لم يعد تأريخ السيرة النبوية وتعليمها يقتصر على الوسائل التقليدية المتمثلة في الكتب أو التلقين، بل تطور الأمر ليواكب وسائل العصر الحديثة، لتصبح الرسوم المتحركة إحدى وسائل سرد سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
أحد أبرز هذه الأفلام أنتجته شركة «بدر الدولية» بالقاهرة، تحت عنوان «محمد خاتم الأنبياء»، وهو أول فيلم من نوعه يعرض على الجمهور بعد موافقة الأزهر.
وفي أعقاب الانتهاء من تصويره في عام 2001م، قال مدير الشركة محيي الدين سعدية: لا تظهر في الفيلم شخصية الرسول ولا الصحابة التزاماً بما يمليه الأزهر بتحريم ذلك باستثناء شخصية عم الرسول أبي طالب التي وافق الأزهر على ظهورها، وهي الشخصية الوحيدة المقربة من الرسول التي يتم عرضها في الفيلم.
ويعتمد سرد السيرة في الفيلم على شخصيات تروي الأحداث التي تتطرق إليها السيرة النبوية، وذلك أسوة بالأفلام والمسلسلات التي اتخذت نفس النهج استجابة منها لتحريم الأزهر ظهور الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة المقربين منه رضوان الله عليهم.
وأشرف مجموعة من المختصين في الشريعة الإسلامية على إنتاج مشاهد الفيلم التي شملت أكثر من 196 ألف صورة يستغرق عرضها ساعة ونصف ساعة.
يستعرض الفيلم غزوات النبي صلى الله عليه وسلم في بدر، وأُحد، والخندق، بالإضافة لفتح مكة المكرمة وتدمير الأصنام التي أقامها المشركون في محيطها.
وبحسب مدير الشركة المنتجة، فإن شركته استعانت بكفاءات أمريكية تعمل في هوليوود، من بينها المخرج ريتشارد ريتش، وكاتب السيناريو بريان تيسين، والمؤلف الموسيقي ويليام كيد، بالإضافة إلى تولي شركة «ريتش كريست إنيميشن» عملية التنفيذ.
تطبيق «السيرة»
وفي الإطار ذاته، أنتجت شركة «ماجيك سيليكشن» التي تأسست في الكويت مسلسل رسوم متحركة بعنوان «السيرة النبوية» في صيغة ثنائية الأبعاد.
وتدور أحداث المسلسل حول سيرة النبي محمد صلى الله عليه وفي قالب مبسط وسهل يتناول الأوضاع الدينية والعقائدية في شبه الجزيرة العربية قبل ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم لتتوالى الأحداث بعد ذلك بولادته.
وتتعاقب الأحداث حتى بعثته عليه الصلاة والسلام، ومن ثم الهجرة إلى المدينة المنورة حتى وفاته وظهور خاتمة الرسالات في الجزيرة.
تنطلق أحداث المسلسل من أسرة صغيرة مؤلفة من أب وأم وجد كبير في السن وطفلين، ويتولى الجد مهمة سرد سيرة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم على العائلة في حلقات متسلسلة.
واستمراراً لمواكبة التطور التكنولوجي، أطلقت شركة «ألفا آبس» المتخصصة في نشر تطبيقات الهواتف الذكية ومقرها أبوظبي، تطبيق «السيرة» الذي يعد أول تطبيق تفاعلي يروي للأطفال سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم على الأجهزة الذكية.
ويروي تطبيق «السيرة» الذي تم إطلاقه في عام 2015م، من خلال الرسوم المتحركة عالية الجودة، وإنتاج مميز قصة السيرة النبوية للنبي صلى الله عليه وسلم، منذ ولادته إلى حجة الوداع.
وقالت الشركة: إن المحتوى بأكمله حصل على موافقة من قبل هيئة أوقاف أبوظبي، ومجلس الإعلام الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة.
وتولى مهمة تطوير التطبيق فريق عمل من المبرمجين، والفنانين، وفنيي الصوت، بجانب خبراء تربويين، لتقديم التطبيق الذي طرح في البداية بمتجر «آبل» للتطبيقات، ثم على متجر «جوجل بلاي».
