إن نظام الخلافة هو النظام الذي اتخذه المسلمون لإدارة دولتهم، وقد استمر في الأمة أكثر من 14 قرنًا من الزمان على اختلاف الأسر الحاكمة والشعوب المحكومة.
فقد كانت الخلافة خالصة في العرب، ثم شركهم العجم، ثم انفردوا بها.
والدولة الجزائرية تنظر للخلافة نظرة كلها تقدير، ولا تعاديها، أو تحقر من شأنها، وظهر ذلك جليًّا في المناهج التعليمية التي تناولت دول الخلافة المتعاقبة.
ورغم أن الجزائر وقعت في منطقة خرجت عن سيطرة الخلافة باكرًا، ونشأت على أرضها دول مستقلة، وقد تسمت باسم الخلافة، لكنها ترى أنها جزء من أمة واحدة تشترك في الدين والتاريخ واللغة وكذلك وحدة المصير.
والحديث في المناهج الجزائرية عن الخلافة الإسلامية ودولها في المشرق والمغرب يتم النظر إليه من زاويتين؛ تاريخية، وحضارية.
فيتم التأريخ لدولة الخلافة من حيث النشأة والسقوط والأعلام والامتداد، والتأثر الحضاري لهذه الدول في العالم.
ففي كتاب التاريخ للسنة الثانية في المرحلة المتوسطة قيل: «كانت وفاة الرسول ﷺ أول امتحان للمسلمين في إيمانهم وثباتهم؛ فقد شهدت الجزيرة العربية إثرها هزة عنيفة أخرجت المرتدين والمتنبئين ومانعي الزكاة، لكن خليفة رسول الله ﷺ الأول أبا بكر الصديق حسم الأمر، وأعاد الوحدة إلى الدولة الفتية، وحمل الخلفاء الراشدون من بعده لواء نشر الإسلام، غير أن أمرًا عظيمًا حدث تحول بسببه نظام الحكم من شورى إلى ملكي، ولم يتوقف الفتح، وبلغ أوجه في عهد الأمويين، وخلفهم العباسيون الذين ازدهرت الحضارة الإسلامية في عصرهم إلى أن سقطت بغداد على يد المغول»(1).
فهذا حديث مجمل عن الخلافة السُّنية منذ الخلفاء الراشدين مرورًا بالأمويين ثم العباسيين.
وتناول المنهج نفسه الدول المستقلة عن الخلافة المركزية التي قد تسمت بالخلافة والإمامة أيضًا، وإن خالفت المذهب العام للدولة المركزية، وأولها الدولة الرستمية المنتمية للفكر الإباضي الخارجي، وهي أول دولة إسلامية جزائرية تأسست على يد عبدالرحمن بن رستم الإباضي الذي بويع بالإمامة عام 160هـ/ 776م، وكانت «الدولة الرستمية مستقلة استقلالاً تامًّا، والرئيس الأعلى يعين بالانتخاب لمدة حياته، ويلقب بالإمام، والخليفة، وأمير المؤمنين، وللإمام مستشارون وحفظة لبيت المال، ومحتسبون، ورجال شرطة، وكان للقاضي دار وسجل وخاتم، ويسوي بين الخصوم، وللحكومة جند من العرب والعجم، والمالية تجمع من الزكاة والجزية وخراج الأرض»(2).
وألقت المناهج الضوء على دولة الخلافة الفاطمية الشيعية، التي ظهرت «خلال القرن الثالث الهجري في المغربين الأوسط والأدنى، وامتد نفوذها إلى المغرب الأقصى، ثم وجهت أنظارها إلى المشرق فضمت مصر، وبنت عاصمتها الجديدة (القاهرة)، كما استطاعت بسط نفوذها على الشام والحجاز، وهذا على حساب العباسيين في بغداد.
وأقام الفاطميون نظام حكم ملكي وراثي منحصر في أسرة عبيد الله الشيعي، وقد تلقب حكام الدولة الفاطمية بـ«الخلفاء»، معتبرين أنفسهم الأحق بالخلافة من العباسيين»(3).
ومن الدول المستقلة التي كان لها أثر عظيم في مجريات التاريخ الدولة المرابطية، التي كانت «مستقلة استقلالاً تامًّا، ولها حكومة أقوى نفوذًا من خلفاء بني العباس.. الحكومة مقيدة بالكتاب والسُّنة، ولا يمضي أمراؤها وعمالها أمرًا إلا باستشارة شيوخ الدين وموافقتهم، ومنذ أن استولى يوسف بن تاشفين على الأندلس لقب بـ«أمير المسلمين»، وللأمير وزراء وعمال على الجهات، والقضاء مستقل عن الإدارة كل الاستقلال، والكل على مذهب مالك، وكانت مالية الدولة تجمع من الجبايات الشرعية زكاة وجزية وأخماس غنائم»(4).
أما منهج التاريخ في المرحلة الثانوية فقد تناول الخلافة العثمانية وعلاقتها المتشابكة والمتصارعة مع أوروبا.
