بعد جهاد طويل في خدمة قضايا الإسلام والمسلمين في أنحاء العالم انتقل إلى رحمة الله تعالى العلامة الشيخ الدكتور عبد المجيد الزنداني أمس الاثنين 13/10/1445هـ الموافق 22/4/2024م، وبهذه المناسبة تعيد “المجتمع” نشر هذا الحوار الذي أجرته مع الفقيد وتم نشره في العدد: 1293 بتاريخ: 25/11/1418هـ الموافق 24/3/1998م.
المعارضة عندنا ليست تفتيشاً في عيوب الغير لتحقيق مكاسب سياسية وإنما هي حسبة نبتغي بها إظهار الحق
الداعية الإسلامي الشيخ عبد المجيد الزنداني هو واحد من رموز الصحوة الإسلامية المعروفين….عاش مراحل بلورة العمل الإسلامي في اليمن، وشارك في صياغة مشاريع انطلاقته…. وخاض مع الحركة الإسلامية تجاربها، وشارك بفاعلية في الأحداث المصيرية التي مرت باليمن…. فقد شارك في تجربة الائتلاف الحكومي بين حزبي المؤتمر والتجمع اليمني للإصلاح، وعاش معركة الصراع الفكري مع التيار الشيوعي، وتجربة الحرب الانفصالية التي خاضها الشيوعيون…. وعين عضواً بمجلس الرئاسة وقت الائتلاف… وهو الآن رئيس مجلس شورى التجمع اليمني للإصلاح.
التقته “المجتمع” وحاورته حول رؤيته لتجربة مشاركة الإسلاميين في الحكومة ودورهم الحالي في المعارضة… وإلى أي مدى ستتطور العلاقة بين الإسلاميين والسلطة… وكيف ينظر إلى القضايا المصيرية التي يمر بها اليمن…. قضية الحدود… حنيش… والدور اليهودي عند باب المندب.
– تجربة مشاركة الإسلاميين في السلطة في اليمن كتجربة ثرية تعتبر من أثرى التجارب في العالم العربي والعالم الإسلامي خاصة أن الإسلاميين شاركوا في السلطة سياسة، وشاركوا في دعم وحدة اليمن جهاداً ضد الانفصاليين، ثم يشاركون الآن معارضة… أريد رؤية فضيلتكم لهذه التجربة.
نحن نعتبر أنفسنا طليعة في هذه الأمة، ولسنا حزباً متميزاً فيها عن الأحزاب الأخرى، فالشعب مسلم والكل ينتمي للدين، ولكننا نحاول أن نكون طليعة تُبصر نفسها وأمتها بالأوضاع الإسلامية التي يجب أن تكون عليها الأمة بأجمعها، ولذلك لا تجد فاصلاً بيننا وبين الحاكم، ولا بيننا وبين سائر التنظيمات التي تنهج النهج الإسلامي، وأحب أن أشير هنا إلى أن الفلسفة الغربية للسياسة شاعت اليوم وانتشرت… والناس يحاكونها دون تبصر بالقواعد التي تنطلق منها والقواعد التي يجب أن ننطلق منها… نحن ننطلق من أن الأمة لها دين واحد ومنهج واحد تؤمن به والمنهجية الغربية تنطلق من أن لكل ركب فلسفة ولكل واحد رأي هو حر فيه، وهناك فارق كبير بين من ينطلق من هذا المنطلق أو ذاك.. الفلسفة الغربية تقول إن التجمع يكون وفق مصالح الأحزاب والفئات والطبقات، ونحن نقول إن المصلحة الإسلامية مقصودة لنا جميعاً مصلحة الغني مطلوب أن نحميها، ومصلحة الفقير ينبغي أن ندافع عنها ومصلحة هذه الفئة وتلك كلهم من جسم أمة واحدة وكيان واحد، والمطلوب إقامة الحق بين كل هذه الفئات والجهات المتعددة، لكن المنهجية الغربية تقوم على أساس أن من في الحكومة يجب أن يكونوا مع الحكومة في حق أو في باطل، ومن في المعارضة يجب أن يعارض الحكومة لإسقاطها والمجيء بدلاً عنها بحق أو بباطل، ونحن مازلنا نقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) (النساء:135).
ندور مع الحق.. سواء شاركنا في الحكومة أم خرجنا للمعارضة.
