مثلما حثت الشريعة الإسلامية على حسن الخلق والامتثال به، فقد نهت أيضًا عن سوء الخلق ودعت للابتعاد عنه وعمن يتخلق به.
وكانت رعاية الشرع الحنيف لهذه المسألة كبيرة؛ لذا نجد أن جزاء المسلم صاحب الأخلاق الحميدة في الآخرة والوعد الرباني الذي ينتظره ليس بالقليل مما أعده الله لعباده الذين حسنت أخلاقهم، وعلى النقيض جاء الوعيد الرباني الشديد تجاه كل من ساءت أخلاقه وفسدت، وكل ذلك يبلور الدعامة الأساسية التي قامت عليها بعثة النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
وبالتدقيق والنظر إلى سر نهضة أي أمة أو حضارة فسنجد بلا شك الأخلاق على رأس هرم الأسباب التي تؤدي إلى هذه النهضة الحضارية، والعكس صحيح؛ بحيث إذا بدأت معالم الفساد الأخلاقي بالظهور في أي أمة أو حضارة؛ فإن ذلك يكون إيذانًا ببدء مراحل زوال هذه الأمة أو الحضارة؛ لأن الأمة التي تنهار أخلاقها يوشك أن ينهار كيانها، وذلك مصداقًا لقوله تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) (الإسراء: 16).
وقد فطن الشعراء في كل زمان ومكان هذا المعنى المهم، وهذه القاعدة الطردية بين الأخلاق وبقاء الأمم، فأخذوا يسطرون تلك البديهيات عبر شعرهم، ومن ذلك قول أمير الشعراء أحمد شوقي:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وها هي أهم العواقب التي يمكن أن يتعرض لها المسلم إذا ساءت أخلاقه:
1- ذهاب الحسنات:
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أصحابه ذات يوم فقال: «أتدرون من المفلِسُ؟»، قالوا: المفلِسُ فينا من لا درهمَ له ولا متاعَ، فقال: «إنَّ المفلسَ من أمَّتي، يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مالَ هذا، وسفك دمَ هذا، وضرب هذا، فيُعطَى هذا من حسناتِه وهذا من حسناتِه، فإن فَنِيَتْ حسناتُه قبل أن يقضيَ ما عليه، أخذ من خطاياهم فطُرِحت عليه ثمَّ طُرِح في النَّارِ» (رواه مسلم).
2- استحقاق دخول النار:
عن أبي هريرة قال: قال رجل: يا رسول الله، إن فلانة تذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: «هي في النار»، قال: يا رسول الله، فإن فلانة تذكر قلة صيامها وصدقتها وصلاتها وإنها تصدق بالأثوار من الأقط ولا تؤذي بلسانها جيرانها، قال: «هي في الجنة» (صحيح الترغيب والترهيب).
3- بيئة خصبة للشيطان:
عن سعيد بن الْمُسَيِّب قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس مع أصحابه، وقع رجل بأبي بكر فآذاه فصمت عنه أبو بكر، ثم آذاه الثانية، فصمت عنه أبو بكر، ثم آذاه الثالثة، فانتصر منه أبو بكر (ردَّ عليه)، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انتصر أبو بكر، فقال أبو بكر: أوَجدْتَ عليَّ (أغضِبْتَ عليَّ) يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نزل ملك من السماء يكذبه بما قال لك، فلما انتصرت وقع الشيطان -حضر الشيطان حين ذهب الملك- فلم أكن لأجلس إذ وقع الشيطان» (رواه أبو داود).
4- فساد العمل:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل» (رواه الطبراني).
5- البعد عن النبي يوم القيامة:
عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أحبِّكم إليَّ، وأقربِكم مني مجلسًا يوم القيامة، أحاسنَكم أخلاقًا، وإنَّ أبغضَكم إليَّ، وأبعدكم مني يوم القيامة، الثرثارون والمتشدِّقون والمتفيهقون»، قالوا: يا رسول الله، قد علمنا الثرثارون والمتشدقون، فما المتفيهقون؟ قال: «المتكبِّرون» (رواه الترمذي).