الجدُّ الداعية الرباني وأبناؤه وأحفاده يتحلَّقون في الديوانية منفعلين يخيم عليهم الحزن والأسى واللوعة والأذى وهم يرون الأثيم الفاجر يحرق المصحف الشريف، وآخرَ يُمزِّق القرآن الكريم، متحدياً مشاعر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، يود هؤلاء الأبناء والأحفاد لو أنهم يُمزِّقون هذا الفاجر الأثيم، أو يضربونه فيحولون بينه وبين ارتكاب هذه الجريمة الشنعاء، ويَفْدون القرآن العظيم بأرواحهم وأموالهم!
هَدّأ الجدُّ من روْعهم وطيّب نفوسهم وثبت قلوبهم: إنه كتاب الله تعالى، والله حافظٌ كتابَه وناصرٌ دينَه ومتمٌ نورَه ولو كره الكافرون؛ (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9).
وما زال أعداء الإسلام منذ القدم وهم يحاولون إزالة القرآن العظيم من الوجود؛ فتحداهم القرآن العظيم؛ فباؤوا بالفشل الذريع والخسران المبين.
لقد تعرض القرآن العظيم للعناد والتصدّي والتحدي، بل وتحداهم فانتصر وغلب وقهر، وتعرض للتشويه تارة وللتشكيك تارة أخرى، فبقي القرآن جَبلاً راسياً وطوْداً ثابتاً شامخاً واندثر المجرمون.
أبنائي وأحفادي.. لقد عرف أعداء الإسلام قيمته، وأدركوا أهميته، وأيقنوا بتأثيره وقوته في حياة المسلمين؛ فحرقوه تارة ومزّقوه تارة أخرى، واستخدموا كل وسيلة دنيئة لكي يحولوا بينه وبين المسلمين.
أبنائي وأحفادي.. قد تستغربون أن كثيراً من علماء الغرب تأثر بأسلوب القرآن وبعضهم قد أسلم.
أما الباحثة الإيطالية «لورا فاغليري»، فإنها تحسم الأمر بتأكيدها على أن القرآن الكريم نقلته لنا الرواية الراسخة غير المنقطعة، وعلى أن نصّه ظل صافياً غير محرّف طوال القرون التي تراوحت ما بين تنزيله ويوم الناس هذا، وأن هذا النص سوف يظل على حاله تلك من الصفاء وعدم التحريف بإذن الله ما دام الكون(1).
فإذا ما جئنا إلى الباحث الفرنسي «هنري دي كاستري»، فإننا نجده يقف عند هاتين المسألتين وهو يتحدث عن الأسلوب القرآني: التناقض المطلق بين أمية الرسول صلى الله عليه وسلم، وإعجاز الأداء القرآني من جهة أخرى، أن العقل يحار كيف يتأتى أن تصدر تلك الآيات عن رجل أُمِّيّ، وقد اعترف الشرق قاطبة بأنها آيات يعجز فكر بني الإنسان عن الإتيان بمثلها لفظاً ومعنى، آيات لما سمعها عقبة بن ربيعة حار في جمالها، وكفى رفيع عبارتها لإقناع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فآمن برب قائلها، وفاضت عين نجاشي الحبشة بالدموع(2).
وباحث فرنسي آخر هو جاك ويسلر يتحدث عن «روعة القرآن في أسلوبه»(3).
أما «د. سدني فيشر»، أستاذ التاريخ في جامعة أوهايو الأمريكية، فإنه يؤكد شمولية المعطيات القرآنية وتكاملها، فهو كتاب تربية وتثقيف، وليس كل ما فيه كلاماً عن الفرائض والشعائر، وأن الفضائل التي يحث عليها المسلمين من أجَلِّ الفضائل وأرجحِها في موازين الأخلاق، وتتجلى هداية الكتاب في نواهيه كما تتجلى في أوامره(4).
انظروا أبنائي وأحفادي: هذا ما قاله بعض علماء الغرب ومثقفيهم عن القرآن الكريم وإعجازه وأسلوبه وتأثيره وحفظ الله تعالى له.
وواجبنا نحن المسلمين أن نعرف قدْر هذا القرآن العظيم، حتى لا تغيب منزلته ومكانته عن قلوبنا علماً وتعليماً وتعلُّماً، وقراءة وتلاوة وتدبراً.
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه»(5)، وقال: «اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه»(6)، وقال: «إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين»(7).
وقد ذكَّر العلماءُ المسلمين بأهمية القرآن العظيم:
وبعدُ فحبلُ الله فينا كتابه فجاهدْ به حِبلَ العدا متحبلا
إلى أن قال عالمنا في متن الشاطبية:
وإن كتاب الله أوثق شافعٍ وأغنى غَناءٍ واهباً ومتفضلا
وخيرُ جليسٍ لا يُمَل حديثُه وتردادُهُ يزدادُ فيه تَجَمُّلا
وحيث الفتى يرتاعُ في ظُلُماتِه من القبر يلقاهُ سَناً مُتهلِّلا
إلى أن قال الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى:
فيا أيها القاري به متمسكاً مُجِلّاً له في كل حالٍ مُبَجِّلا
هنيئاً مريئاً والداك عليهما ملابسُ أنوارٍ من التَّاجِ والحُلى(8)
فيا أيها الأبناء والأحفاد.. أوصيكم بـ:
– المحافظة على الورد اليومي من القرآن العظيم.
– المدارسة الدائمة للقرآن الكريم مع مشايخكم وأساتذتكم.
– تأسيس المشاريع القرآنية والمشاركة فيها، من مراكز ومسابقات وحلقات القرآن العظيم.
– احترام وتقدير علماء وحفظة القرآن الكريم.
– القراءة المستمرة لعلوم القرآن المنوَّعة حتى تزدادوا وتتضلعوا بثقافة قرآنية؛ بها يعظم إيمانكم وعلمكم عن القرآن العظيم.
والحمد لله رب العالمين.
_________________
(1) عماد الدين خليل، القرآن الكريم من منظور غربي.
(2) المصدر السابق.
(3) المصدر السابق.
(4) المصدر السابق.
(5) صحيح البخاري.
(6) صحيح مسلم.
(7) صحيح مسلم.
(8) القاسم بن فيرُّه بن خلف بن أحمد الشاطبي الرُّعَيني الأندلسي، متن الشاطبية.