يجب أن نقول الحق على السلطة نفسها، ويجب أن نقول الحق على خارج السلطة وإن كنا ممن يقفون خارج السلطة، لأننا ندور مع الحق، ولذلك كان اشتراكنا في الحكومة للمحافظة على المصلحة العامة للأمة التي كانت تستدعي توحيد الصفوف وجمع الكلمة للوقوف أمام الأخطار الكبيرة التي تهدد البلاد، ثم خروجنا من السلطة بعد أن استقرت الأمور والأحوال، ورأينا أن الشريك الكبير في الدولة وفي النظام له منطلقات وله سياسات لنا تحفظات عليها، فأحببنا أن نتيح له الفرصة كاملة ليمضي بسياسته وتحمله المسؤولية كاملة، فكثيراً ما كنا نتحمل المسؤولية في أمور الرأي فيها ليس لنا..
توقع الناس بعد خروجنا من السلطة بأننا سننهج المنهجية الغربية بالبحث عن عيوب السلطة ونضخم الأمور ونحرض الجمهور، لكننا في الحقيقة نبحث عن الحق ونتلمس كيف نقدم هذا الحق في عبارة طيبة وفي نصيحة نافعة تعود بالفائدة على الدولة وعلى الشعب وعلى الناس جميعاً، هذا كله جعلنا نرفض إطلاق كلمة المعارضة علينا ابتداء ونحاول أن نعطيها معنى من ضوء شرعنا ومن منهج ديننا… فنحن نعتبر تلك المعارضة نوعاً من الحسبة يحتسب فيها مجموعة من الناس للأمن العام هي حسبة عامة، القصد بها إظهار الحق ونصرته والقصد بها بيان ما ينفع الناس، ولذلك فإن مجلس شورى التجمع لا يزال يريد أن يقدم للأمة المصطلح الصحيح.
عندما كنا في الحكومة كان بعض من إخواننا في المؤتمر الشعبي يقولون كيف تضعون قدماً في السلطة وقدماً في المعارضة فكنا نقول لهم: نحن لا نعرف ذلك، نحن نعرف الحق وندور معه حيث دار.. واليوم المعارضة تقول: لنا ما لكم هكذا نراكم في مربع خاص …. ما تحركتم؟
والحقيقة أننا يشرفنا أن نكون مع السلطة عندما تكون على حق، وأن نكون مع الشعب عندما يكون على حق ويشرفنا أن نكون مع الحق وندور معه حيث دار ولذلك يشعر الحاكم بأمان في أعماق نفسه من جهتنا لأننا نقصد النصح ونقصد ما ينفع الناس جميعاً صغيرهم وكبيرهم، وكذلك عندما كنا في الحكم كانت المعارضة أيضاً تشعر بأمان لأننا كنا أيضاً لا ننحاز… وتجربتنا هذه نحن نستهدي فيها بأهداف ديننا وبآيات القرآن وأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم، ونحاول أن نسير وفق النهج الإسلامي، فإن كان التوفيق فمن الله ومن حرصنا على الاستهداء بكتاب الله وسنة رسولنا صلى الله عليه وسلم، وإن كان خلل أو نقص فمن أنفسنا.
نتحدث عن الفوائد التي حققتها الحركة الإسلامية من المشاركة في عمل الحكومة وإدارة دفة الحكم في البلاد؟
كما قلت… نحن نعتبر أنفسنا طليعة في أمة من ضمن أمة، فنعتبر المصلحة التي يفوز بها الشعب هي مصلحة البلد ونعتبر المصلحة التي للأمة هي مصلحتنا، ونعتبر أن تحقيق الوحدة هو مكسب من المكاسب العظيمة لنا وللأمة العربية والإسلامية، ونعتبر أن وجود دستور منظم للحياة السياسية هو مكسب لنا ولشعبنا، وأن يكون هذا الدستور وفق المنهج الإسلامي مرجعه الكتاب والسنة، والإسلام هو مكسباً لكل المسلمين ومكسب للأمة كلها فضلاً عن أن يكون مكسباً للشعب بأكمله بل هو خير للناس جميعاً، وعندما يكون هذا هو سلوكنا فإن التحريض الذي يقع بمؤثرات خارجية بين أهل البلاد الواحدة ضد الحاكم والمحكوم تتاح له فرصة فساد ذات البين، ولكن بهذه المنهجية التي نسير عليها وبهذا الطريق الذي نسير فيه تكون فرص التحريض ضيقة ودواعيها قليلة، والكل يعرف الآخر.
