إن المتتبع لأحداث منطقتنا العربية والإسلامية وما يحدث فيها يرى العجب العجاب! يرى التناقضات، ويرى السير في طرق معوجة تقود إلى التيه والضياع، ويرى الحكومات التي يجب أن تربي شعوبها تربية سليمة، وتأخذ منطلقها من مصدر عزتها؛ كتاب الله وسُنة رسوله، يرى معظم هذه الحكومات تدفع شعوبها وتوجههم إلى طريق معاكس يدفعها إلى المذاهب الهدامة والمبادئ المستوردة، والإلحاد الخطير، والتفسخ الخلقي، والتطفل على موائد الشرق الملحد أو الغرب الكافر.
كل ذلك لم يأت عفواً، وإنما خطط له، وأحكمت حلقات هذا التخطيط من قبل دول كبرى عدوة لنا تقف وراءها الصهيونية العالمية والصليبية الحاقدة، فكروا ودبروا في كيفية القضاء على هذه الشعوب المسلمة ذات العقيدة المتينة، وصاحبة الرسالة الخالدة التي تعتبر خطراً على كيان الحاقدين.
تخطيط ماكر:
وبدأ الصهاينة والصليبيون والملحدون يخططون، واهتدوا إلى ما اهتدوا إليه بضرورة تربية أناس من أبناء جلدتنا تربية خاصة.. ثم يدفعونهم إلى السلطة، ويجلسونهم على كراسي الحكم ليكونوا معاول هدم وخراب في جسم هذه الأمة، وحققوا ذلك بمختلف الوسائل إلى أن تربع على الحكم في معظم مناطقنا العربية والإسلامية أناس لا يرعون لله عهداً ولا ذمة، فحكموا الشعوب بالحديد والنار، وعطلوا الحكم بالشريعة، وقضوا على الحريات، وأخذوا يتصرفون في أمر شعوبهم كما رسم لهم؛ فعزلت الشعوب عن الحكومات، وبدا الجفاء والتباعد.. فخشيت الحكومات أن تفكر شعوبها بضرورة تغيير الأوضاع غير الطبيعية.. عندئذ أخذت تلك الحكومات تخطط تخطيطاً سيئاً مرسوماً لإلهاء الشعوب وصرفها عن التفكير في المثل والقيم وعن محاولة تصحيح الأوضاع المتردية.
بدأ ذلك التخطيط بتشجيع الفساد، وتهيئة الفرص للفاحشة، وإغراق الناس في بحر من الجنس، وفتح الخمارات والنوادي الليلية، والكباريهات ودور القمار، وهيَّأت الفرصة لعري النساء، وظلت تمنع كل دعوة إلى الفضيلة، وتحارب الداعين إلى مكارم الأخلاق والتمسك بالدين، ولقد سخرت وسائل الإعلام للتمهيد لهذا الانحلال، فهذه التلفزيونات تعرض الأفلام الخليعة والقصص الغرامية والرقصات الجنسية، والأغاني الماجنة، وترى إذاعاتها تبث السموم في الشباب، وترى صحافتها مليئة بالصور العارية، والأوضاع الجنسية المخجلة.
فرصة الهدامين:
إن هذه الاتجاهات المنحرفة التي أرادت منها تلك الحكومات إلهاء الشباب وسوقهم وراء التحلل ولم تضع في حسابها أن شبابها وأجيالها الذين ضيعتهم كانوا سهلي المنال للأفكار الهدامة واليسار المتحلل والشيوعية الملحدة، فاقتُنص الشباب من الذين يتربصون بهم الدوائر، الذين أخذوا يخططون لهم بشكل آخر، فيغرونهم بوفرة المال والملذات إذا انضموا إلى مذاهبهم الهدامة واتجاهاتهم المنحرفة، ووعدوهم بأن الحكم سيكون بأيديهم والتسلط على الشعوب سيكون لهم، فانساقت تلك الجموع من الشباب للانخراط في الخلايا والتنظيمات، ونمت تلك الخلايا والتنظيمات حتى امتدت لضباط الجيوش، ولم تمض فترة زمنية طويلة حتى أطيح بتلك الحكومات التي انحرفت وسارت في طريق معوج، ونهجت نهجاً معادياً للإسلام، وأرادت لشعوبها الرذيلة، والانهيار الخلقي، متوهمة بأن ذلك يديم حكمها وتسلطها، فسقطت تلك الحكومات لتحل محلها حكومات ذات مبادئ هدامة أخرى بأسلوب آخر ومسلك إلحادي منظم وأفكار منبعها رؤوس صهيونية.
وفي كلتا الحالتين فالشعوب هي الضحية، فلقد ضاعت مرة أخرى وتدهورت الأوضاع، فلا أمن ولا استقرار، بل صراع طبقي بغيض وتكالب على السلطة، وكان مما كان هزيمة حزيران، وستتبعها هزائم أخرى، وضياع مستمر إذا لم تصحح الاتجاهات وتتغير وجوه المسؤولين عن الهزائم.
تغيير جذري:
هذا استطراد لم يعشه قسم كبير من أقطارنا في العالم العربي والإسلامي، وإني كمواطن ينشد لوطنه الخير أوجّه نصحي المخلص للمسؤولين في الكويت بأن يستفيدوا من أخطاء غيرهم، وأن يحرصوا كل الحرص على ألا يقعوا فيما وقع فيه غيرهم كما أسلفنا، وأن يبادروا في الحال، ودونما تلكؤ أو تباطؤ لإعادة النظر فيما نحن فيه في جميع شؤوننا، وأن يقوِّموا المعوج من الأمور، وأن تسارع يد الإصلاح إلى وزارة التربية لتصلح مناهجها إصلاحاً جذرياً سليماً، وتختار أساتذتها من النخبة الصالحة المؤمنة لتوجيه الأجيال وحفظهم وسلامتهم، وتسارع يد الإصلاح إلى وسائل الإعلام فتصلح برامج الإذاعة والتلفزيون إصلاحاً يصون للشعب خلقه ودينه، وتعطي الشعوب البديل النافع عن الغث الذي يعرض حالياً.
وإننا لنأمل ألا يتساهل المسؤولون أو يتلكؤوا في الاستجابة لهذا النصح المخلص، فإننا نخشى على الكويت من خطر محقق إذا لم تعتبر بتلك الأقطار التي أسلفنا الحديث عنها.
أمل منشود:
إنني أهيب بالمسؤولين وأحملهم المسؤولية بين يدي الله بأن يكونوا القدوة الصالحة، وأن يقودوا سفينة البلاد إلى شاطئ الأمان، والاستقرار، وأن يربوا الأجيال تربية سليمة، تحفظهم من الاتجاهات الهدامة، والمبادئ اليسارية المنحرفة، مستهدين بكتاب الله، آخذين بسُنة رسوله |، لا يبغون عنهما بديلاً، ففيهما عزهم وسلامتهم، واستقرار بلادهم وأمنها، وفي البعد عنهما ضياع محقق في متاهات وأخطار لا حد لها.
وعشمي في المسؤولين بالكويت أن يضعوا مخافة الله نصب أعينهم، وأن يتبعوا أوامره ويبتعدوا عن نواهيه، وإنني أرجو الله ألا تتعرض الكويت لغضب الله فتصبح كالقرية التي ذكرها الله في محكم تنزيله: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (النحل:112)، (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) (غافر:44).
اللهم اشهد، فإني قد بلغت.
__________________________________________________
* العدد (19)، عام 1970م، ص4.