يبدو أن حزب الجماعة الإسلامية في بنغلاديش (الإخوان المسلمون) قرر دخول المعترك السياسي من أوسع أبواب المشاركة في الحكم؛ بهدف السيطرة على التشريع في البرلمان، ونزع الهوية العلمانية التي فرضها حزب «عوامي» الحاكم سابقاً طوال 17 عاماً.
الجماعة الإسلامية، التي كانت تعد ثالث قوة سياسية في البلاد، بعد حزب «رابطة عوامي» العلماني الحاكم، الذي انهار وهربت قائدته حسينة واجد للهند، و«الحزب الوطني البنغالي» بزعامة خالدة ضياء، باتت تتطلع على ما يبدو لتصبح القوة السياسية الأولى في البلاد، مستفيدة من تغير الأوضاع السياسية بعد ربيع بنغلاديش.
ففي ظل الفراغ الذي تواجهه بنجلاديش في السلطة، وانهيار الحزب الحاكم، تقف البلاد عند منعطف حرج، ومنافسة في الانتخابات المقبلة بين الجماعة الإسلامية، والحزب الوطني، ولا يُعرف هل سيتم السماح لحزب «عوامي» بالمشاركة فيها أم لا.
الجماعة والبرلمان
جاء إعلان الجماعة الإسلامية البنغالية، على لسان محمد سالم الدين، عضو المجلس التنفيذي المركزي للجماعة، أنهم يستعدون لتقديم مرشحين لشغل 300 مقعد في الانتخابات العامة المقبلة في بنغلاديش، مؤشراً على سعي الجماعة للهيمنة على البرلمان، حيث يضم البرلمان 300 مقعد.
ولكن، لماذا تسعى الجماعة للهيمنة على البرلمان والحصول على المركز الأول فيه؟ محللون يطرحون عدة أسباب، منها حق الجماعة في حصد نتائج جهدها مع طلاب وشباب بنغلاديش للإطاحة بحكم الدكتاتورة حسينة.
ومنها خلو الساحة بعد الربيع البنغالي من الحزب الحاكم وزيادة شعبية الجماعة ومن ثم رغبتها في السيطرة على التشريع في البرلمان لضمان صدور قوانين إسلامية.
لكن تقارير بنغالية ترى أن الهدف هو انتزاع الهوية العلمانية التي سعى حزب عوامي لفرضها على البلد ذي الأغلبية المسلمة؛ حيث تعطي الجماعة أهمية كبيرة لنزع ثوب العلمانية الذي سعى حزب عوامي لإلباسه لبنغلاديش وبسببه قتل وأعدم عدة علماء من الجماعة الإسلامية.
وضمن هذا، طالبت الجماعة الإسلامية، في 22 سبتمبر الجاري، بضم اثنين على الأقل من العلماء الدينيين البارزين إلى «اللجنة الوطنية لمراجعة الكتب المدرسية»، التي شكلتها وزارة التعليم لمحو ما تم حشو مناهج التعليم له من تعاليم علمانية.
قالت الجماعة، في بيان: لقد أدرجت الحكومة السابقة المناهضة للإسلام العديد من العناصر الثقافية المعادية لدين الله في الكتب المدرسية خلال حكمها الذي دام ما يقرب من 17 عامًا، وهو أمر غير مقبول بأي حال من الأحوال لشعب بنجلاديش، وأكد أن العديد من القضايا المناهضة للمسلمين والمناهضة للإلحاد قد تم تضمينها في الكتاب المدرسي الوطني كجزء من مؤامرة بعيدة المدى.
وفي أعقاب الانتخابات العامة لعام 2024م في بنغلاديش، فازت رابطة عوامي بـ224 مقعدًا من أصل 300 مقعد تم التنافس عليها في الانتخابات، وتم تخصيص 48 مقعدًا من أصل 50 مقعدًا مخصصة للنساء؛ مما منحها أكثر من ثلاثة أرباع المقاعد في البرلمان الذي يسمى «جاتيا سانجساد».
ومن بين المقاعد الـ76 المتبقية التي تم التنافس عليها في الانتخابات، فاز 62 مرشحًا مستقلًا، على الرغم من أن غالبية هؤلاء كانوا تابعين لرابطة عوامي وخاضوا الانتخابات بشكل مستقل في محاولة لإضفاء الشرعية على فوز رابطة عوامي وإعطاء الانطباع بانتخابات حرة ونزيهة.
لذا، قالت العديد من الحكومات الغربية والمراقبين الديمقراطيين: إن الانتخابات لم تكن حرة ولا نزيهة، حيث قاطع حزب المعارضة الرئيس (الوطني البنغالي)، الانتخابات؛ لذا وصفت بنغلاديش بأنها دولة الحزب الواحد.
وحظر حزب عوامي الحاكم العلماني، الجماعة الإسلامية، التي لديها ملايين المؤيدين، ومنعها في عام 2013م من خوض الانتخابات بحكم أصدره قضاة المحكمة العليا الموالون للسلطة، بزعم أن ميثاقها ينتهك الدستور العلماني للدولة ذات الأغلبية المسلمة التي يبلغ عدد سكانها 170 مليون نسمة.
وفي عام 2013م، منعت لجنة الانتخابات الجماعة الإسلامية من المشاركة في الانتخابات بعد إلغاء تسجيلها، وجاء ذلك بعد أن أنشأت إدارة رابطة عوامي محكمة الجرائم الدولية، التي حاكمت وأدانت العديد من كبار مسؤولي الجماعة الإسلامية بارتكاب جرائم حرب خلال صراع عام 1971م.