ويركز التطبيق على الأخلاق الطيبة التي تميّز بها النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك ما تتضمنه تعاليم الدين الإسلامي من حض على السماحة والرحمة والاعتدال، وهي التعاليم التي يجب أن تصل إلى الأطفال بطريقة جميلة وتناسب التطور التقني الذي يعيشه الجيل الجديد.
ويتكون التطبيق من 11 حلقة مليئة بأحداث السيرة الدرامية والموثقة، ويتوفر التطبيق باللغتين العربية والإنجليزية، بالإضافة إلى احتوائه على ميزات تفاعلية وألعاب للطفل.
فيلم «المهر»
وانتقالاً من التطبيقات إلى دور السينما، فقد أنتجت «مؤسسة الإذاعة والتلفزيون التركية» (تي آر تي)، فيلماً سينمائياً بالرسوم المتحركة بعنوان «المهر» (Tay) للمخرج التركي نور الله ينيهان، في عام 2022م.
ويعد الفيلم إحدى المحاولات السينمائية الجادة لتصوير السيرة النبوية الشريفة بشكل جذاب وبإمكانات درامية وفنية عالية الجودة، حيث يتجنب طريقة السرد القصصية التقليدية، ويروي السيرة على لسان حيوان وهو المهر الصغير «رياح» خلال رحلته للبحث عن والدته التي تتقصى رحلة الهجرة النبوية ذاتها من مكة إلى المدينة.
وخلال هذه الرحلة، يتعرف المهر على جمل كبير السن حكيم، وبعد أن تهب عليهم عاصفة رملية يلجؤون إلى كهف ويبدأ الجمل في رواية قصة النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر الصديق رضي الله عنه خلال الهجرة ومعاناتهما مع مشركي مكة.
غرس الأخلاق الحميدة
ويرى مختصون في مجال التعلم بالرسوم المتحركة أن اللجوء لاستخدام الرسوم المتحركة والتطبيقات كوسيلة تعليمية من أفضل السبل التي تعلم الأطفال السيرة النبوية بصورة مبسطة وطريقة شيقة وممتعة.
وفي هذا الإطار، أكد الفنان وصانع شارات الرسوم المتحركة طارق العربي طرقان أهمية برامج الرسوم المتحركة بالنسبة للأطفال ودورها في بناء شباب المستقبل.
وأضاف أن برامج الرسوم المتحركة باللغة العربية تساهم في غرس القيم الأخلاقية الحميدة في نفوس الأطفال واتساقها مع قيم الثقافة العربية، مضيفاً أنها تعمل أيضاً بشكل كبير على تعزيز استساغة اللغة العربية الفصحى لدى الأطفال، وتعزيز التعلم بأسلوب سهل وممتع، وإلى أن شارات الرسوم المتحركة تنقل المعاني للأطفال.
من جانبه، دعا د. نبيل السمالوطي، أستاذ الاجتماع بجامعة الأزهر، الكتَّاب والمنشغلين بإنتاج أفلام الرسوم المتحركة، إلى الاستفادة من السيرة النبوية الشريفة وقصص الأنبياء والغزوات وسير الصحابة الكرام في غرس أخلاق الإسلام الحميدة في نفوس الأبناء.
وأكد أن أفلام الكارتون ومسلسلات الرسوم المتحركة من أكثر ما يمكن أن يعين على تنمية ملكة الخيال وقدرات التعبير لدى الأطفال، أو طمسها.
وذكر أنه في حال تمت الاستفادة من هذه الوسيلة التعليمية، فإنها تختصر الكثير من المشوار التربوي في تعهد وتهذيب اللسان القويم للأطفال، وتعميق الحس المرهف والميل للتأمل والتفكر لديهم.
واعتبر أن الرسوم المتحركة وغيرها من وسائل التسلية الحديثة تعد من الأساليب الدعوية والتربوية المفقودة في التنشئة الدينية والاجتماعية الثقافية الصحيحة للأطفال.
وأشار إلى أن هذه الوسائل الحديثة تجذب انتباه الأطفال بقوة، ويمكن من خلالها غرس القيم والعقيدة الصحيحة، وتدريبهم على مكارم الأخلاق والسلوك الحسن.