وهل يمكن أن نجد هذا التحريض وهذا التدخل من الجهات الأجنبية في يوم من الأيام في اليمن؟
الغيب غيب، الغيب لا يعلمه إلا الله، ولكن ما نسمعه من القائمين على الأمر سواء في التجمع اليمني الإصلاحي أو في الحكومة أنهم يتفهمون هذا الأمر ويحرصون على تفويته.
هل يمكن أن نقول: إن التفاهم مازال موجوداً بين الإسلاميين والسلطة؟
التفاهم مازال موجوداً، والاختلافات في بعض الاجتهادات موجودة أيضاً، ولكننا نحلها بطريق التفاهم وطريق التناصح وبالأساليب الدستورية التي اتفقنا عليها في الدستور.
لكننا نلحظ أن خروج الإسلاميين للمعارضة جاء بعد الانتخابات النيابية التي شابتها مخالفات بحق الإسلاميين وتحدثت عنها وسائل الإعلام؟
هذا شأن الانتخابات في الدول الحديثة، وفي الغالب فإن التسليم بالنزاهة الكاملة في هذا الأمر تكون فيه صعوبة، ونحن نرى أنه إذا تحققت التجربة بنسبة ٥٠٪ نعتبرها مكسباً، فالتالية تكون %٦٠ ثم %٧٠ ثم %۸۰، وهكذا.. ونسير خطوة بخطوة وفي المدى البعيد نكسب إن شاء الله.. وأما الذي يغضب ويكسر الإناء فإنه قد لا يجد إناء بعد ذلك يقدم فيه طعاماً أو شراباً.
تزامن خروج الإسلاميين للمعارضة مع ظهور بعض فصائل التيار الاشتراكي مرة أخرى في بعض مواقع الحكم، فهل يعني ذلك شيء؟
المؤتمر الشعبي الحاكم يعتبر نفسه حزباً إسلامياً لأن ميثاقه ميثاق الإسلام، ويعتبر أن التجمع اليمني للإصلاح لا يتفرد بهذا الوصف وحده ونحن نفرح بذلك، نفرح بأن يتمسك المؤتمر بالميثاق الذي قام عليه وأن يبذل جهوده في المحافظة عليه وعلى دستور بلاده وعلى حقوق أمته وعلى النهج الإسلامي، والحزب الاشتراكي الرسمي لا يزال محافظاً على استقلاليته وما يزال له كيانه وإن كان يعلن أنه لا يتبنى إلحاداً ولا يتبنى كفراً ولا يتبنى ما كان يتبناه من قبل، إلا أن بعض العناصر الاشتراكية التي تركت الحزب دخلت في المؤتمر ودخلت في الدولة.
سمعنا أن هناك علاقة شبه خاصة بين فضيلتكم وبين الحزب الاشتراكي وهي علاقة التنافس ومحاولة إلقاء الشبهات من الحزب الاشتراكي في مرحلة ما على فضيلتكم… إلى أي مدى وصلت العلاقة الآن بينكم وبين هذا الحزب؟
هذا الحزب كان يعتبرني سلطة غير مقبولة للمجلس الفكري الذي كنت اتبناه، وكان هذا الحزب يصورني بصورة بشعة جداً للجماهير، ولكن عندما التقينا قياداته وأدرنا عدداً من الحوارات وخاصة في القضايا الإيمانية وفيما يتعلق بالإعجاز العلمي في القرآن والسنة، قال لي حيدر أبو بكر العطاس، وكان رئيساً للوزراء آنذاك، وسيف صاري وهو من كبار القيادات الفكرية قالوا: نحن فهمناك خطأ، وأصبحنا الآن نوزع أشرطتك في الحزب، لكن أعضاء الحزب تساءلوا ماذا جرى؟… هذا الذي كنتم تقولون عنه كذا وكذا، تأتون الآن لتوزعوا أشرطته فردوا عليهم يجب أن تتعرفوا عليه وتفهموا ما عنده، وقد جرت بيني وبين عدد من القيادات مناقشات فكرية، وعندما يكون اللقاء في الفكر يكون هناك في الغالب التقاء في وجهات النظر، وعندما تكون المواقف سياسية فإنها تجر إلى الوقوف وراء متاريس السياسة.
