أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ورقة علمية للباحثة الدكتورة إلهام جبر شمالي حول تجربة التطبيع الإسرائيلي الموريتاني، وما تلاه من انقطاع، والاحتمالات المستقبلية لعودته.
فقد قامت الإدارة الأمريكية السابقة بالإعلان بين الفينة والأخرى عن صعود دول عربية إلى قطار التطبيع الذي أعلنت عنه في آب/ أغسطس 2020، واستمر ذلك حتى في الأيام الأخيرة على رحيلها، ولم يكد يخلو يوم من كانون الأول/ ديسمبر الماضي دون أن يكون للرئيس دونالد ترامب تغريدة عن احتمالية توقيع اتفاقات تطبيع جديدة على غرار اتفاق أبراهام مع الإمارات، ومن ثم البحرين، وكذلك السودان.
وترى الباحثة أن اتفاق إعادة تطبيع العلاقات مع المملكة المغربية لن يكون الاتفاق الأخير، مع حالة السقوط العربي المدوي أمام الإدارة الأمريكية التي اتسمت بإدارة الخوف والتهديد، والمقايضة الاقتصادية، والابتزاز السياسي، فهل ستكون الدولة المقبلة سلطنة عُمان، أم ستكون دولة موريتانيا، أم غيرهما!
وتقول الباحثة أنه قد يعتقد الكثيرون أن موريتانيا كانت في مؤخرة المشهد الأساسي وحركة اللاعبين الرئيسيين فيما يتعلق بردود فعل الصراع العربي- الإسرائيلي، لكن الحقيقة أنها كانت في قلب المنطقة، وشكلت بؤرة الاستهداف الإسرائيلي بصورة مخططة منذ السنوات الأولى لإقامتها، ووضعتها على قائمة أولويات أجندتها السياسية؛ تمهيداً لاختراق القارة الإفريقية، وبثت أجهزتها وشركاتها ذات الجنسيات المتعددة فيها، حيث تمتعت موريتانيا بموقع استراتيجي بالنسبة لدول المغرب العربي، من الناحية السياسية والإقليمية، خصوصاً مع امتلاكها لموانئ مهمة، وثروات طبيعية، ذات أهمية بالغة للاقتصاد الإسرائيلي.
وسلطت الورقة الضوء على مؤشرات التطبيع بين دولة موريتانيا و”إسرائيل”، وقدمت الورقة مراجعة لتاريخ العلاقات الموريتانية – الإسرائيلية. وبحثت في مجالات التطبيع الموريتاني – الإسرائيلي، فاعتبرت أن العلاقة اتخذت طابع التحالف أكثر منها تطبيع علاقات بين دول متحاربة. ونبهت إلى قطع موريتانيا لعلاقاتها مع “إسرائيل” في آذار مارس 2010، بعد أن كانت جمدتها تحت الضغط الشعبي في السنة السابقة بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
كما بحثت الدكتورة شمالي في مستقبل العلاقة الموريتانية – الإسرائيلية واحتمالات عودتها، في ضوء التحولات التي شهدتها الإدارة الأمريكية الجديدة، ووضعت ثلاثة سيناريوهات:
1. سيناريو القبول بالتطبيع، واعتبرت أن فرضية هذا السيناريو تنطلق على أساس عمق التطبيع السابق بين الطرفين، سواء كان ذلك على المستوى الديبلوماسي الكامل، أم التعاون الاقتصادي الشامل، إلى جانب التنسيق الأمني، ووجود سفارة إسرائيلية مغلقة في نواكشوط. كما أن النظام الموريتاني أُرغم على قطع العلاقات الديبلوماسية في بيئة داخلية وعربية ضاغطة. ويستند هذا السيناريو إلى وجود مغريات سياسية واقتصادية من الولايات المتحدة الأمريكية للنظام، وفقاً لما جرى من ضغوط وإغراءات للسودان وللمملكة المغربية كذلك، لذلك يفترض هذا السيناريو أنه يصعب على النظام الموريتاني الصمود أمام هذه الإغراءات، بالإضافة إلى أدوات الضغط الأمريكية خصوصاً في ملف حقوق الإنسان الموريتاني الذي يستخدمه الأمريكان وفق هواهم.
2. سيناريو التطبيع الخافت، ويستند سيناريو التطبيع الخافت على خشية من الضغوط الشعبية الداخلية القوية المعارضة للتطبيع ومن خشية النظام السياسي الحالي من حدوث انقلاب عسكري، خصوصاً مع عدم استقرار النظام السياسي في موريتانيا على مدار السنوات الماضية، وتعدد الانقلابات العسكرية بشكل متوالي، والتي وصل عددها نحو 15 انقلاباً عسكرياً ، لذلك قد تكون العلاقة بين موريتانيا و”إسرائيل” متعثرة ومتذبذبة.
3. سيناريو الرفض القاطع للتطبيع، وهو سيناريو تراجعت قوته في هذه الأيام في ظلّ تراجع دعم القضية الفلسطينية من الأنظمة العربية، فلم تعد القضية الفلسطينية، قضية مركزية لدى العديد منها؛ ومع رغبة إدارة الرئيس الأمريكي بايدن بتشجيع مسار التطبيع العربي، وإن بوتيرة أقل من إدارة ترامب.
وختمت الباحثة معتبرة أن ثمة مخاطر لإعادة نسج العلاقات الموريتانية – الإسرائيلية من جديد في ظلّ الإدارة الأمريكية الجديدة، خصوصاً وأن هناك مساعي إسرائيلية جدية لإعادة فتح السفارة الإسرائيلية في نواكشوط ومزاولة عملها، غير أن أي تطورات في العمل المقاوم في فلسطين، مع تصعيد الفعاليات الشعبية الموريتانية المعارضة للتطبيع التي أثبتت قوتها، ستقف حاجزاً أمام مسار التطبيع.