بقلم: صموئيل راماني (*)
لماذا تعتبر روسيا هي الرابح الجيوسياسي من انقلاب مالي؟
في 18 أغسطس، تمت الإطاحة بالرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا في انقلاب قادته عناصر منشقة عن القوات المسلحة المالية، وقد أدانت الأمم المتحدة بسرعة الانقلاب، وأوقفت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) على الفور العلاقات التجارية مع مالي.
وفي الأيام التالية، انتشرت تقارير حول تحالف سري بين روسيا ومخططي الانقلاب في مالي.
استندت هذه التقارير إلى حقيقة أن اثنين من مخططي الانقلاب، مالك دياو وساديو كامارا، قد عادوا إلى مالي قبل أيام من برنامج تدريبي في الكلية العسكرية العليا في موسكو.
وقد نفى عضو مجلس الدوما الروسي البارز أوليج موروزوف هذه المزاعم، في 22 أغسطس، بقوله: “أي حديث عن تورط روسيا بطريقة ما في انقلاب أغسطس يبدو سخيفًا”.
وعلى الرغم من عدم وجود أدلة كافية لاتخاذ قرار حاسم بشأن دور الكرملين في الانقلاب، فإن روسيا هي المستفيد الجيوسياسي المحتمل من التحول السياسي في مالي، فعلى النقيض من فرنسا، التي أقامت علاقات وثيقة مع كيتا وشهدت تضاؤلاً لنفوذها السياسي في مالي نتيجة للانقلاب، أقامت روسيا على الفور علاقات ودية مع حكومة مالي الانتقالية.
ففي 21 أغسطس، التقى السفير الروسي لدى مالي والنيجر إيجور جروميكو بممثلين عن اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب، وهي منظمة تضم الأفراد العسكريين المشاركين في الانقلاب، التي ترغب في الإشراف على فترة انتقالية مدتها 18 شهرًا قبل إعادة الحكم إلى سلطة مدنية، وكانت روسيا قد وقعت أيضًا اتفاقية تعاون عسكري مع مالي في يونيو 2019، وعززت علاقاتها مع شخصيات عسكرية مالية دعمت الانقلاب في النهاية.
وينظر الماليون إلى روسيا بشكل إيجابي أيضًا، في الوقت الذي ينظرون إلى مبادرات عملية برخان الفرنسية لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل باعتبارها ستارًا للاستعمار الجديد، ففي نوفمبر 2019، حث المتظاهرون في باماكو موسكو على صد هجمات الإسلاميين في مالي كما فعلت في سورية.
وقد لجأت شخصيات معارضة بارزة، مثل زعيم حزب التضامن الأفريقي من أجل الديمقراطية والاستقلال، عمر ماريكو، بمدح الأسلحة الروسية والدعم الفني، وفي مظاهرات ميدان الاستقلال في باماكو التي أعقبت الانقلاب، شوهد متظاهرون يلوحون بالأعلام الروسية ويحملون ملصقات تشيد بتضامن روسيا مع مالي.
ونظرًا لأن روسيا تمتلك مجموعة متنوعة من الشراكات في مالي ودول الساحل المحبطة من سياسات مكافحة الإرهاب التي تقوم بها القوى الغربية، يمكن لموسكو الاستفادة من انقلاب مالي لتأمين صفقات اقتصادية وتعزيز مكانتها الجيوسياسية في غرب أفريقيا.
وقد دمغت معاهد الأبحاث والمنافذ الإعلامية المتحالفة مع الكرملين باستمرار عمليات مكافحة الإرهاب الفرنسية في النيجر ومالي كواجهة لاستخراج موارد اليورانيوم في الساحل.
وهكذا قد تستفيد شركة روساتوم الروسية العملاقة للطاقة النووية، التي تتنافس مباشرة مع نظيرتها الفرنسية أفيندا على عقود في منطقة الساحل، من العلاقات المواتية مع السلطات السياسية الجديدة في مالي، يمكن لشركة نوردجولد، وهي شركة ذهب روسية لديها استثمارات في غينيا وبوركينا فاسو، توسيع مبادراتها لاستخراج احتياطيات الذهب من مالي.
