مع شروق صباح يوم السبت 22 ربيع الأول 1445هـ/ 7 أكتوبر 2023م، بدأت عملية أُطلق عليها اسم «طوفان الأقصى» رداً على الانتهاكات «الإسرائيلية» في باحات المسجد الأقصى المبارك، واعتداء المستوطنين على المواطنين الفلسطينيين في القدس والضفة والداخل المحتل، في الوقت الذي كانت فيه حكومة الاحتلال المتطرفة تمارس أقصى أشكال العنجهية وتوغل في التنكيل بالفلسطينيين في الضفة الغربية وتنتهك حرمة المقدسات وتتوعد بتغيير خارطة المنطقة لصالحها.
حققت عملية «طوفان الأقصى» مفاجأة هزت العدو والحليف على السواء؛ مما جعلها معجزة عسكرية، وأكبر معركة تحدث داخل الأرض الفلسطينية المحتلة منذ العام 1948م، المعجزة الأكبر في زمن استحالت فيه المعجزات.
لكن ليس هذا غريباً على تلك المدينة الباسلة الصامدة مدينة العزة مدينة غزة، التي تعرضت لاحتلالات عديدة عبر تاريخها الطويل.
بدأت العملية في الوقت الذي كانت فيه حكومة الاحتلال «الإسرائيلي» المتطرفة تمارس أقصى أشكال العنجهية وتوغل في التنكيل بالفلسطينيين في الضفة الغربية وتنتهك حرمة المقدسات وتتوعد بتغيير خارطة المنطقة لصالحها.
جاء الطوفان ليباغت «إسرائيل» بكل أجهزتها العسكرية والأمنية، ولتجد نفسها لأول مرة في موقع المهزوم المنكل به والفاشل رغم كل الدعم الذي تحظى به دولياً، وفي وقت تحول الكثير من أعدائها إلى أصدقاء خوفاً من «قوة لا تقهر»! فإن المقاومة الفلسطينية المحاصرة أبطلت بظرف ساعات كل هذه المزاعم، وكشفت أن مقولة «إسرائيل التي لا تقهر» ليست سوى وَهْم وزيف؛ مما دفع البعض إلى أن يطلق عليها «الانتفاضة الثالثة».
ولم أجد أفضل من هذا التوصيف المثير لأهم محلّلي صحيفة «معاريف»، بن كسبيت، معلقاً على عملية «طوفان الأقصى» قائلاً: «تعرّضت «إسرائيل» صبيحة السبت 7 أكتوبر 2023م لمفاجأة إستراتيجية بحجم حرب «يوم الغفران»، ولكن أكثر إذلالاً، في حينه كانت هناك دولتان مستقلتان مع جيشين نظاميين عظيمين، آلاف الدبابات، سلاح جو، استخبارات ودعم من القوى العظمى.
أما اليوم، فالحديث يدور عن منظمة إرهاب نعرّفها «كتافهة»، بدون سلاح جو، بدون مدرّعات، بدون بنى تحتية، محاصرة ومعزولة أمام منظومة الاستخبارات الأكثر تطوراً في العالم، وبعد كل ذلك، هي التي انتصرت في الميدان، كان يتعيّن على «حماس» أن تعتزل ليلة أمس، فأعلى من هذه الذروة ما كانت لتصل.
بحثوا عن صورة انتصار فوجدوا ألبوماً كاملاً، أنزلوا قوة عظمى على الركبتين، وأذهلوا العالم من حجم نجاحهم، قبل نحو ثلاث سنوات كنت في نقاش مع أحد أكبر رجالات جهاز الأمن.. مسؤول عن لجم وإحباط وتصفية «حماس»، قال لي: «هذه هي المنظمة هي الأكثر جديّة»، هُم أكثر تصميماً من «حزب الله»، هُم شجعان، هم ليسوا إمّعات، يعرفون ما يفعلون، محظور الاستخفاف بهم، يوجد لديهم صبر، هم لا ييأسون، هم يستغلون الفرص، ويمكن أن يكونوا خطرين جداً».
