مع بداية العام الدراسي الجديد، يتبادر إلى أذهاننا دائماً السؤال حول كيفية قياس نجاح أبنائنا في المدرسة، وهل تعتبر المدرسة وحدها معيارًا للتميز والنجاح؟ أتذكر حين كنت في المرحلة الابتدائية، كنت من الطلاب المتميزين كما هي حال معظم الأطفال في هذه المرحلة، ولكن مع الانتقال إلى المرحلة المتوسطة، تبدأ الفروق الأكاديمية في الظهور، وحين يواجه الطالب تدنيًا في أدائه قد يبدأ بالتشكيك في قدراته وثقته بنفسه، لكن هل المدرسة وحدها هي المعيار الحقيقي للذكاء أو النجاح الذي يمكننا من خلاله أن نفخر بأبنائنا؟
أهمية التعليم ودوره في تحديد الميول
التعليم بلا شك مهم، فهو يزود الأطفال بالأساسيات اللازمة للتعلم، ويفتح أمامهم مجالات مختلفة تساعدهم على اكتشاف ميولهم المستقبلية، على سبيل المثال؛ الطفل الذي لا يحب مادة الأحياء من غير المرجح أن يختار الطب، بينما الذي يجد متعة في دراسة الفيزياء قد يجد في الهندسة مجالًا مناسبًا له، ومع ذلك، من الخطأ أن نعتبر المدرسة المعيار الوحيد الذي نقيس به نجاح أبنائنا، خاصة في مجتمعاتنا العربية حيث يعتمد التعليم غالبًا على الحفظ أكثر من الفهم والتحليل، فالتعليم الذي يركز على الحفظ فقط يفتقر إلى تطبيقات الحياة العملية، وهذا يعوق تطور القدرات العقلية.
الذكاء بأنواعه المتعددة
هناك أنواع عديدة من الذكاء لا تقيسها الامتحانات التقليدية، فالذكاء اللغوي يظهر في قدرة الشخص على تركيب الكلمات، والكتابة الإبداعية، أما الذكاء الحركي فيبرز في المهارات البدنية الدقيقة، مثلما نرى في لاعب كرة القدم الشهير ليونيل ميسي، لا يمكن تقييم عبقرية مثل ميسي من خلال الاختبارات الدراسية التقليدية؛ ما يوضح أن قياس ذكاء الأطفال وقدراتهم يجب أن يكون شاملاً ومتعدد الجوانب.
القيم الأخلاقية مقابل التحصيل الأكاديمي
في مجتمعاتنا، تختلف مقاييس النجاح مقارنة بالدول الغربية، حيث تُعتبر القيم والأخلاق والدين أهم من الشهادات الأكاديمية، فلو خُيرنا بين أن يكون أبناؤنا ذوي أخلاق عالية ودين قوي، وأن يكونوا علماء ذوي مناصب لكنهم يفتقرون للأخلاق، لا شك أن الخيار الأول هو الأنسب، للأسف، نرى بعض الآباء يركزون بشكل مفرط على التحصيل الأكاديمي، فيعاقبون أبناءهم لعدم تحقيق درجات عالية، بينما يتغاضون عن السلوكيات الخاطئة أو المشكلات الأخلاقية؛ مما يرسخ في أذهان الأبناء أن النجاح الدنيوي أكثر أهمية من القيم الأخروية.
التوازن بين العلم والقيم
يقول الله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) (البقرة: 143)، وهذه الوسطية يجب أن تكون في كل جوانب حياتنا، بما في ذلك تعليم أبنائنا، يجب أن نعلمهم أن العلم مهم، لكنه ليس الهدف الوحيد في الحياة، النجاح الحقيقي يكمن في تحقيق التوازن بين العلم والدين، وبين الاجتهاد الأكاديمي والسعي الأخلاقي، فكل فرد ميسر لما خُلق له، والاجتهاد هو المطلوب، لكن النتائج دائمًا بيد الله.
علينا أن نحرص على تربية أبنائنا على أسس متوازنة تشمل العلم والأخلاق، ونعلمهم أن النجاح لا يُقاس بالشهادات فقط، بل بالأثر الذي يتركونه في مجتمعهم وحياتهم الروحية.