يجري على قدم وساق، وعبر وسائل مختلفة، ووفق أجندات غربية مشبوهة، تمرير معاني الإلحاد في قوالب سينمائية تارة، وفي ألعاب إلكترونية تارة ثانية؛ بشكل قد تجعل المتلقي يستسيغ الفكرة دون نفور منها، أو على الأقل وضعها محل نقاش داخل عقله الباطن.
ربما كان السبق في ذلك للسينما الأمريكية والغربية بشكل عام، لكن صناع السينما في الوطن العربي، تورطوا في صناعة أفلام طرحت شخصية الملحد على المشاهد فيما يعرف بـ«كسر التابو»؛ أي تحطيم الممنوع والمحظور في مخيلة الناس.
غربياً، حاولت أفلام عدة ترسيخ فكرة الإلحاد، كمنطق ديني ودنيوي، وإثبات عبثية الحياة، والسخرية من الموت، والتقليل من قيمة الدين، واستحضار الشيطان في صورة إيجابية، وصناعة كائنات خارقة، والمبالغة في القدرات البشرية، واصطناع حبكة سينمائية لصراع الآلهة، وترويج السحر، من خلال أفلام، منها: «الإغراء الأخير للمسيح»، «الكتاب المقدس»، «الملك داود»، «صراع الجبابرة»، «مفكرة الموت»، «الختم السابع»، «سوبر مان»، «الحافة».. وغيرها.
عربياً، من فيلم «الشحات» إلى «الإخوة الأعداء»، ومن «بحب السيما» إلى «الملحد»، تعددت الأفلام السينمائية المصرية التي طرحت وناقشت أبعاد شخصية الملحد، بل وهاجمت الفكر الديني، باتجاه ازدراء الأديان والحط من الذات الإلهية.
على سبيل المثال، حاول فيلم «الشحات» المأخوذ عن رواية الأديب المصري الراحل نجيب محفوظ التي تحمل نفس الاسم، إثارة تساؤلات حول وجود ومغزى الحياة البشرية وسر الكون والإيمان بالله، من خلال بطل الفيلم الذي ظل يبحث عن الملذات الجسدية لإيجاد معنى لحياته.
وجسَّد الفنان المصري الراحل نور الشريف في فيلم «الإخوة الأعداء» شخصية المثقف الملحد الذي يجاهر بإنكار الوجود الإلهي، ثم شخصية الأستاذ الجامعي العائد من بعثة دراسية من الاتحاد السوفييتي محملاً بالأفكار المادية والإلحادية، وإنكار الله والأخلاق، في فيلم «الرقص مع الشيطان».
حديثاً، ظهر فيلم «المُلحد» على الشاشات المصرية، مجسداً قصة ابن لأحد الدعاة الإسلاميين المشهورين ممن اتجه إلى الإلحاد، رغم خلفيته الدينية، لكن الفيلم مُني بفشل ذريع في دور العرض.
ولم يسلم الدين المسيحي كذلك من أعمال تحط من شأنه، وتثير جدلاً واسعاً حول عباداته، وقد أظهر فيلم «بحب السيما» طفلاً يخاطب صورة لـ«المسيح» وهو يحتج على إرادته قائلاً: «إنت ما عندكش غير جنة ونار»! إضافة إلى إساءة للكنيسة كمكان للعبادة، من خلال مشهد يدور بين جدرانها ويظهر فيه شاب وفتاه يتبادلان القبلات في مشهد خادش للحياء!
ألعاب خبيثة
لم يتوقف الغرب عند استغلال وتوظيف السينما لتمرير مفردات الإلحاد ومضامينه، وتصويره بشكل إيجابي من خلال نجوم لهم شعبية جارفة بين أوساط الأطفال والشباب، وعبر أعمال تُفتح لها دور العرض حول العالم، وتُمنح عشرات الجوائز في مهرجانات دولية مرموقة.
انتقل سرطان الإلحاد إلى الألعاب الإلكترونية عن طريق وضع رسائل مشفرة وخفية بها، ومن هذه الألعاب لعبة «عقيدة القتلة»، التي تحتوي في داخلها على العديد من العبارات التي تقلل من شأن الدين، وترفض فكرة الثوابت، مثل: «عندما ينشغل الناس بالحقيقة فتذكر دائمًا أنه لا توجد حقيقة»!