وماذا عن العلاقة بين التجمع اليمني للإصلاح وبقية الفصائل من التيارات العلمانية؟
نحن نعتبر أن العلمانيين في اليمن قد تخلوا عن المنهجية العلمانية بقبولهم للدستور لأننا جميعاً اتفقنا على أن الشريعة الإسلامية هي مصدر جميع التشريعات، وعلى أن التمسك بالكتاب والسنة واجب على الدولة ورجالاتها، وكل مسؤول لدينا في اليمن لا يتولى منصبه حتى يقسم اليمين، وفي مقدمة هذا اليمين أقسم بالله أن أكون متمسكاً بكتاب الله وسنة رسوله، ونحافظ على الدستور (…) وكذا وكذا، فنحن نعتبر التعبيرات الدستورية والحياة الدستورية التي جرت والتسليم للمنهجية الشرعية والسيادة العليا للشريعة، نعتبره ملزماً لكل الأحزاب، ونحن لا نسمح بقيام حزب يتبنى أفكاراً تخالف الدستور أو تخالف الإسلام، في قانون الأحزاب لدينا هذا، إن أي حزب تتضمن أهدافه أو وسائله شيئاً يخالف الإسلام فهو غير شرعي… فذلك التصنيف الذي كنا نعهده من قبل قد انتهى حتى قال بعض الناس: العلمانيون اليوم بدون قضية علمانية في اليمن، ويبقى بعد ذلك بعض الاجتهادات في مصالح الناس السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولكن نحن متفقون جميعاً على أن المرجع هو الكتاب والسنة ولنا الظاهر من الناس.
من خلال تجربتكم المشاركة في السلطة والحياة السياسية كيف ترى العلاقة بين الإسلاميين والسلطة في العالم العربي؟ وكيف ترى مستقبلها؟
عندما كلمتك… كلمتك عن ظروف اليمن التي اجتمع فيها عنصران عنصر التعقل والحكمة والصبر من جهة دعاة الإسلام، وعنصر التفهم أيضاً من جهة السلطة، وما كان هذا ليتم لولا ذاك، وما كان هذا لينجح لولا ذاك فهما عنصران اجتمعا، فلو فرضنا أن أحدهما لم يقم بواجبه أو تجاوزه، فإن الوضع سيكون عندنا في اليمن أشد من أي مكان آخر، الشعب مسلح تقريباً، والقبلية لا تزال مسيطرة على كثير من الناس وإن من يحرص على مصلحة يجب عليه أن يتريث في أي قرار يتخذه والشاهد… أنه اجتمع في اليمن العنصران، أما في الخارج فلا ندري لكل بلاد ظروفها ولكل منطقة أحوالها … ولكن نسأل الله تعالى أن يوجد هذا التعقل وذاك التفهم.
إلى أي مدى استطاع التيار الإسلامي في اليمن أن يساعد في إخباء جذوة القبلية في بلادكم؟
الناس يلجؤون إلى التعصب لحماية أنفسهم ومصالحهم إذا وجد الظلم والناس يلجؤون للتعصب إذا وجد الجهل وغابت القيم والمثل، ودعاة الإسلام في بلادنا نجحوا في أن يعلموا الناس الإخوة الإسلامية وترك العصبية ونبذها، نجحوا في أمور شبه مستحيلة أن تجد لها حلاً معتاداً مألوفاً، فمثلاً أحد الدعاة دخل بين قبيلتين متقاتلتين وعاش بينهم وسكن معهم، وتمكن أن يجمع المتقاتلين على مائدته، بينما لو التقوا خارج هذا المكان لقتل كل منهم الآخر، ولكنه عندما شاع أنهم يلتقون عنده في دروسه، شاعت الأخوة حتى قضي على الفتنة من جذورها بفضل ما أحدثه من تعليم وتفقيه للناس، ثم إن دعاة الإسلام والعاملون في الحقل الإسلامي من شباب ودعاة وعلماء وسياسيين يحرصون على إشاعة العدل ومقاومة الظلم بكل صورة من صوره وأشكاله.
