من رحمة الله بهذه الأمة وبالعالم أجمع أن هناك فترات من الوهن تمر بها ثم سرعان ما تعود بفضل الله أولاً، ثم بفضل طائفة منها يعملون على إيقاظها وسرعة عودتها إلى الدرب الذي ارتضاه الله عز وجل لها.
ولقد ذكر الله عز وجل في كتابه العزيز أن الوهن لا يجب أن يؤثر سلباً على نفوس العاملين على دعوة الشعوب لدين ربهم، فقال تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) (آل عمران: 146)، وقال تعالى محذراً من التهاون أو اللين في مقابلة العداء مهما كان العنت والخسائر الظاهرة في قتالهم: (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) (النساء: 104).
وأما وسائل الخلاص من الوهن، هي:
– التربية:
عوامل كثيرة أثرت سلباً في تربية الفرد على أساس متين كي يصلح لإيقاظ الأمة، منها عوامل تتعلق بالأسرة وغياب الدور الكامل للأبوين بسبب الظروف الاقتصادية المحيطة بها وحملات تغييبها إعلامياً وفنياً، علاوة على الضغوط العالمية للعولمة وتفريغ الأسرة من دورها المنوط بها، وعوامل أخرى تتعلق بالمؤسسات التربوية والتعليمية وما طالها من تفريغ للمناهج بما تسبب من تسطيح للفكر والأهداف العليا للفرد المسلم لأسباب قد تكون اجتماعية وقد تكون سياسية من ناحية أخرى.
وتربية الأمة تعتمد اعتماداً كلياً على إعداد الفرد المسلم القادر على صنع الأحداث بما يتوافق مع مصالحه ومصالح مجتمعه الدنيوية والأخروية، فخلاص الأمة من أمراضها يعتمد كلياً على تخليص الفرد من جملة تلك الأمراض التي هي اختصاراً «الوهن».
ومن هنا نرى أن التربية لها رافدان أساسيان تنبني عليها للوصول لصيغة تربوية ملائمة لإعداد الفرد: أولهما الأسرة، وثانيهما المؤسسات المهتمة بالعملية التربوية.
والاهتمام بالأسرة يبدأ باختيار الزوجين أحدهما للآخر في إطار ما حدده الشرع، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك» (رواه البخاري، ومسلم)، وعن أبي حاتم المزني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد».
ومن الإشكاليات الأسرية في عصرنا هذا ضعف شعور الوالدين بالمسؤولية التربوية لأبنائهما في حق المجتمع والأمة فتغيب القدوة ويفقد الأبناء الاهتمام الملائم.
وعلى المستوى العام نجد أن مؤسسات التربية كالمدرسة والمسجد والإعلام والمجتمع قد غيبت أدوارها التربوية بفعل فاعل؛ مما أثر بشكل مباشر على المنتج التربوي واختلاط المفاهيم لدى الأجيال الناشئة.
ويكمن الحل هنا أن تكون هناك إرادة مجتمعية لإيجاد حلول ومواجهة ما يسمى بالعولمة التي تتحكم بوسائل الإعلام والقوى الناعمة المسلطة على عقول أبنائنا، وتقديم بدائل نابعة من معتقداتنا وسلوكيات ديننا.
– الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
تنحصر خيرية الأمة في شرط حدده الله عز وجل في كتابه، ولن تنال تلك الخيرية إلا من خلال تفعيل ذلك الشرط وهو المتمثل في قوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) (آل عمران: 110)، وكما عبر عنها ربعي بن عامر: «إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله»، فتلك اختصار للوظيفة الحضارية للأمة تجاه العالمين، ولهذا خلقها الله سبحانه، ولذلك أنزل رسالته واختار هذه الأمة المحمدية لتبليغ الرسالة، ومن أهم وسائل الخلاص من الوهن هو العودة بالأمة إلى مسارها الصحيح بتبليغ رسالة رب العالمين.
– التعليم:
والتعليم عكس الجهل، والأمم لا تقام على الجهل والتخلف، وتتضح أهمية التعليم بعد أول مواجهة عسكرية بين معسكر الإيمان ومعسكر الكفر، فكان فداء أسير المشركين أن يعلم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة، وتلك تضحية من القيادة المسلمة بالمال الذي كانت تحتاج إليه في ذلك الوقت بعد أن خسر المسلمون بيوتهم وأموالهم وتجارتهم بالمال الذي يمكن أن يفتدي به الأسير نفسه في سبيل تعليم الصف المسلم المنوط به تحرير العالم من جهالته.
فالمتعلم يدرك طبيعة مهمته التي خلق من أجلها، وهو الذي يدرك المنهاج الذي يمكن أن يقدمه للعالم بإخراجه من الحضارة المادية التي تسببت في شقائه ليخرج لنور الله عز وجل ونقله إلى حضارة العلم والإيمان.
كذلك العلم هو الذي يوظف المادة لصالح البشر، ويوفر حياة اقتصادية كريمة، والعلم هو الاستماع لقول الله تعلى في توجيهاته الكثيرة بالبحث والتفكر والاكتشاف ودراسة التاريخ للتعلم والوصول لأفضل سبل الحياة لضمان سعادة الإنسان في الدارين.
والعلماء لم يورثوا أموالاً، ولا عقارات، وإنما ورثوا العلم، كما أن الإسلام جعل لطالب العلم مكانة علية بين الناس وجعله من أفضل العبادات، فعن أي الدرداء قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من سلك طريقًا يطلبُ فيه علمًا، سلك اللهُ به طريقًا من طرقِ الجنةِ، وإنَّ الملائكةَ لتضعُ أجنحتَها رضًا لطالبِ العِلمِ، وإنَّ العالِمَ ليستغفرُ له من في السماواتِ ومن في الأرضِ، والحيتانُ في جوفِ الماءِ، وإنَّ فضلَ العالمِ على العابدِ كفضلِ القمرِ ليلةَ البدرِ على سائرِ الكواكبِ، وإنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ، وإنَّ الأنبياءَ لم يُورِّثُوا دينارًا ولا درهمًا، ورَّثُوا العِلمَ فمن أخذَه أخذ بحظٍّ وافرٍ» (أخرجه أبو داود).