كان السلف الصالح يخافون من سوء الخاتمة أشد الخوف، قال البخاري في صحيحه: قال ابن أبي مُلَيْكة: أدركتُ ثلاثين من الصحابة كلهم يخافُ النفاقَ على نفسه.
وقال ابن رجب: وكان سفيان الثوري يشتدُّ قلقه من السوابق والخواتم، فكان يبكي ويقول: أخافُ أن أكون في أمِّ الكتاب شقيًّا، ويبكي ويقول: أخافُ أن أُسلَبَ الإيمان عند الموت.
وقال بعض السلف: ما أبكى العيون ما أبكاها الكتابُ السابق، وقد قيل: إن قلوب الأبرار مُعلَّقةٌ بالخواتيم يقولون: ماذا يُختَم لنا؟! وقلوب المُقرَّبين مُعلَّقةٌ بالسوابق يقولون: ماذا سبق لنا؟!
وأسبابُ سوء الخاتمة كثيرة؛ منها:
1- ترك الفرائض وارتكاب المُحرَّمات:
إن الذنوب ربما غلبَت على الإنسان واستولَت على قلبه بحبِّها، فيأتي الموتُ وهو مُصِرٌّ على المعصية، فيستولي عليه الشيطان عند الموت، وهو في حالة ضعفٍ ودهشةٍ وحيرة، فينطِقُ بما ألِفَه وغلَبَ على حاله، فيُختَم له بسوء الخاتمة، قال الله تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) (إبراهيم: 27).
2- اتباع البدع:
البدعة شُؤمٌ وشرٌّ على صاحبها، وهي أعظم من الكبائر، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يرِدُ عليَّ أناسٌ من أمتي الحوض، أعرفهم فتطردهم الملائكة وتقول: إنك لا تدري ما أحدَثوا بعدك، فأقول: سُحقًا سُحقًا لمن غيَّر بعدي»(1).
3- الظلم:
إن من أسباب سوء الخاتمة ظلم الناس، والعدوان عليهم في الدم أو المال أو العِرض أو الأرض، وظل النفس بنوعٍ من أنواع الشرك بالله تعالى، قال الله عز وجل: (إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (الأنعام: 21)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشُّحَ؛ فإنه أَهْلَكَ من كان قبلكم»(2).
4- ترك الصدقة والدعاء:
من أسبابها الزهد في بذل المعروف، وعدم نفع المسلمين، والزهد في الدعاء، فلم يطلب الخير، قال الله تعالى: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) (التوبة: 67)، وقال تعالى: (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ) (الأحزاب: 19).
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتدرون من المفلس؟»، قالوا: المفلس فينا من لا دِرْهَمَ له ولا متاع، فقال: «إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وَقَذَفَ هذا، وأكل مال هذا، وسَفَكَ دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطُرِحَتْ عليه، ثم طرح في النار»(3).
5- الرُّكون إلى الدنيا وشهواتها وزُخرفها، وعدم المُبالاة بالآخرة:
إن تقديم محبة الدنيا على محبة الآخرة سبب في سوء الخاتمة، قال الله تعالى: (إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ {7} أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) (يونس).
6- أمراض القلوب:
إن الكبر، والحسد، والحِقد، والغِلّ، والعُجب، واحتقار الناس، والغدر، والخيانة، والمكر، والخِداع، والغِش، وبُغض ما يُحبُّ اللهُ، وحبِّ ما يُبغِضُ اللهُ، كل ذلك من أسباب سوء الخاتمة، قال الله تعالى: (وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ {87} يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ {88} إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشعراء).
7- عُقوق الوالدَين وعُقوق الأبناء:
إن عقوق الوالدين من الفساد العظيم الذي يستوجب الطرد من رحمة الله تعالى، قال الله تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ {22} أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) (محمد)، وعلى الطرف الثاني فإن الوصية الظالمة المخالفة للشرع الحنيف في تقسيم الإرث قبل الوفاة هي من عدم تقوى الله عز وجل، قال الله تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) (البقرة: 281).
____________________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه مسلم.
(3) رواه مسلم.