يبدو أن مساعي تشكيل حكومة جديدة في تونس، في غضون الأسابيع القادمة، وحسابات خاصة أخرى، قد طغت على استعدادات البعض للاحتكام للشارع يوم غد 25 يوليو بمناسبة “ذكرى الجمهورية” التي تتزامن مع ذكرى اغتيال الناشط محمد البراهمي في التاريخ نفسه من عام 2013م؛ حيث انفض أكثر من دعوا إلى ذلك الحراك قبل انطلاقه، ومن بينهم أميرال متقاعد يدعى كمال العكروت، ونائبة سابقة في البرلمان تدعى فاطمة المسدي، ونائب يساري يدعى منجي الرحوي، وآخرون ممن يصفهم البعض بأنهم يأكلون من كل الموائد، نشروا غسيل بعضهم واتهم بعضهم بعضاً بتلقي أموال من جهات إقليمية لنشر الفوضى في البلاد.
أحجار على رقعة الشطرنج
وعلّق القيادي في حركة النهضة رفيق عبدالسلام على حراك يوم غد الأحد 25 يوليو ودور العسكري المتقاعد كمال العكروت في ذلك قائلاً: “كمال العكروت الذي اشتغل مستشاراً للأمن القومي عند المرحوم الباجي قايد السبسي واستغل منصبه حتى العظم لتحقيق منافع شخصية لا غير، يدعو اليوم قيس سعيد إلى تفعيل الفصل (80) من الدستور، يريد استخدام الرئيس جسر عبور لتحقيق مآربه الصغيرة..”.
وتابع: “بموازاة ذلك، يشتغل العكروت بتفان وإخلاص على صناعة ثورة افتراضية يوم 25 يوليو، ولكن لنكد حظه تخاصم جماعة الثوار الجدد، وتلاعنوا مع بعضهم في صفحات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام”.
وأردف: كل ذلك بسبب التنازع على تقاسم الغنيمة، وكما يقول المثل المعروف: “إذا تخاصم اللصوص ظهر المسروق”.
وختم تعليقه الذي أدرجه في صفحته على “فيسبوك”: “الحمد لله، تونس ليست فراغاً وخواء، وكبارات الحومة (الحارة = مثل تونسي) ما زالوا موجودين”.
وكان عبدالسلام قد ذكر، في تدوين سابق، وجود “عمل تحريضي مدبر عبر شبكات التواصل الاجتماعي (…)، والهدف من وراء ذلك إرباك الأوضاع وإحداث الفوضى في تونس، وذلك عبر استغلال الأوضاع الصحية التي تمر بها البلاد والمتاجرة بآلام الناس وأوجاعهم”.
ولاحظ مراقبون تركيزاً خاصاً على فئة الشباب وقطاع الطلبة بدرجة أولى، وهذا جزء من مخطط كبير موجه للمنطقة بصفة عامة، وفي مقدمة ذلك تونس وليبيا على السواء.
وقال عبدالسلام: “نراهن على وعي شعبنا ويقظة شبابنا لإسقاط هذا المخطط (…) الصهيوني، مثلما تم إفشال المؤامرات السابقة”.
ووصف البعض بأنهم قطع شطرنج، قائلاً: “الرحوي، وعبير موسي وأمثالهما ليسوا سوى قطع شطرنج (…)، ولا يغرنكم كثرة ضجيجهم وبطولاتهم الكاذبة”.
وأكد فشل الوكالة “ستسقط هذه الحلقة من التآمر بحول الله مثلما سقطت الحلقات السابقة، وستظل تونس عصية على مخططاتهم الشيطانية بحول الله”.
أنصار بلعيد يتراجعون
إلى ذلك، أعلن حزب التيار الشعبي (الذي كان شكري بلعيد عضو المجلس الوطني التأسيسي عنه، قبل أن يغتال في فبراير 2013)، عن تأجيل كل الفعاليات الميدانية التي كان من المقرر تنظيمها مركزياً وجهوياً يوم غد 25 يوليو ؛ حفاظاً على سلامة الجميع في هذا الظرف الصحي العصيب الذي تمر به البلاد.
وأوضح الحزب في بلاغ له أنه سيتم الاقتصار على زيارة ضريح الفقيد بمقبرة الجلاز يوم 25 يوليو بداية من الساعة الثامنة صباحاً لقراءة فاتحة الكتاب ووضع أكاليل الزهور، إضافة إلى عقد ندوة صحفية لهيئة الدفاع عن شكري بلعيد، ومحمد البراهمي، يوم 28 يوليو.
ودعا من وصفهم بـ”أحرار تونس والنخب الوطنية” إلى المساهمة في إحياء هذه الذكرى بالسبل المتاحة، في مثل هذا الظرف الذي يحتاج فيه الشعب أكثر من أي وقت مضى لاستحضار تضحيات شهدائه ومناقبهم.
أوساط مشبوهة
كما أعلن حزب العمال رفضه المشاركة في حراك 25 يوليو، وقال: إنه ليس من الداعين لما يسمى بمسيرات 25 يوليو.
وقال الحزب، في بيان له، مساء أمس الجمعة: إنه “لا يمكن أن ينخرط أو يسير وراء دعوات مجهولة المصدر تقف وراءها أوساط غير معلومة أو مشبوهة بعضها يجري الحديث عن علاقته بالمخابرات الصهيونية أو أوساط يتناقض طرحها السياسي تمام التناقض مع قناعات الحزب ومواقفه”.
وشدّد حزب العمال على أنّه يعتبر أنّ ثورة 17 ديسمبر 2011م لم تحقق إلا النزر القليل من أهدافها، وهو مستمر في النضال من أجل استكمال مهمات الثورة بما في ذلك إرساء نظام الديمقراطية الشعبية في كل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبما تتضمنه من سيادة وطنية مكتملة وعدالة اجتماعية حقيقية وسلطة سياسية بيد الشعب.
وأضاف البيان: “على هذا الأساس يعتبر أنّ ما جاء في بعض الدعوات ليوم 25 يوليو من تصورات فاشية ومعادية للحرية والديمقراطية يشكل تهديداً لا يقل عن خطر منظومة الحكم الحالية، ويدعو الشعب التونسي بكل تعبيراته السياسية والمدنية وبفعالياته الشبابية والنسائية والثقافية وغيرها إلى عدم الانجرار وراء مثل هذه الأطروحات والبرامج بل لمحاربتها دون هوادة”.
وذكّر حزب العمال بأنّه سبق أن دعا الشعب التونسي إلى الخروج إلى الشارع للاحتجاج وللتعبير عن غضبه وللضغط من أجل الإطاحة بمنظومة الحكم بكل مكوناتها رئاسة وبرلماناً وحكومة، ولكنه لا يرى فيما تقع الدعوة إليه يوم 25 يوليو هو الحل لا من حيث الأهداف والبرنامج ولا حيث الأسلوب والطريقة، وفق البيان.
وكانت رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي قد دعت، بدورها، أنصارها إلى عدم المشاركة في حراك يوم غد، لأسباب يقول البعض بأنها تتعلق بمنافسيها في عداء “الإسلام السياسي”، وبالتالي التأثير على نسبة التمويل التي تتلقاها من الخارج.