لا تقف العبادة عند الصلاة والزكاة والصيام والحج، فهي أعمدة البناء الإسلامي وأركانه، وهي الشعائر الكبرى فيه، لكن الله تعالى بيّن لنا العديد من العبادات الأخرى التي نتقرب بها إليه تعالى وندرك بها ثوابه وجنته، وقد فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم، وحث عليها، ومن هذه العبادات «جبر الخواطر»، ولهذه العبادة فوائد مهمة في حياة الفرد والمجتمع، منها:
أولاً: التقرب إلى الله تعالى:
إن الله تعالى يجبر خواطر عباده، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على جبر الخواطر، وفي هذا دليل على كونها عبادة عظيمة، بل قد صرح بذلك سفيان الثوري في قوله: ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم(1).
ثانياً: النجاة من الأخطار:
في صحيح الجامع عن أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صنائعُ المعروفِ تقي مصارعَ السوءِ والآفاتِ والهلكاتِ»، ومما هو معروف في ذلك قولهم: من سار بين الناس جابراً للخواطر أنقذه الله من جوف المخاطر(2).
ثالثاً: تحقيق محبة الله:
تسهم عبادة جبر الخواطر في تحقيق محبة الله سبحانه وتعالى، ويدل على ذلك ما ثبت في صحيح الترغيب والترهيب عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعاً..».
رابعاً: محبة الناس:
كان عطاء بن أبي رباح قد اشتهر بمحبة الناس له، ولما سئل في ذلك قال: إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحَدِّثُنِي بِالْحَدِيثِ فَأَنْصِتُ لَهُ كَأَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ قَطُّ وَقَدْ سَمِعْتُهُ قَبْلَ أن يولد(3)، إن حسن أدبه وجبره لخواطر المتحدثين حوله قد أدت إلى محبته بينهم، فما بالنا بمن يجبر خاطر الوالدين والزوجة والأولاد وذوي الأرحام، إن ذلك يدفع إلى محبتهم وتوثيق الصلة بهم.
خامساً: تيسير الأمور:
في صحيح مسلم عن أَبي هريرة أن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ نَفَّس عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبةً منْ كُرب الدُّنْيا نفَّس اللَّه عنْه كُرْبةً منْ كُرَب يومِ الْقِيامَةِ، ومَنْ يسَّرَ عَلَى مُعْسرٍ يسَّرَ اللَّه عليْهِ في الدُّنْيَا والآخِرةِ، ومَنْ سَتَر مُسْلِمًا سَترهُ اللَّه فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، واللَّه فِي عَوْنِ العبْدِ مَا كانَ العبْدُ في عَوْن أَخيهِ».
سادساً: المواساة عند فقد الأحبة:
إن هذا من فوائد جبر الخاطر، حيث يسارع الناس إلى تعزية المصاب من أجل تخفيف المصيبة عنه وتيسير أموره، ولهذا كان للتعزية أجر عظيم، فقد روى البيهقي وابن ماجه بإسنادٍ حسنٍ عن عَمرو بنِ حزم عن النبي صلَّى الله عليه وسلم قال: «ما مِن مسلمٍ يُعَزِّي أخاه المؤمن بمصيبةٍ إلاَّ كَساه اللهُ عَزَّ وجلَّ من حُلَل الكرامة يومَ القيامة».
سابعاً: نشر ثقافة الاعتذار وقبوله بين الناس:
إن من أخطأ في حق أحد، فلا بد أن يعتذر إليه؛ جبراً لخاطره، ومن اعتذر إلى أحد بسبب خطأ وقع فيه، فعلى الآخر أن يقبل عذره؛ جبراً لخاطره، ولا يرفضه أبداً، فقد حذّر الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك، فقد روى الطبراني عن جابر بن عبدالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من اعتُذِر إليه فلم يقبل، لم يرد على الحوض»، وقال ابن القيم: من أساء إليك ثمّ جاء يعتذر من إساءته، فإنّ التّواضع يوجب عليك قبول معذرته، حقًّا كانت أو باطلًا، وتَكِلُ سريرتَه إلى الله تعالى، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين الذين تخلَّفوا عنه في الغزو، فلمّا قدم جاؤوه يعتذرون إليه، فقبلَ أعذارهم، ووَكَلَ سرائرَهم إلى الله تعالى(4).
ثامناً: قضاء حوائج الناس:
إن الحرص على جبر الخواطر يسهم في سعي المسلم إلى قضاء حوائج الناس، من أجل الفوز بثواب هذه العبادة، ولهذا الأمر أثره في تيسير أمور الناس وقضاء حوائج المحتاجين، ويدل على ذلك ما أخرجه النسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي له الحاجة.
وقال قال حكيم بن حزام: ما أصبحت يوماً وببابي طالب حاجة إلا علمت أنها من منن الله تعالى عليَّ، وما أصبحت يوماً وليس ببابي طالب حاجة إلا علمت أنها من المصائب التي أسأل الله الأجر عليها(5).
إن عبادة جبر الخواطر تسهم في حسن صلة العبد بربه، حيث يحقق من خلالها عبادة لله تعالى وعملاً من الأعمال التي يحبها الله تبارك وتعالى، كما تسهم عبادة جبر الخواطر في تطمين القلب وهدوء النفس، بالإضافة إلى دور هذه العبادة العظيمة في تحسين العلاقات بين الناس، وإشاعة المودة والمحبة والتكافل الاجتماعي فيما بينهم، ساعين إلى تحقيق الصورة الكاملة التي صور النبي صلى الله عليه وسلم بها حال المجتمع المسلم، ففي صحيح البخاري ومسلم عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «تَرَى الْمُؤْمِنِينَ: فِي تَرَاحُمِهِمْ، وَتَوَادِّهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا، تَدَاعَى لَهُ سائر جسده بالسهر والحمى».
__________________________
(1) العقد الثمين من الحكمة والوعظ المبين: وفاء داري، ص 283.
(2) المرجع السابق.
(3) تاريخ دمشق: ابن عساكر (5/ 66).
(4) مدارج السالكين: ابن القيم، (3/ 81).
(5) تاريخ دمشق: ابن عساكر (15/ 125).