ونظرًا لقلق دول غرب أفريقيا بشكل متزايد بشأن عدم الاستقرار على مستوى المنطقة الناجم عن الانقلاب في مالي، حاولت روسيا وضع نفسها كشريك في مكافحة التمرد في دول المنطقة، ففي مقابلة في 9 سبتمبر مع سبوتنيك، دعا سفير كوت ديفوار في روسيا روجر جنانجو إلى زيادة التعاون العسكري مع روسيا، بسبب عدم الاستقرار الناتج عن انقلاب مالي.
وعلى الرغم من أنه من غير المرجح أن تنشر روسيا متعاقدين عسكريين خاصين (مرتزقة) في منطقة الساحل، فإنها قد تستغل عدم الاستقرار الناتج عن الانقلاب المالي لبيع الأسلحة وتوسيع العمق الإستراتيجي لاتفاقيات التعاون العسكري مع بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر.
ومع أن روسيا قد تستفيد اقتصاديًا وجيوسياسيًا من انقلاب مالي، فإن تأثير الإطاحة بكيتا على علاقات موسكو مع فرنسا والصين لا يزال غير مؤكد، فمن أجل وقف موجة عدم الاستقرار في منطقة الساحل، يمكن لفرنسا أن توسع دعمها للزعماء المستبدين، مثل الرئيس التشادي إدريس ديبي، الذين تربطهم علاقات وثيقة مع روسيا.
ومع استمرار الحوارات الفرنسية الروسية بشأن سورية وليبيا والأمن السيبراني على الرغم من التوترات الحالية بشأن تسميم أليكسي نافالني، يمكن لفرنسا وروسيا أن تعمقا مشاركتهما في أمن الساحل.
ولكن وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي تشكك في قدرة روسيا على تحقيق الاستقرار في جمهورية أفريقيا الوسطى، ولذلك قد تمنع وجهات نظر مشابهة بشأن أمن الساحل التعاون الفرنسي الروسي في إدارة تأثير انقلاب مالي.
وبينما ترغب الصين في إدراج دول الساحل في مبادرة الحزام والطريق (BRI) وفي زيادة استثماراتها في بوركينا فاسو المجاورة بسبب تعليق البلاد لعلاقاتها مع تايوان، تنظر بكين إلى انقلاب مالي بفزع.
نظرًا لأن الحوار المؤسسي بين روسيا والصين حول قضايا الأمن الأفريقي محدود، يمكن لموسكو الاستفادة من انقلاب مالي لتثبت لبكين أنها تستطيع المساهمة بشكل بناء في الأمن الإقليمي، ومع ذلك، إذا تصاعدت الأدلة على تورط الكرملين في انقلاب مالي، فإن مخاوف الصين بشأن سلوك روسيا المزعزع للاستقرار في أفريقيا يمكن أن تصبح مصدراً لخلاف بين الاثنين.
نظرًا لإستراتيجيتها المتوازنة في مالي والركود الغربي في جهود مكافحة الإرهاب الغربية، يمكن لروسيا الاستفادة من الانقلاب كوسيلة لتوسيع روابطها الاقتصادية والأمنية في منطقة الساحل، وتقوم روسيا وهي تحاول الاستفادة من عدم الاستقرار المتزايد في منطقة الساحل، بمراقبة ردود فعل فرنسا والصين على سياساتها بحذر، ولذلك، قد تكون روسيا مستفيدًا جيوسياسيًا نادرًا من الأزمة الأمنية في مالي، نظرًا لأن القوى العظمى الأخرى مجبرة على إعادة ضبط نهجها لمكافحة التمرد في منطقة الساحل.
______________________________________________
(*) متخصص في السياسة الخارجية الروسية، وديناميكيات الصراعات الطويلة في الشرق الأوسط.
المصدر: “Eurasia Review“.