شهدت ليلة الأمس مواجهات ميدانية بين المقدسيين وقوات الاحتلال والمستوطنين، في محيط البلدة القديمة بالقدس المحتلة، لليوم الحادي عشر على التوالي، في مشهد مشابه لهبات باب الأسباط وباب الرحمة، يظهر من خلاله المقدسيون الهوية الراسخة لمدينتهم، وصمودهم في وجه محاولات طمس الهوية الدينية للقدس وتغيير معالمها.
التصدي لمحاولات فرض واضع جديد
المحامي خالد زبارقة، قال: إن “الأحداث في القدس كانت تتصاعد يوما بعد يوم، وتطورت إلى مواجهات في كل أحياء مدينة القدس، على غير ما كان يتوقعه الاحتلال“.
وذهب إلى أن الاحتلال ارتكب “حماقة ستكلفه غاليا”، ولفت إلى أن الاحتلال يمارس الضغط والبطش والقمع بحق المقدسيين بشكل متكرر، “إلا أنه في لحظة معينة ينفجر كل هذا الضغط والاحتقان في وجه الاحتلال، كما حدث في هبة باب الأسباط وكما حدث في هبة باب الرحمة، وكما يحدث اليوم في هبة باب العامود“.
وأكد زبارقة أن هبة باب العامود مرشحة للتطور وكان من الممكن أن تتوسع إلى كامل الضفة الغربية، وإلى الداخل الفلسطيني بهبات متتابعة، وأن يكون لها تبعات أخرى على الوضع الداخلي سواء الفلسطيني أو “الإسرائيلي”، وهو “ما يخشاه الاحتلال“.
وتابع: “من الممكن أيضا أن تتحرك الانتفاضات الشعبية في الوطن العربي من شماله لجنوبه ومن شرقه لغربه، وهو ما يخشى منه الاحتلال خاصة أنه استطاع بناء منظومة من التطبيع مع أنظمة عربية“.
وأوضح: “يعتقد الاحتلال أنه بمنظومة التطبيع تلك، يستطيع أن يستمر في مشروعه”، مشيرا إلى “تطبيع دولة الإمارات مع الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك البحرين والسودان والمغرب العربي، تحت منظومة اتفاقات أبراهام التي تستهدف مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك“.
وبين أن الاحتلال حاول اقتحام المسجد الأقصى المبارك بأعداد كبيرة، من أجل فرض واقع تهويدي جديد وواقع ديني جديد في “الأقصى”، وبالتحديد في شهر رمضان المبارك.
ويرى زبارقة، أن الاحتلال لم يكتفِ بالاقتحامات العادية، وسعى إلى فرض اقتحامات دينية، مع ترديد ترانيم تلمودية في ساحات المسجد الأقصى، وخاصة في الساحات الشرقية منه.
ويعتقد المحامي الناشط في الدفاع عن “الأقصى” أن هبة باب العامود قلبت الكثير من الموازين “الإسرائيلية”، ولم يتوقع الاحتلال أن تكون هذه الهبة بهذه القوة.
وأشار إلى أن يقظة الشعب الفلسطيني، ويقظة الشباب المقدسي وحبهم للقدس و”الأقصى”، واستعدادهم لدفع كل ثمن في سبيل الحفاظ على هوية القدس وهوية المسجد الأقصى المبارك، ستقلب مخططات الاحتلال رأسا على عقب.
ولفت زبارقة إلى أن الاحتلال، حاول فرض هوية يهودية على الحيز العام في مدينة القدس وكذلك في مدينة يافا ومدينة اللد، بالإضافة لارتكابه جرائم ضد الإنسانية في منطقة النقب بهدم البيوت وتهجير العرب من أراضيهم في منطقة النقب ومصادرة أراضيهم.
وأوضح أن جرائم الاحتلال في القدس، تزداد يوما بعد يوم، وهذا بنى تراكما من الاحتقانات في نفوس الفلسطينيين في كل أماكن تواجدهم.
تعزيز للهوية الدينية للمدينة
من جانبه، يرى مدير رابطة “برلمانيون لأجل القدس” محمد مكرم بلعاوي أن أحداث القدس تعبر عن رفض المقدسيين لمحاولات تهويد المدينة، ووضع قيود وعراقيل أمامهم للوصول إلى المقدسات، وتشجيع اعتداءات المستوطنين بإقامة شعائرهم في ساحات المسجد الأقصى المبارك؛ ما أدى لاستفزاز مشاعر المقدسيين وإشعال حرب دينية في المنطقة.
وأكد بلعاوي أن المقدسيين بعد كل هذه السنوات أثبتوا انتماءهم لثقافتهم وقضيتهم، وهم يعملون على تعزيز الهوية الوطنية والدينية من خلال التصدي لمحاولات الاحتلال فرض واقع جديد في هده المسجد الأقصى المبارك.
وعن دور رابطة “برلمانيون لأجل القدس” في دعم صمود المقدسيين، أوضح أن الرابطة كمؤسسة مجتمع مدني تضم برلمانيين حاليين وسابقين من أكثر من 70 بلدا، تقدم الدعم السياسي والإعلامي، من خلال مخاطبة البرلمانات ووزارات الخارجية وتوعيتها بما يجري في القدس ومطالبتها باتخاذ مواقف واضحة في هذا الشأن.
وبين بلعاوي، أن الرابطة تطالب النواب في البرلمانات، بالتحرك في هذا السياق.
وأشار إلى أن الربطة أصدرت تقريرا عما يجري في القدس، وبيانا في الموقف السليم الذي يجب أن يتخذ، كما أنها تضغط على المنظمات الدولية لاتخاذ إجراءات قانونية محددة.
ويعتقد البلعاوي أن الاحتلال معني بأن يثبت للعالم بأنه نجح في تهويد القدس، “ليطالب دول العالم بنقل سفاراتها إلى مدينة القدس المحتلة“.
ورأى أن “الثورات والهبّات المقدسية، تقوّض روايته ويجعل الآخرين حذرين في اتخاذ خطوات باتجاه المدينة؛ لأن الصراع ما زال على أشده، ولم ينته، ولن ينتهي في وقت قريب“.
الاحتلال يتراجع
بدوره، يرى الباحث في شؤون القدس والمسجد الأقصى زياد إبحيص، أن الاحتلال وجد نفسه في مأزق حقيقي، ولذلك لجأ للأمريكان ورفع الحواجز عن ساحة باب العمود بعد 11 يومًا من محاولة إغلاقها، وسمح بالوصول لـ”لأقصى”، رغم محاولته فرض إغلاقات قبل صلاة الجمعة.
وأكد أن الاحتلال يسعى الآن، بعد المقاومة العنيفة التي أبداها المقدسيون، إلى التهدئة خشية تطور الأمور وسقوط شهداء، وهو ما سيشعل الأوضاع أكثر.
وحذر من أن المستوطنين سيحاولون الثأر من المقدسيين، ولن يقبلوا بأي تهدئة، مما قد يتسبب بإعادة اشتعال المواجهات مع المقدسيين.