استوقفني تصريح صحفي أدلى به أحد كبار التجار في الكويت والخليج، الذي تعود إليه ملكية وكالة بعض الشركات العالمية، ومنها شركة تفخر بدعمها الكامل للكيان الصهيوني وعصاباته في حربهم الهمجية ضد شعب غزة الأعزل.
فبعد مرور 6 أشهر على ملحمة «طوفان الأقصى»، وما تلاها من انتقام صهيوني جبان ذهب ضحيته عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ، وشهد العالم في أثناء ذلك تمايزاً واصطفافاً بين فريقين؛ فريق ينصر الحق، وينشد العدل، ويدافع عن المظلوم، وفريق يدعم العدوان، ويزين الباطل، ويقف في صف الظالم، توقعنا –بعد كل هذه الأحداث المؤلمة- أن يعلن الوكيل المحلي في تصريحه فك الارتباط التجاري مع الشركة الأم الداعمة لجرائم الاحتلال الصهيوني، أو على الأقل تجميد التعامل معهم، ولكنه –للأسف الشديد– خالف سقف التوقعات المرتفع، وأعلن في تصريحه عن تعاطفه مع جميع «المتضررين»! والتبرع لمؤسسة تدّعي الحياد بمبلغ من المال!
هذا الموقف الخجول جاء بعد حملة المقاطعة العالمية التي شارك فيها الكبار والصغار حول العالم، وتبنّاها المسلمون وغيرهم من الأحرار الذين يرفضون الظلم والعدوان للشركات الداعمة لجرائم الصهاينة، تلك الحملة التي أضحت سلاحاً يرعب المحتل وداعميه من عبدة المال والمادة، وساهمت في إحياء الشعور بالقدرة على الإضرار بالمحتل وأعوانه في نفوس المسلمين التوّاقة لنصرة إخوانهم، خصوصاً بعد الخسائر الفادحة التي مُنِيَت بها تلك الشركات، وكان من الحَريّ بالوكلاء المحليين لهذه الشركات أن يضربوا بِسَهْمٍ في هذا الميدان من ميادين النصرة، ولكن أنّى لهم ذلك إذا كان التفكير فيهَمُّ الربح المادي، وتعظيم رؤوس الأموال، وخشية كساد التجارة، هو المسيطر على تفكيرهم، والمحرك لكل أعمالهم وأقوالهم.
لقد سلّطت الشريعة الإسلامية الغرّاء الضوء على مفهوم التجارة الرابحة، فقال الله عز وجل داعياً عباده إليها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ {10} تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (الصف)، وفي المقابل حذر الله تبارك وتعالى من التجارة الخاسرة فقال: (أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ) (البقرة: 16)، فالتجارة الرابحة ليست تلك التي تُدِرُّ الأموال الطائلة على أصحابها، وتزيد من أرصدتهم البنكية، بل هي المتمثلة في الإيمان الراسخ، والتضحية بالمال والنفس، واستحباب الهدى على الضلالة.
صهيب الرومي رضي الله عنه عرف معنى التجارة الرابحة، فهاجر إلى الله ورسوله، وضحّى في سبيل ذلك بكل أمواله التي جمعها في مكة، فاستقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة قائلاً: «رَبِحَ البيع أبا يحيى»، اشترى صهيب الإيمان والهدى والجهاد والهجرة، فبارك الله بيعه، وبشّره الذي لا ينطق عن الهوى بربح تجارته، فهل يتخذ أهل الدثور من تجار المسلمين في زماننا اليوم أسوة لهم من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، فيبادروا إلى التجارة الرابحة، ويشتروا نصرة إخوانهم المسلمين، والتضحية من أجل دينهم، ويرفعوا لواء مقاطعة الشركات العالمية الداعمة للكيان الصهيوني، أم تستحوذ عليهم مطامع الدنيا، وتقيّدهم مفاتنها، فيستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟
إن من ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه، ومن قاطع شركات الكيان وصله الواحد الديّان، وهذا ميدان النصرة سبق فيه طلّاب الأجور، فهل يلحق بهم أهل الدثور؟