كثيرة هي الأسباب التي جعلت البعض من شبابنا الجامعي لا يدرك بشكل واضح هويته ولا يمتلك منظومة متماسكة من القيم، فهو هش نفسياً مغيب فكرياً لا يعرف الكثير عن القضايا الكبرى.. لا يحمل رؤية وليس لديه مشروع.. فقط يدور حول نفسه ولا يفهمها شاعراً بفراغ مؤلم في أعماقه، ولأنه صغير السن قليل التجربة، ولأنه في الغالب لا يجد في أسرته الصغيرة الدعم والتفهم والاحتواء، يسعى لخوض تجارب عاطفية علَّ ذلك يملأ الفراغ الذي يعانيه ويمنح لحياته معنى ما يعوضه غياب المشاريع الكبرى.
صورة الحب
الحقيقة أن هناك صورة سابقة التجهيز للحب أصبحت تحتل مساحة من اللاشعور في نفس الشباب، بل كثيراً ما ترتبط بأيام الدراسة في الجامعة، فصورة حب الجامعة أصبحت حلماً يراود الشباب ويعمل على إلهائهم عن القضايا الكبرى حتى على المستوى الشخصي، فالمستقبل الغامض يتم تجاهله تحت طرقات المشاعر الجامحة.
إنهم يحبون الحب في حد ذاته.. يحبون أن يقعوا في قصة حب كتلك التي تصورها الأفلام، ويقومون بتنزيل هذه الصورة على الواقع، ومع أول شخصية تدخل في حيز الاهتمام يتم إلباسها الصورة التي صنعها الخيال السابق التجهيز، ويتم التعلق، وبعد فترة طالت أم قصرت يتضح الفارق بين الواقع والخيال، وتحدث الصدمة، ثم تتكرر القصة تلو الأخرى، ومع كل صدمة يفقد القلب جزءاً من نبضاته البريئة ولا يتبقى في النهاية إلا الواقع منزوع العاطفة حيث تم هدرها في تجارب فاشلة.
التربية والاهتمام
من أهم الدوافع النفسية وراء السقوط في أوهام التعلق هو البحث عن الاهتمام، خاصة بالنسبة للفتيات، فالفتيات اللاتي يعانين من الإهمال الأسري والتجاهل وربما السخرية أو القسوة هن الأكثر وقوعاً في شباك التعلق، وربما ما هو أسوأ من ذلك؛ فهن بحاجة ماسة لأن يشعرن بأنهن في دائرة الضوء، فأخيراً يجدن من يستمع ويهتم فيقعن أسيرات الاهتمام.. هنا نجد أن أخطاء التربية المتهم الأساسي وراء اندفاع هؤلاء الفتيات لما يعتقدن أنه الحب البديل، وهل هناك أكثر من الاهتمام دلالة على الحب بحسب ما يعتقدن! دون أن يدركن أن هذا الاهتمام مزيف ومتلاعب وله أغراض أخرى.
الخطأ في التربية يتجاوز العنف الجسدي واللفظي والبخل العاطفي لصناعة جيل مهتز ومشوش يشترك في ذلك الشباب مع الفتيات، فالهدف الأساسي من التربية العبور الآمن للطفل حتى يصل لمرحلة النضج، بينما كثير من الممارسات التربوية تبني حالة من الهشاشة في الشخصية، وتكرس لحالة من الاضطراب بها، وتكون النتيجة أن يصل الشباب للمرحلة الجامعية ولديهم شخصية مهلهلة متخلخلة البنية لا يعرفون الفارق بين الحب الحقيقي الصحي، والإعجاب، والتعلق المرضي؛ لأنهم لا يملكون الوعي والنضج الكافي لفهم أنفسهم أو فهم طبيعة العلاقات.
إذا كنا لا نستطيع منع الاختلاط في الجامعة، وإذا كنا لا نستطيع منع مشاعر الإعجاب التي قد تحدث، وإذا كان الحب في حد ذاته كعاطفة ليس محرماً في شيء، فإننا نستطيع بناء شخصية للشاب أو الفتاة تدرك مقاصد الشرع في غض البصر، وأن ذلك حماية لقلوبهم الغضة من تبعات الوقوع في حب يصعب تحويله لواقع.