وبعد ذلك، تم استبعاد الحزب من المشاركة في انتخابات عامي 2014 و2018م، وفي انتخابات يناير 2024م، التي فازت فيها حسينة بفترة ولاية خامسة في انتخابات مزورة.
لكن بعد استقالة رئيسة الوزراء الشيخة حسينة وهروبها من بنغلاديش، أعلن رئيس بنغلاديش محمد شهاب الدين، في 6 أغسطس الماضي، حل البرلمان، تمهيداً لتشكيل حكومة انتقالية، وفي 28 من ذات الشهر، رفعت الحكومة المؤقتة في بنغلاديش، بقيادة الحائز على جائزة «نوبل للسلام» محمد يونس، الحظر عن حزب الجماعة الإسلامية الذي فرض بموجب قانون مكافحة الإرهاب، وألغت وزارة الداخلية، الحظر الذي فرض في الأيام الأخيرة من حكم رئيسة الوزراء السابقة الشيخة حسينة، الذي بموجبه تم اتهام الجماعة الإسلامية بإثارة الاضطرابات خلال ثورة الربيع البنغالي التي أدت إلى استقالتها، وجاء في إشعار نشرته الجريدة الرسمية للحكومة المؤقتة أنه «لا يوجد دليل محدد على تورط الجماعة والمنظمات التابعة لها في أنشطة إرهابية».
“عوامي” العلماني
وتأسس حزب “رابطة عوامي” أو “الشعب” سنة 1946م كحزب علماني في بنغلاديش، وسعى هذا الحزب منذ صعوده إلى السلطة إلى تبني سياسات معادية للإسلام تستهدف بشكل مباشر الهوية الإسلامية في البلاد.
وتحت قيادة هذا الحزب، شهدت البلاد تغييرات جذرية تهدف إلى تقويض القيم والمبادئ الإسلامية، بما في ذلك إلغاء الرموز الإسلامية من الدستور وتطبيق سياسات علمانية بشكل صارم.
ويرى كثير من البنغاليين أن حزب رابطة عوامي، الذي تأسس عام 1949 في الهند، كان أداة وذراع للهند التي دعمته لتدمير الوحدة الإسلامية مع باكستان، وأنه بقايا للاستعمار والهيمنة البريطانية على المسلمين.
وحرص الغرب على تعزيز وجود حكومة موالية له في بنغلاديش عبر الهند لتلبية هدف تأجيج الخلافات الدينية والطائفية لتعزيز إضعاف المسلمين وتعزيز سيطرتها على المنطقة.
ولهذا الهدف، تم تشكيل “رابطة عوامي”، التي تضم أربعة أحزاب علمانية معارضة للإسلام وقد قادت هذه الرابطة “حسينة واجد” التي انهار حكمها أخيرًا واختارت الهند للهرب إليها.
وخلال حكم هذا الحزب العلماني تم إعدام خمسة من كبار العلماء من حزب الجماعة الإسلامية، شنقا، وتوفي اثنان داخل السجن قبل الحكم بإعدامهم نتيجة المعاملة القاسية لهما.
وخلال فترة حكم حسينة واجد، اعتُقل العديد من أعضاء المعارضة، وقد تم اعتقال جميع الأعضاء البارزين في الجماعة الإسلامية، ووُجهت إليهم تهم ارتكاب جرائم حرب تعود إلى حرب الاستقلال عن باكستان في عام 1971م، هي دعوتهم للوحدة الإسلامية بين بنغلاديش وباكستان.
قلق صهيوني!
وأغضب قيام الجماعة الإسلامية بهذا التحول الإسلامي، بعد الربيع البنغالي، وسعيها لنزع الهوية العلمانية، وإعادة الهوية الإسلامية الأصلية، دولة الاحتلال الصهيوني والهند الهندوسية.
حيث كتب الباحث الهندوسي في العلاقات الدولية راتناديب تشاكرابورتي، في مقال نشرته صحيفة «جيروزاليم بوست» «الإسرائيلية»، في 11 أغسطس الماضي: يزعم أن التطورات في بنغلاديش تهدد بالارتداد عن سنوات من التقدم الاقتصادي وربما دفع البلاد نحو مستقبل أكثر إسلامية! وقال: إن القلق الأكثر إلحاحاً الآن هو من الصعود المحتمل للجماعات الإسلامية إلى السلطة.
وأضاف أن تاريخ الحزب الوطني البنغلاديشي (حزب خالدة ضياء)، خليفة عوامي المحتمل، في التحالف مع الأحزاب الإسلامية، وخاصة الجماعة الإسلامية، يثير مخاوف جدية بشأن التوجه المستقبلي للبلاد.
وزعم الكاتب الهندوسي في الصحيفة «الإسرائيلية» أن الجماعة الإسلامية ببنغلاديش (BJeI) بتنظيمها الشعبي وهدفها المتمثل في أسلمة البلاد، تشكل تهديداً خاصاً للطابع العلماني لبنغلاديش، مؤكداً أن هناك احتمالاً حقيقياً بأن يفوز ائتلاف يقوده الإسلاميون في الانتخابات إذا عقدت في المناخ الحالي.
وأضاف أن التشابك البراغماتي بين الدين والسياسة أدى إلى تآكل الأسس العلمانية للبلاد تدريجياً، وخاصة مع جهود الحزب الوطني في الماضي لدمج الإسلام مع القومية البنغلاديشية.