سمعنا عن محاولات سابقة ولاحقة من جانب السلطات لإنهاء دور المعاهد العلمية أو إغلاقها أو تحويلها، فما صحة هذه المحاولات؟
النظرة للمعاهد العلمية للأسف الشديد أخذت صورة غير سليمة، فقد تمكن الحاقدون على المعاهد العلمية من تقديمها على أنها معاهد خاصة بحزب من الأحزاب وتنظيم من التنظيمات وأنه بناء على ذلك يجب أن تلغى وأن تضعف، وإذا أراد أن يتبنى الحزب معاهد فعلى نفقته وليس على نفقة الدولة، ولكن نحن نعلم أن المحرك لهذا سياسات خارجية، ونفس الكلام الذي جرى في تركيا بحق معاهد الأئمة والخطباء هو الذي يجري عندنا، بل نفسها التي نواجهها في اليمن، فما الذي جمع بين المخططين في تركيا واليمن على الفارق الهائل بينهما.
ولا شك أن هناك إيحاءات خارجية وتحريض خارجي، ونحن من جانبنا ما زلنا نبذل محاولاتنا لتصحيح هذه الصورة المغلوطة عن المعاهد لأن التفقه في الدين ليس عيباً، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)، فإغلاق مؤسسات علمية تعلم الدين أمر لا يقبله مسلم لأنه نوع من الصد عن سبيل الله، لكن على كل حال فما زالت المعاهد قائمة وإن كان عليها تضييق.
ما الدور الذي تؤديه المعاهد العلمية داخل المجتمع اليمني؟
أكبر دور قامت به هي أنها قضت على روح المذهبية العصبية التي كانت تفرق اليمن والتي تعتبر من أقسى أنواع التفرقة في المجتمع …. خاطبت الناس بالكتاب والسنة، فترى الذي ينشأ في أعماق المناطق “الزيدية”، مع الذي ينشأ في أعماق “الشاجعية” الكل يتربى على منهج واحد، هو احترام الكتاب والسنة والحرص على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ثم تربية المجتمع…. فلم يقف خير المعاهد العلمية على طلابها فقط، بل تجاوزه إلى الشعب والناس المحيطين بهم، فحيثما تجد المعهد العلمي تجد الوعي الإسلامي والمعرفة الإسلامية وتجد البصيرة والتفقه في الدين، وتجد الانعكاسات على طبيعة حياة الناس، كما كان للمعاهد العلمية دور كبير في مواجهة الحركة الشيوعية التي كانت تريد أن تجعل من اليمن قاعدة لها، إلى جانب أنها قدمت أجيالاً إلى الجماعات على درجة عالية من الأخلاق والسلوك.
انتقل إلى القضايا المصيرية لليمن وأعني بها قضية الحدود وقضية احتلال جزيرتي حنيش من قبل إريتريا… وكذلك مشروع النهضة الاقتصادية التي تتبناه الحكومة… ما رؤيتك؟
جئت على المهم… فبقاء مشكلة الحدود يعتبر قنبلة موقوتة في جنب أصحابها وهي قنبلة موقوتة يفجرها العدو في أي وقت يريد، فإذا أرادوا أن يؤذوننا فجروا مشكلة الحدود، وإذا أرادوا أن يؤذوا إخواننا في السعودية في أي وقت من الأوقات فجروا مشكلة الحدود، لذلك أعداء الأمة وأعداء العرب والمسلمين يحرصون على بقاء هذه المشكلة باقية لتكون في أيديهم يحركونها متى شاؤوا، والسير في طريق حلها هو خير لنا جميعاً، وإن كنت أنا شخصياً أؤمن بأن بلاد المسلمين واحدة، وأن المعتركات حول الحدود هي قضية متخلفة جداً وكان المفروض أن نتكلم عن كيف نتحد، وكيف نلتقي وكيف نتأخى وكيف نحيي هذه الأمة في عصر أصبحت الكيانات الصغيرة لا تستطيع تقف على قدميها، ولنا عبرة في الاتحاد الأوروبي.
فإذا كانت فرنسا وبريطانيا وألبانيا وإيطاليا وهذه الدول الكبيرة تقول إنها لا تستطيع أن تواجه تحديات العصر وحدها، فإننا أولى بذلك في بلاد العرب والمسلمين، لكن مع ذلك يبقى نزع فتيل الخلاف مطلوباً حتى لا يفجرها الأعداء في أي وقت شاؤوا.
