة”، وكانوا جسراً لغيرهم، وأنهم خسروا بذلك الكثير من رصيدهم الشعبي ومن مصداقيتهم، ولا بد من العودة إلى النهضة لوقف الوضع السريالي في البلاد، الذي يمكن أن يفضي إلى عودة الاستبداد والاستفراد بمهمة تفسير الدستور دون مرجعية دستورية أو قانونية.
وقد أكد نائب رئيس حركة النهضة علي العريض، في لقاء خاص، حضرته “المجتمع” في محافظة القيروان، وجود تنسيق ومفاوضات مع كل من الفخفاخ والتيار الديمقراطي وحركة الشعب علاوة على حزب قلب تونس وبالطبع ائتلاف الكرامة.
وقد التقى الغنوشي، بالفخفاخ في قصر باردو، ويبدو أن هناك توجهاً نحو بلورة موقف مشترك يوقف مساعي تجاوز الدستور والتأسيس لما يقول البعض: إنه يشبه حكم القذافي في ليبيا على مدى يزيد على 40 عاماً، ومن بين ما يمكن أن يفرزه التفاوض إسقاط حكومة المشيشي قبل ولادتها، وإعادة وزراء النهضة الذين تم إقالتهم على إثر سعي النهضة لإسقاط حكومة الفخفاخ.
ومن المستبعد كما تؤكد المصادر البرلمانية إقدام الرئيس التونسي قيس سعيّد على حل البرلمان، وهي فرضية منحها له الدستور في حال عدم المصادقة على حكومة المشيشي والذهاب إلى انتخابات مبكرة بعد عدة أشهر، وذلك لما كشفته عمليات سبر الآراء الجدية من ارتفاع لشعبية النهضة وائتلاف الكرامة، وعدم اكتمال ولادة حزب قيس سعيّد” الشعب يريد”.
وهناك سيناريو آخر تحدث عنه الغنوشي، أمس الأحد، وهو منح حكومة المشيشي ثقة البرلمان من خلال تغليب منطق الضرورة، إذ إن عدم نيلها الثقة يمثل مشكلاً كونه سيترك فراغاً في البلاد، واستدرك: حتى منحها الثقة يمثل مشكلاً أيضاً؛ لأنها لا تمثل البرلمان ولا الأحزاب، وأكد أن مجلس شورى النهضة سيحدد موقفه الرسمي من حكومة المشيشي.
تفاوض على إسقاط حكومة المشيشي قبل ولادتها وإعادة وزراء النهضة
وتحدث الغنوشي عن انتخاب المحكمة الدستورية وتغيير القانون الانتخابي؛ “سنعمل جاهدين على تغيير النظام الانتخابي”.
وعاد للحديث عن حكومة المشيشي عدم منحها الثقة سيحيل البلاد إلى “الفراغ”، ومنحها الثقة مشكلة أيضاً؛ لأنها لا تمثل البرلمان ولا الأحزاب، وترك الأمر لمجلس الشورى ليحدد موقفه الرسمي من الحكومة المشيشي، لكن الأمر يتعلق بأسماء وزراء الحكومة وهوياتهم، وهم من سيحدد على ما يبدو مواقف الأغلبية البرلمانية المذكورة آنفاً.
محاولة للتدارك
تذكر المصادر أن المحيطين بالرئيس التونسي، الذين أسكرتهم النسبة التي فاز بها قيس سعيّد في الانتخابات (72%) وظنوا أن تلك النسبة لا تزال محافظة على موقعها في الخارطة السياسية دون أن يدركوا أن النسبة التي حققها سعيّد في الانتخابات هي بأصوات الأحزاب التي يستهين بها الآن ولا سيما في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية، علاوة على أن عمليات سبر الآراء الأمريكية جاءت قاسية على سعيّد حيث لم يحصل على أكثر من 10% بعد 9 أشهر تقريباً من الانتخابات، ولذلك بدأ المحيطون بسعيّد يطلبون ود التيار الديمقراطي، وحركة الشعب مجدداً، ومحاولة إضافة أسماء لحكومة المشيشي من الحزبين أو مقربين منهما، ولكن الحزبين حسب آخر الأخبار حسموا موقفيهما باتجاه استمرار التنسيق مع النهضة.
