تسمر حسام مكانه بسبب كسره طبقاً جديداً أثناء لعبه، لم يتمالك الوالد نفسه فتناول عصا غليظة من الأرض، وأقبل على ولده يشبعه ضرباً.
أخذ حسام يبكي ويصرخ، والوالد قد صُمّت أذناه عن سماع صراخ وعويل وتوسلات ابنه، وبعد أن توقف الأب عن الضرب، جرّ الولد قدميه إلى فراشه، وهو يشكو الإعياء والألم، فأمضى ليلته يتوجع ويتألم؛ ولكن دون أن يُسْمِع أحداً خوفاً من والده.
وفي الصباح، فوجئت الأم بورم شديد في يد ولدها، سريعاً نقلوه إلى المستشفى، وبعد الفحص قرر الطبيب أن اليدين مسممتان، ولا بد أن تقطعا حتى لا يسري السم إلى سائر جسمه، وتبين أن العصا التي ضرب بها الطفل كانت فيها مسامير أصابها الصدأ، ولم يلتفت الأب إلى ذلك من شدة غضبه.
وقف الأب مذهولاً مقهوراً لا يدري ما يصنع؟! وماذا يقول؟!
لم يجد الأب حيلة إلا أن يوقّع على إجراء العملية؛ فقطعت كفا الطفل، وبعد أن أفاق الطفل من أثر التخدير نظر، وإذا يداه مقطوعتان، فتطلّع إلى أبيه بنظرة متوسلة قائلًا: أبتاه، أرجوك رد إليَّ يدي ولن أكسر شيئاً بعد اليوم!
بيوت وزنازين
للأسف، في كثير من الأحيان تتحول البيوت إلى سجون وزنازين، يهرب منها الأبناء، بدلاً من أن يفروا إليها يفروا منها، يظن الآباء أن بحزمهم وقسوتهم وشدتهم هم أقدر على التربية والتوجيه والتعليم، ولا يعلمون أنهم يقتلون أولادهم بأوامرهم ونواهيهم التي تخرج كرصاصات تريد القتل لا تريد الرحمة والحياة.
قد يكون عدم الرفق بالنقد الهادم والتوجيهات المزعجة والسلطة الأبوية الفاقدة لعاطفة ورحمة الأبوة، كلمات تسجن الأبناء في غياهب الحزن والألم والإحباط والاضطهاد والاضطراب النفسي والخجل والتردد والفشل بل والمرض.
الواجب على المربي أن ينوع أساليبه وألفاظه برفق ولين، مستثمراً الأوقات والمناسبات، غير مهتم بالعثرات والسقطات، يعالج الأمور بالحكمة والموعظة الحسنة ورحمة تسع كل أرجاء البيت، ساتراً من أخطأ مستشعراً: «ومن ستر مسلماً ستره الله»، متذكراً حكمة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «شدةٌ في غير عنف ولينٌ في غير ضَعف».
المدرسة النبوية
قال أعظم المربين صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ» (رواه مسلم)، وقال مخاطبًا أمنا عائشة رضي الله عنها: «عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ فَإِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ» (رواه مسلم).
قصة عظيمة تنطق بعظمة ورفق المربي الذي ما شغله شاغل عن التصابي للصغار وتلبية طلباتهم، يُروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على منبره يخطب جاءه الحسن والحسين، رضي الله عنهما، وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من على المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه، ثم قال: «رأيت هذين يمشيان ويعثران في قميصهما فلم أصبر حتى نزلت فحملتهما» (رواه النسائي).
في عام 2009، انتهت دراسة إلى أن الأطفال الذين تعرضوا للضرب تغيرت لون القشرة الدماغية عند منطقة الجبهة، كما أثبتت الدراسة أن الأطفال المتعرضين للضرب والعقاب البدني تنقص لديهم القدرة الإدراكية مقارنة بأقرانهم الذين لم يتعرضوا للضرب، كما أنهم أكثر عرضة لأمراض الاكتئاب واضطرابات الصحة العقلية.
وعلى الرغم من إصرار البعض على اتخاذ الضرب وسيلة للتربية والتقويم، فإن خبراء التربية يؤكدون أن الضرب لا يؤدي إلى تقويم السلوك الخطأ، وأن الطفل يتخذ العنف سلوكاً له، فينعزل عن أهل بيته.