لماذا لا يتزوج شباب الجامعة؟
يبدو هذا السؤال بالغ الأهمية، فالزواج المبكر سيحمي المجتمع من كثير من الكوارث، فلماذا لا نطلق مبادرة جريئة لتفعيله؟ الشباب الغربي قنن العلاقات غير الشرعية، فهو يعمل بجانب الدراسة ويتكفل حياته، بينما شبابنا يعيش حياة يرثى لها، يُعامل كطفل في المنزل (صورة أخرى من أخطاء التربية)، وعليه انتظار سنوات طويلة حتى يتخرج ويجد عملاً ويوفر مالاً حتى إنه كثيراً ما يتجاوز الثلاثين وهو يكون في مستقبله المزعوم، طيلة هذه السنوات يعاني العنت أو يقع في فخ العلاقات المحرمة، وبعد هذه السنوات نجده يبحث عن فتاة تصغره بسنوات طويلة كتلك التي جاورها أثناء دراسته في الجامعة، وتبقى الفتاة من جيله وقد تجاوزت الثلاثين هي أيضاً تعاني المشكلة مضاعفة، فلا يتقدم لها إلا من له ظروف خاصة، بينما كان نفس هذا الشاب منذ سنوات يراها أميرة أحلامه، بينما كان يراه المجتمع مجرد طفل أو مراهق.
أتحدث هنا عن نوعية من الشباب تربت على تحمل المسؤولية، تفهم معنى الزواج، لديهم درجة كافية من النضج العاطفي لمعرفة حقيقة مشاعرهم، وبالطبع لا يريدون معصية الله عز وجل، هؤلاء الشباب يستطيعون الزواج لو وجدوا تيسيراً وعوناً، سواء من أسرهم أو أسر الفتيات.
الزواج العُرفي!
الأرقام تشير إلى معدلات مذهلة للزواج العرفي داخل أسوار الجامعات، فطبيعة الشباب المندفعة لا تتوقف عند مرحلة الانجذاب والاهتمام، واليأس من موافقة الأهل يجعلهم يتجهون للطريق السهل المريح الذي لا يترتب عليه أي أعباء، ويريحون ضميرهم الديني (الذي هو بالتأكيد في حالة خلخلة) بهذا الزواج السري غير الشرعي!
وهناك ما هو أسوأ من ذلك، فهناك بعض التيارات الفكرية الضالة التي تعمل على نشر الإلحاد بين الشباب، وتكون مسألة العلاقات بين الجنسين بوابتهم لذلك، بداية من التشكيك في الأحكام الشرعية المتعلقة بالأسرة خاصة قضية القوامة، مروراً بحق الإنسان في خوض أي علاقة جنسية طالما كانت بالتوافق والرضا من الطرف الآخر، انتهاء بحق الفتاة في ملكية جسدها وما إلى ذلك من دعاوى مستوردة تشترك جميعاً في رفض الدين ومقاومته.
الجامعة والتربية
من المنتظر أن تقوم المؤسسات التعليمية العريقة بدورها التربوي في إصلاح وتقويم هذا الشباب ومنحه معنى لحياته يتجاوز الترفيه بإقامة علاقات «تيك أوي» مع الجنس الآخر.
كان من المنتظر أن تقوم المؤسسات التعليمية بتحرير المفاهيم في عقول الشباب؛ أن تكون ثمة مقررات تشرح لهم طبيعة المرحلة النفسية؛ آداب وضوابط الاختلاط، كيفية التخطيط للمستقبل، كان من المفترض أن يكون ثمة مقرر عن القضايا الزواجية.
كان على المؤسسات التعليمية الكبرى أن يكون لديها شبكة دعم نفسي لطلابها وأنشطة طلابية تقوم بتفريغ طاقتهم ويجدون في ظلالها الاهتمام والتفاعل، ولكن الواقع بائس، فلا الجامعة قامت بدورها التربوي، ولا الأساتذة قاموا بدورهم في التوعية ولو بشكل غير رسمي، من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن منكر، وتلخصت العلاقة في منهج وامتحان وشهادة.