وكان الفخفاخ وأثناء تأبين لاعب كرة القدم التونسي الشهير حمادي العقربي، تلفظ باسم حمادي الجبالي، بدل حمادي العقربي، ورأى فيه البعض رسالة سياسية وليس خطأ منه، لا سيما وأنه لوّح بشارة النصر، وهو ما لا يفعله مسؤول في تأبين، ورئيس حكومة سينسحب في آخر الشهر لو تم تمرير حكومة المشيشي؛ أي أنه مطمئن لبقائه في السلطة وفق الاتفاق الجديد مع النهضة؟
الغنوشي: هذه وتلك
رئيس حزب حركة النهضة رئيس البرلمان، أكد تقريباً السيناريوهات والتحركات المذكورة، في لقاء خاص مع قواعد حركة النهضة في مدينة صفاقس، بالجنوب التونسي، أمس الأحد، حيث كان الحضور لافتاً، وعلّق أنصار الحركة وهم ينشرون الصور على مواقع التواصل الاجتماعي “النهضة لا تخشى الانتخابات”.
الغنوشي: عدم منح حكومة المشيشي الثقة سيحيل البلاد إلى الفراغ ومنحها الثقة مشكلة لأنها لا تمثل البرلمان ولا الأحزاب
وقال الغنوشي: إنه سيتم العمل في البرلمان على توفير أغلبية لتغيير النظام الانتخابي، وأنه إذا لم يتغير سيظل المشهد السياسي متشتتاً، وأن النظام الانتخابي من أسباب ضعف الاستقرار في تونس بعد الثورة وغير قادر على توفير أغلبية، فمهما كانت قوّة الحزب الأوّل لا يمكن له تشكيل أغلبية، وهذا يعني أن البرلمان لن يتم حلّه، وسيواصل عمله لتحقيق جملة من الأهداف في مقدمتها “المحكمة الدستورية” حتى لا يظل الدستور رهينة تفسير أوحد، يقوم به الرئيس قيس سعيّد.
بقاء البرلمان أولوية
وأوضح الغنوشي أن تمرير الحكومة من عدمه ليس هو الهدف، ويجب ألا يكون معركة حياة أو موت، وتابع: معركتنا هي المحافظة على جبهة برلمانية ما زالت غير واضحة المعالم ونحتاج تصليبها لنمر إلى الهدف السياسي وهو المحكمة الدستورية، وتغيير القانون الانتخابي وفتح حوار سياسي، ولما لا توسيع الجبهة البرلمانية لتأمين البرلمان.
وقال: إن حركة النهضة عامل استقرار لتونس وليست عامل اضطراب، لذلك قبلت بالمشاركة في حكومة الحبيب الصيد بوزير واحد دعماً للاستقرار، والنهضة لم تُعرف بأنها مُسقطة حكومات أو المتسبب في ضعف الاستقرار وسحب الثقة من حكومة إلياس الفخفاخ لم تسحبها بمفردها، كما أنها المرة الأولى التي يتم فيها ذلك بعد الثورة.
وأشار إلى اعتزام توجيه دعوة لجلسة استثنائية للنظر في قانون المحكمة الدستورية حتى يصبح عامل تيسير لانتخاب الأعضاء الثلاثة، واتفاق ثلثي البرلمان على شخصية ليس سهلاً، لذلك يمكن النزول بنصاب انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية إلى الأغلبية المطلقة بـ109 أصوات.
وأكد ضرورة انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية من طرف البرلمان حتى يفتح الطريق لمجلس القضاء ورئيس الجمهورية لتقديم بقية الأعضاء.