يمر المسجد الأقصى المبارك في هذه الأيام بالموعد السنوي مع أحد أعتى مواسم الاقتحامات التي يقوم بها أفراد جماعات المعبد المتطرفة وتيار الصهيونية الدينية في دولة الاحتلال، وهو موسم بداية السنة العبرية.
حيث تعتبر هذه الجماعات من الناحية الدينية أن بداية السنة العبرية يجب أن تكون بداية لمرحلة جديدة تختلف عما قبلها؛ وتحاول بالتالي أن تنفذ اقتحامات نوعية في «الأقصى» في هذه الفترة، وقد لا يعتمد الأمر على العدد بقدر ما يعتمد لدى هذه الجماعات على نوع وكيفية وأسلوب الاقتحامات، والإنجازات النوعية التي ترغب هذه الجماعات بالحصول عليها في المسجد الأقصى المبارك.
ما يميز هذا الموسم عن مواسم الاقتحامات الأخرى خلال العام –ولكلٍّ من هذه المواسم ميزاته لدى الجماعات المتطرفة–طول فترة الاقتحامات بسبب طول الموسم نسبياً، فهو يمتد إلى 22 يوماً، بما يشابه لدى المسلمين تقريباً شهر رمضان المبارك الممتد لحوالي 30 يوماً، وتستغل جماعات المعبد المتطرفة هذه الفترة الطويلة لتلتقط أنفاسها وتحاول إحداث تغييرات محددة في المسجد الأقصى كل عام.
خطورة «نفخ البوق»
إحدى أبرز العمليات التي كانت هذه الجماعات تسعى لتنفيذها في هذه الفترة داخل المسجد الأقصى كان على الدوام نفخ البوق (الشوفار) داخل المسجد الأقصى يوم رأس السنة العبرية، ونفخ البوق يعد طقساً دينياً مهماً لديهم؛ لأنه يشابه فكرة قيام الساعة من حيث كون هذه العملية فاصلاً بين زمنين، كما هو بداية العام يشكل فاصلاً بين زمنين للبشرية، ولذلك فإن جماعات المعبد المتطرفة كانت تسعى دائماً لمحاولة نفخ البوق داخل «الأقصى» في هذا اليوم تشبيهاً للطقس الذي كان يجري في المعبد حسب تصوراتها الدينية.
وكانت هذه الجماعات تفشل كل عام في أداء هذا الطقس نظراً لتخوف المستوى الأمني لدى الاحتلال من تبعات هذه العملية، حتى تمكنت من أدائه بشكل سري تام وتكتم شديد ودون أي تغطية إعلامية بضغطٍ من شرطة الاحتلال على مدار العامين الماضيين، لكنها نجحت هذا العام في ترجمة رغبتها على الأرض، فنُفخ البوق علناً في المسجد الأقصى، وانتظرت شرطة الاحتلال 15 ثانية قبل أن تتحرك في تمثيلية ممجوجة سخيفة لإيقاف المتطرف الذي قام بهذه العملية وإخراجه من المسجد لتُخرج نفسها من الحرج!
ما حدث كان في غاية الخطورة؛ لأنه تمت تغطيته والاحتفاء به لدى هذه الجماعات، وقد اتفقت هذه الجماعات مع شرطة الاحتلال التي يديرها المتطرف الكاهاني «إيتمار بن غفير» على هذا السيناريو بهدف تعويد المسلمين على هذا المشهد، وإن استمرت الأوضاع على ما هي عليه فسنرى نفس الحدث يتكرر العام القادم والذي بعده دون إخراج المستوطنين من «الأقصى»، إذ إن هذا هو الأسلوب المتبع دائماً لدى شرطة الاحتلال.
في الوقت نفسه، تبدأ هذه الفترة ما تسمى «أيام التوبة» التي تسبق أهم أيام السنة العبرية، وهو «يوم الغفران» (25 سبتمبر)، حيث تؤدي هذه الجماعات في اليوم التالي له طقوساً دينية محددة بملابس بيضاء اللون محددة داخل المسجد الأقصى، ليتبعه أهم أيام الاقتحامات في هذا الموسم، وهو «عيد العُرش» (المظلة) الذي يتميز لدى هذه الجماعات بالحشد الكبير لأعداد المقتحمين في المسجد الأقصى، وقد أعلنت جماعة «بيدينو» المتطرفة بالفعل أنها تريد أن يكون هذا الموسم كسراً للرقم القياسي لأعداد المقتحمين في «الأقصى».
إن ما يمر به «الأقصى» في هذه الأيام ليس مدعاة للبكائيات وسكب الأحزان على عتباته، وإنما يفترض أن يكون موسماً للوقوف بحزم في وجه الاحتلال ومنع هذه الجماعات من تنفيذ ما تريده في المسجد الأقصى، وقد سبق للشعب الفلسطيني أن أفشل مخططات الاحتلال وجماعاته المتطرفة ثلاث مرات في السنوات العشر الماضية، وهو قادر على ذلك فقط إن وجد الدعم الذي يحتاجه معنوياً من العالم الإسلامي من المحيط إلى المحيط، ولم يُترك وحده في هذه المعركة.