وأما قضية حنيش، فعندما اتخذت الحكومة منهج المفاوضات… الناس سلموا لها أن تسير على هذا المنهج، وإن كنت أنا شخصياً أطالب بالاستعداد …على أي الأحوال نحن نشعر أن جزيرة حنيش كانت أول خطوة للتآمر على الممرات البحرية التي تملكها الأمة العربية، واليهود أعلنوا ذلك، فرئيس الأركان اليهودي يقول: “إننا سنحاصر الدول العربية التي حاصرتنا”.. كيف سيحاصروننا؟
عن طريق التحكم في الممرات المائية، فهم يريدون السيطرة
على باب المندب، لذلك فمازلت أنادي بأننا مع قبولنا للحلول السلمية في قضية حنيش، فإنه يجب أن نكون على استعداد للدفاع عن أنفسنا إذا ما اعتدي علينا، وبخاصة أن سواحلنا مفتوحة ومكشوفة، والأطماع اليهودية معلن عنها.
ما المطلوب من العالم العربي وبخاصة أنه معرض للحصار وليس اليمن وحده؟
مطلوب من العرب أن يفيقوا، ويعلموا أن الكائنات الصغيرة لا تسمن ولا تغني من جوع، وأن بقاءهم على هذه الأوضاع هو إبقاء قابليتهم للاستعمار في أي وقت، ولتحكم الأجنبي بهم في أي لحظة، وأنه لا نجاة لهم إلا بشيء من الوحدة، لكن ونحن نتكلم هذا الكلام لابد من تبيين المسألة، لماذا نجح الأوروبيون في اتحادهم بينما نحن لم ننجح، نحن نريد وحدة %١٠٠ ولذلك تصطدم فوراً بمصالح الأشخاص والهيئات والفئات وأصحاب الرأي والقيادات، بينما الأوروبيون يسيرون نحو الوحدة خطوة خطوة، يراعون مصالح كل دولة، يراعون ارتباطات والتزامات كل دولة يراعون نظام كل دولة، فماذا يحدث لو سرنا في هذا الطريق وخطونا بمثل هذه الخطوات نقبل ما يمكن، والذي نختلف عليه نؤجله وتبحثه لجان مختصة وبحثاً كافياً يتناول كل التفاصيل.
مخاطر التطبيع مع العدو الصهيوني.. ماهي؟
التطبيع هو الاستسلام، واحد احتل أرضك وأخرجك من بيتك وذبح ابنك وطردك إلى العراء وقال عن بقية الأرض التي تجلس عليها إنها من حقي وسآتي لها، ونقول تطبيع يعني تسليم ورضا بهذا العدوان، هل كفت “إسرائيل” التحدث عن “إسرائيل” الكبرى التي تضم سبع دول عربية بجوار فلسطين. “إسرائيل” الكبرى عندهم من النيل إلى الفرات وهي تشمل الكويت بأكملها، ونصف العراق وسورية بأكملها والأردن ولبنان بأكملهم، وثلث السعودية ونصف مصر، فهم يقولون إننا سنأخذ فلسطين والباقي سنأتي له، فأي تطبيع! يعني استسلام، ولا يمكن أن يقبل العرب هذا المنطق، لا بد أن تستيقظ الشعوب، وإن كانوا في حالة من الضعف تجعلهم ينهزمون ويستسلمون، لكن المنطق مرفوض، انظر ماذا يفعل نتنياهو… تتفق معه على قواعد سلام مجحفة ومضرة بنا إضراراً بالغاً، ثم في النهاية يقول نحن لا نلتزم بمثل هذه القواعد (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) (البقرة:100) هذه الآية نزلت وها هي تتحقق… هؤلاء اليهود لا يثبتون على عهد ولا يبقون عليه.
أشد الناس اندفاعاً معهم وراء التطبيع، هم الآن أشد الناس استنكاراً لتخلي اليهود عن هذه العهود، ومفاجأة بذلك… إن كنتم تنطلقون من دينكم اسمع قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلوهم)، وما أظنها إلى الآن قد قربت وأنهم يستثيرون في كل مسلم كل مشاعر.
فالآن يخططون لهدم المسجد الأقصى، ويقولون عندنا علامة على أن المسجد الأقصى سيهدم وسيقام مكانه الهيكل، وأن علامة هذا الهيكل عندما تولد بقرة حمراء، وأنها قد ولدت الآن، وعندما يبلغ عمرها عامين ونصف، عند ذلك سيقام الهيكل يعني باقي لكم يا عرب كم؟ هم الآن يسيرون في الطريق لهدم الأقصى، بل يقولون لماذا أنتم غاضبون نحن سنأتي لكم بالحجارة كما هي وأنتم تقيمون بناء المسجد في أي بلاد أخرى! ماذا تتوقع من ردود الأفعال عند المسلمين؟