هل لدينا خطاب عربي مؤثر بحق عن القضية الفلسطينية؟ ولماذا لا يصل الخطاب العربي إلى الغرب؟ وما الخطوات التي يجب القيام بها لتطوير الخطاب العربي والإسلامي؟ وكيف نمتلك خطاباً ناجعاً يُعري سوءة الاحتلال «الإسرائيلي» أمام العالم؟!
تساؤلات تفرض نفسها، مع تحرك دولة جنوب أفريقيا، دون غيرها من الدول العربية والإسلامية، لإقامة دعوى ضد «إسرائيل» أمام محكمة العدل الدولية، تتهمها فيها بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
إطلاق منصات باللغات الأكثر انتشاراً لشرح القضية الفلسطينية
وبحسب خبراء تحدثوا لـ«المجتمع»، أكدوا أن هناك أزمة في الخطاب العربي تجاه القضية الفلسطينية، سواء الخطاب الموجه إلى الداخل العربي أو الموجه إلى الغرب، وأساس الأزمة أننا لم نعرف حتى الآن كيف نسوق لقضيتنا الأولى؛ فلسطين.
أزمة مستمرة
د. أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، يقر بأن أزمة الخطاب العربي والإسلامي بشأن القضية الفلسطينية مستمرة منذ النكبة الأولى عام 1948م، وحتى الآن، مضيفاً: نحن نكرر نفس الخطاب رغم فشله في تحقيق أي نتيجة على الأرض، وفي كل مرة نتوقع أن تكون النتيجة مختلفة.
وأضاف الرقب، في حديثه لـ«المجتمع»، أن خطابنا الرافض للاحتلال والمندد بجرائمه موجه في الغالب إلى الداخل العربي والإسلامي الرافض في الأساس للاحتلال، وهو ما يتفق معه د. إيهاب عليّ، أستاذ الرأي العام بكلية الإعلام جامعة القاهرة، مشيراً إلى أن العرب تركوا الساحة الغربية لسنوات أمام السردية «الإسرائيلية» لتكون هي المسيطرة على الإعلام الغربي.
ويتابع: بالتالي رأينا لسنوات طويلة انحيازاً كاملاً من الرأي العام الغربي لهذه السردية، وهو ما يشير في الحقيقة إلى أزمة حقيقية يمكن أن أسميها «الحديث في المرآة»، فنحن كعرب نتحدث إلى أنفسنا ولا نتحدث إلى الطرف الآخر، وتناسينا أن الرأي العام الغربي عنصر مهم ومهم جداً في المعادلة.
استمالة الجمهور الدولي ومخاطبته بأدوات وأساليب عصرية
ويرى عليّ أن الخطاب العربي ما زال تقليدياً، يعتمد على أساليب قديمة، لافتاً إلى ضرورة العمل بشكل منهجي وأكاديمي لتغيير ذلك، والعمل على استمالة الجمهور الدولي ومخاطبته بأدوات وأساليب متنوعة تتناسب وطبيعته، بهدف تشكيل رأي عام دولي يصطف إلى جانب القضية الفلسطينية، مع تطوير أدوات السلطة الفلسطينية بممثليها في الخارج وجامعة الدول العربية لما لها من تواجد دولي، وأيضاً ممثلي البلدان العربية في العالم.
تطوير الخطاب
يشير د. عبدالله محمود عدوي، في كتابه «الرأي العام والقضية الفلسطينية» (الملتقى للنشر- 2021) إلى مصطلح «إساءة الوجه إعلامياً»، ويعني الدعاية الإعلامية السلبية لتشويه صورة شيء ما من خلال تكثيف التوجيهات والرسائل الإعلامية في اتجاهات معينة لإظهار السلبيات والمساوئ بهدف تشكيل رأي عام مضاد ونافر، مشيراً إلى أنه يمكن لأهل فلسطين اتباع هذه النظرية بتحقيق إساءة الوجه وتعرية المحتلين وفضحهم أمام العالم، بكشف جرائمهم وفضح انتهاكاتهم وتدمير صورتهم المزيفة التي صنعوها عبر الإعلام بشأن الديمقراطية وحقوق الإنسان.
ويبين الرقب معالم خارطة طريق تطوير الخطاب العربي لنصرة القضية الفلسطينية، قائلاً: إن أي معركة لها شقان في الأساس؛ الأول: عسكري؛ وهو ما تقوم به المقاومة الآن على الأرض وتحقق فيه انتصاراً وثباتاً أبهر الجميع، بل يشهد به أعداؤها.