ففي كتاب التاريخ للسنة الثانية من التعليم الثانوي جاء الحديث عن الخلافة العثمانية، التي «تميزت بسعة رقعتها الجغرافية وامتدادها عبر قارات ثلاث؛ آسيا وأوروبا وأفريقيا، وتعدد قومياتها، ونظرًا لإستراتيجية موقعها (المضايق والممرات الرئيسة) وأهميتها الاقتصادية والحضارية؛ واجهت صراعًا وحروبًا ثنائية ومتعددة الأطراف استمرت على مدى فترة 1453 – 1923م، وعرفت علاقتها بالغرب باسم المسألة الشرقية»(5).
وقد اهتم المنهج بذكر الاتفاقيات السياسية بين الدول الأوروبية، التي كان للخلافة العثمانية نصيب منها، مثل:
– مؤتمر سان بترسبورغ، في يناير 1825م، بين روسيا والنمسا وفرنسا وبروسيا وإنجلترا ومضمونه: مناقشة القضية اليونانية والوقوف إلى جانبها ضد الخلافة العثمانية.
– معاهدة لندن 15 يوليو 1840م، بين بريطانيا والنمسا وروسيا وبروسيا، ومضمونها: وضع حد لتوسعات محمد علي نحو الشام، والحفاظ على الدولة العثمانية ضعيفة استعدادًا لتقسيم النفوذ بين بريطانيا وفرنسا.
– مؤتمر باريس 30 مارس 1856م بين كل من فرنسا وروسيا والنمسا وبريطانيا والدولة العثمانية التي من بنودها: إعلان حرية الملاحة في الدانوب واعتراف دول أوروبا بالسيادة العثمانية على المضائق.
واعتراف السلطان بالمساواة التامة بين رعاياه على اختلاف مذاهبهم وأديانهم.
– مؤتمر برلين الثاني 15 نوفمبر 1884 إلى 26 فبراير 1885م، بين ألمانيا والنمسا وبلجيكا وفرنسا والدنمارك وإيطاليا وهولندا والبرتغال وروسيا وإسبانيا وإنجلترا والدولة العثمانية، ومضمونه: تقسيم النفوذ في القارة الأفريقية بعد التوسع في الداخل ثم الاحتلال الفعلي وإخطار الدول الموقعة على مرسوم المؤتمر»(6).
ولم يجد من وضع المنهج أي حرج في ذكر أن الصراع مع الخلافة العثمانية كان صراعًا في وجه من وجوهه دينيًّا؛ ففي الأزمة البلقانية الأولى والثانية 1912 – 1913م التي تعد من أخطر الأزمات؛ حيث تكمن خطورتها في أنها تحمل أوجهاً متعددة، منها: «الامتداد الديني الإستراتيجي الذي ظهر في التوافق المسيحي الأوروبي على إنهاء الوجود الإسلامي العثماني في البلقان من جهة، والتنافس للسيطرة على طرق المواصلات (البرية والبحرية) من جهة أخرى»(7).
وألمح إلى بعض الأسباب التي أدت إلى سقوط الخلافة؛ ومنها: «اشتداد التنافس الأوروبي حول الخلافة الإسلامية العثمانية من خلال حرب الامتيازات الدينية والاقتصادية بين فرنسا بريطانيا روسيا وألمانيا (شركة لانش الجزائر، قناة السويس، سكة حديد برلين بغداد، سكة حديد الحجاز)، وحول مناطق النفوذ (تونس، مصر، المغرب الأقصى، الشام، وبلاد الرافدين) باستغلال المشاعر القومية ضد الدولة العثمانية»(⁸).
وإن لم يشر المنهج صراحة إلى سقوط الخلافة، ولكنها ذكر معاهدة لوزان، في 24 يوليو 1923م، التي نتج عنها الدولة التركية بشكلها الحديث تحت قيادة مصطفى كمال أتاتورك(⁹).
أما في الجامعة، فيقول د. محمد مولاي، الأستاذ المحاضر في التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة أدرار: «نتناول في الجامعة الجزائرية كرونولوجية قيام الدول، وتتبع مساراتها منذ بداية الفتح الإسلامي لبلاد المغرب حتى الخلافة العثمانية في كلٍّ من المغربين الأدنى والأوسط».
وبذلك، نرى أن تناول المناهج الجزائرية في التعليم الأساسي والثانوي والجامعي لأمر الخلافة ودولها كان تناولاً متوازنًا لم يتجاوز التاريخ، ولم يجعلها هدفًا لطعن الطاعنين من العلمانيين وأذيال الغرب.
__________________________
(1) كتاب التاريخ للسنة الثانية من التعليم المتوسط، ص30.
(2) المرجع السابق، ص52.
(3) المرجع السابق، ص58-59، باختصار.
(4) المرجع السابق، ص65.
(5) كتاب التاريخ للسنة الثانية من التعليم الثانوي العام والتكنولوجي لجميع الشعب، ص41.
(6) المرجع السابق، ص46.
(7) المرجع السابق، ص48.
(8) المرجع السابق، ص52.
(9) انظر: المرجع السابق، ص63.