وصدق وهو الكذوب، عضو الكنيست ألموچ كوهين على الهواء مباشرة عبر قناة «13» العبرية عندما قال: «مقاتلو «حماس» شرسون جداً، ويعلمون جيداً ما يقومون به، لقد عثرنا في عتادهم على خرائط تفصيلية لكل متر وصلوا إليه، يحملون خريطة تفصيلية لكل مستوطنة، وتفاصيلها من الداخل، إنهم منظمون جداً وعندهم رباطة جأش وثبات انفعالي غير طبيعي، لا يستسلمون أبداً، يواصلون القتال حتى بعد نفاد ذخيرتهم».
غزة التي تحررنا
سيقول كثيرون ولعلهم قالوا: إن ما تفعله المقاومة الفلسطينية اليوم في عملية «طوفان الأقصى» لن يحقق إنجازات مستمرة على الأرض؛ لأن قوات الاحتلال «الإسرائيلي»، كالمرات السابقة ستدك غزة بالغارات ويروح الآلاف شهداء وجرحى، وسيستمر الحصار والتجويع، ويبقى الوضع الفلسطيني عمومًا وغزة حصوصاً على ما هو عليه، مقابل تحقيق دولة الاحتلال في الفترة الأخيرة لانتصار كبير باجتياح التطبيع.
ذلك القول صحيح بمعايير المنطق الواقعي، خاصة إذا استحضرنا حالة موازين القوى الدولية التي لا تخدم مطلقاً الدول العربية والإسلامية، وبالتالي القضية الفلسطينية، بدليل المواقف الدولية من عملية «طوفان الأقصى» وموقف الغرب المتعاطف مع دولة الاحتلال والداعم لها مادياً وسياسياً وعسكرياً، وهو موقف طبيعي من دولة وظيفية تخدم إستراتيجيته تجاه العالم العربي والإسلامي.
لكن، لكن هذا المنطق الواقعي يضعف ويتضاءل أمام عزيمة وقوة شعب أرضه محتلة، فحقه مشروع وقضيته عادلة، وأصحاب القضية العادلة يمتلكون روحاً وعزيمة لا تضعفها ولا تعطلها الحسابات الواقعية، مع عدم إمكانية تغييبها كلية، ولو كانت الشعوب العربية والإسلامية التي ردحت تحت وطأة الاحتلال آمنت فقط بالحسابات الواقعية وأخمدت روحها وتخلت عن عدالة قضيتها؛ لما طردت المستعمر واستعادت استقلالها.
لا يتقادم حق مشروع، ولا تموت قضية عادلة مهما طال الزمن، فهي تمنح صاحبها قوة يعجز العقل البشري عن فهمها أو استيعابها، وتصل إلى ما يشبه المعجزة، حيث يصعب معها أن تموت روحه وعزيمته في النجاح والحصول على الحق.
واليوم، المقاومة الفلسطينية تحقق نصراً رمزياً كبيراً جداً، يتمثل في كسر أسطورة «الجيش الذي لا يقهر»، وتمريغ أنفه في التراب، وهو جيش احتلال، يتلقى دعما ًكاملا ًمن أكبر الدول الغربية، باختصار، لقد كسرت المقاومة الفلسطينية معادلة القوة والرعب وغيرتها لأجيال قادمة.
ورغم الحصار الذي تجاوز 17 عاماً، ما زالت غزة وأهلها صامدين ضاربين المثل في الصبر والصمود والمقاومة من أجل البقاء، يحفظون للأمة آخر قطرات ماء الوجه.. تحية إعزاز وتقدير واجبة لغزة الصامدة وأهلها.
والآن، ماذا فعلنا نحن لنصرة القضية، لعلنا ننال بعضاً من الشرف والعزة الذي تحياها غزة وأهلها الآن بالرغم من هول المعاناة؟