وهناك لعبة «Doodle God»، التي تقوم على تجسيد اللاعب ليكون هو «الإله» الذي يقوم بدور خلق الحيوانات والعواصف والبراكين، ثم تطورت اللعبة عبر طرح تطبيقات جديدة من تلك الألعاب، منها: «إله الحرب»، «إله النور»، «إله الخداع»، «إله المعركة»، «راغنروك».. وغيرها؛ مما ينتقص من حق الذات الإلهية وصفاتها، ويبدد ما وقر في نفوس الناس من تمجيد الخالق.
بينما تظهر لعبة «ببجي»، في أحد تطبيقاتها، القيام بحركات تشبه عبادة الأصنام للحصول على معدات جديدة لاجتياز مراحل اللعبة، فضلاً عما تبثه اللعبة في نفوس الصغر من نزعة عدائية، نحو القتل والتدمير والتخريب.
أما لعبة «جنية النار»، فتقنع اللاعب أن بإمكانه التحول إلى جان من نار، عبر استخدام كلمات سحرية، تصل به إلى الانتحار، وهي لعبة خطيرة مثل ألعاب أخرى، منها: «الحوت الأزرق»، «تحدي شارلي»، «لعبة مريم»، «الفضاء المميت»، «الشيطان الحزين»، «العمليات السوداء»، «بعث الموتى».
وفي لعبة «ليلة في الغابة» يجب على اللاعب في إحدى مهمات اللعبة حل خلاف بين اثنين من الشواذ، بتذكير كل واحد بمفاتن الآخر، بينما تأسر لعبة «فورتنايت» اللاعب لساعات طوال يختلي فيها مع أشخاص يروجون لأفكار الإلحاد، فضلاً عن الترويج لبعض العقائد الوثنية القديمة كرقصة عباد الشمس، وهي ألعاب في المجمل تصيب الشباب بالإدمان والعزلة والاكتئاب وغير ذلك من الأمراض النفسية.
رسوم شيطانية
ولم تخرج أفلام الكرتون عن السياق في ترويج ونشر الإلحاد، بل وتضمينه معاني وصوراً إيجابية تترسخ في الأذهان، وهو ما يترجم لاحقاً في سلوكيات وأفكار فاسدة تصدر عن الأجيال الجديدة، في غفلة من الأسرة والمجتمع.
وتروج أفلام الكارتون التي تخصص لها قنوات على مدار الـ24 ساعة لأفكار خطيرة عبر مداعبة خيال الطفل، منها الشذوذ والسحاق، وإنكار وجود الله، وإبراز الأساطير، وتكريس الإيمان بالسحر، مثل: «أميرات ديزني»، «خلطات بابا سنفور»، «دروبي مع دوري مي»، «بن 10»، «أدغال الديجيتال»، «فتيات القوة».
وتقوم العديد من أفلام الكرتون على فكرة مصارعة الآلهة، أو تقسيم الإدارة بين الآلهة ليقوم كل إله بإدارة جزء من الكون، مثل السنافر التي كلما يحدث حدث عظيم يتبعه بابا سنفور بشكر الأم الطبيعة على فضلها، ناهيك عن ترسيخ فكرة وجود آلهة للشر تنظر من السماء لتحرك الأشرار وتقودهم للتدمير ونشر الفوضى.
إضافة إلى مضامين الإلحاد والعنف، يجري تمرير مشاهد خادشة للحياء، عبر ارتداء ملابس غير لائقة، وصناعة مقاطع مخلة في «قُبلة الضفدع»، «أميرات ديزني»، «شريك والأميرة فيونا»، «الجميلة والوحش».
يزيد من خطورة الأمر أن الأسرة ذاتها لا تفطن للمعاني والرسائل التي تتضمنها تلك الألعاب والرسوم المتحركة، فضلاً عن غياب الرقابة والمتابعة، والتنبه لنوع المحتوى المقدم إلى الصغار، وهو ما يزيد من حجم المسؤولية المجتمعية نحو إنتاج ألعاب إلكترونية ومواد كرتونية ذات بُعد قيمي وأخلاقي، وفي الوقت ذاته قادرة على المنافسة وجذب الصغار والكبار.