أما الشق الثاني فهو خطاب معركة «طوفان الأقصى»، ونلاحظ مثلاً أن خطابات أبي عبيدة وفيديوهات المقاومة أصبحت تستخدم اللغة العبرية أيضاً كترجمة لشعارات المقاومة؛ وهو يعني أنها تدرك أن هذه البيانات العسكرية ليست موجهة إلى العرب فقط، وإنما إلى الداخل الصهيوني كذلك.
يجب تدمير صورة «إسرائيل» المزيفة عن حقوق الإنسان
ومن المطلوب أيضاً تغيير مضامين الخطاب نفسه لنعتمد على المنطق الذي يفهمه الغرب وليس المنطق الذي نفهمه نحن، وهذا بالطبع لن يحدث إلا إذا تحدثنا بلغتهم، وأن يكون لدينا كعرب منصات باللغات الأكثر انتشاراً في العالم كالإنجليزية والفرنسية والإسبانية تتحدث عن قضايا العرب وتطرح حلولها من وجهة النظر العربية.
ويطرح د. إيهاب عليّ أهمية التركيز على الجمهور الغربي بالأساس عن طريق السعي إلى مخاطبته عبر وسائل الاتصال التي يتابعها ويهتم بها، لافتاً إلى أن الكيان الصهيوني انتبه لذلك منذ سنوات، فبالإضافة إلى الإعلاميين والسياسيين المؤيدين له في وسائل الإعلام الدولية، نجده أيضاً دائم الحضور على تلك الشاشات عن طريق محلليه وداعميه.
وأضاف: كم شخص يتابع كلمات الزعماء والساسة العرب في الأمم المتحدة والمحافل الدولية؟! في المقابل كم شخص يتابع برنامج المذيع الأمريكي مورجان بيرس الذي ظهر من خلاله الإعلامي المصري الساخر باسم يوسف؟!
أفكار هدامة
وتحمل د. سامية الأغبري، الرئيسة السابقة لقسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة صنعاء، الإعلام العربي، المسؤولية عن أزمة الخطاب العربي بشأن فلسطين، حيث تشير في دراسة لها، إلى أن الإعلام العربي كان له دور سلبي في القضية الفلسطينية سواء بوعي أو بدون وعي، حيث روج للكثير من الأفكار والمصطلحات الصهيونية، مثل تبني مزاعم صهيونية، أهمّها أنّ الفلسطينيين باعوا أرضهم ولم يكافحوا من أجل قضيتهم، رغم أن الشعب الفلسطيني ضعيف ماديًّا ومكبل اليدين، ولم يحصل على مساعدة جدية من الأنظمة العربية لمواجهة التفوق الصهيوني في العدد والعدة، وكذلك روج لفكرة هروب الفلسطينيين من أرضهم وعدم قدرتهم على مواجهة «إسرائيل» وأمريكا كدول متفوقة عسكريًّا؛ كما روج لفكرة الاستسلام وعدم جدية المقاومة.
فضح السردية «الإسرائيلية» المسيطرة على الإعلام الغربي
وتضيف أن الإعلام العربي غير مدرك لتاريخ الصراع العربي «الإسرائيلي» جيدًا، بَدءًا من مقاومة الفلسطينيين وتضحياتهم الكبرى، ولا يعرف بحجم التضحيات التي قدموها، حيث قدم الفلسطينيون 7 آلاف شهيد في الثورة العربية الكبرى في الأعوام 1936 – 1939م، وهي ثورة عز الدين القسام، مؤكدة أن الإعلام العربي بشكل عام لم يشر إلى الصفحات المجيدة في تاريخ المقاومة العنيدة في عام 1948م، و«يوم الأرض» عام 1976م، و«انتفاضة الحجارة» في عام 1987م، وغيرها من البطولات الفلسطينية.
وأشارت إلى ضرورة أن يركز الإعلام العربي على التعريف بالقضية الفلسطينية بصورة مستمرة، وأن يقوم بتعبئة واسعة النطاق للإشادة بالبطولات الفلسطينية المتعاقبة، وأهمها «طوفان الأقصى»، وفضح الأكاذيب والخرافات الصهيونية والغربية، وإظهار حقيقة أنّ الشعب الفلسطيني حينما يجد الدعم سيحقق المعجزات.