كاتب المدونة: سخاوت الله إياز (*)
كثير من الكُتّاب والمفكّرين يواصلون الكتابة عن حقيقة الغرب ومكائد اليهود والنصارى وفضح نفاقهم وظلمهم وطغيانهم في مجالات السياسة والقتال والحروب، خصوصًا بعد حادثة السّابع من أكتوبر من العام الماضي، حين ارتكب الصهاينة جرائم ضد الإنسانية من قتل وتدمير وتجويع وتهجير للفلسطينيين، ويلومونهم على جرائمهم كما لو أنها حدثت لأول مرة، ويُصرّون على ضرورة تفعيل القوانين الجنائية الدوليّة ضد جرائم الاحتلال، ويطالبونهم بالرحمة والعدل والالتزام بالقيم الإنسانية!
لكن السؤال الذي يجب أن يطرح بالمناسبة: أين الرحمة من الأعداء؟ ومتى كانت الرحمة جزءًا من القوانين الحربية مما سوى الإسلامية منها؟ وهل نجحت مطالبة ما بالرأفة والاسترحام -والحرب مشتعلة بين الجانبين- تاريخياً، فتراجع العدو عن ظلمه وترك خصمه هنيء العيش راغد الحياة وهو في الوقت نفسه يمثل خطراً له ولحياته وشعبه؟!
وعند التأمل في تاريخ العداوة والأعداء، نلاحظ أن أعداء الإسلام والمسلمين لم يختلفوا عن بعضهم بعضاً في جوهرهم، كما نلاحظ أن الحرب بيننا وبينهم استمرّت على مدى القرون منذ فجر الإسلام وستستمرّ إلى يوم القيامة.
وكان الأعداء في الماضي أشد ضراوة، ولكن أحداً من المسلمين لم يقم باستجداء العدالة منهم، ولم يكن لهم يومًا أي أمل في أن يقدموا للمسلمين رحمة أو عدلًا، بل قاموا بالمقاومة والجهاد، فهل عدوّ اليوم كان غيره في الماضي؟ وهل هو أرحم من سابقه؟ وأكثر حباً للإنسان والإنسانية مما كان عليه في الحال حتى نأمل منه الخير؟ وحتى نطالبهم بتطبيق القوانين واحترام الإنسان والإنسانية؟ لماذا الأسف على صنيعهم؟ وأي عدل ننتظره منهم وبيننا عداوة؟ وأي إنصاف نطالبهم به وأي قانون نراجعه خلال هذه المجازر؟ وأي الحُكّام من الغربيين يمكن أن يتوقع منه الخير وأساسهم على الشر؟ وأي مجلس الأمن نرفع إليه القضية وهو نفسه من يتمتع بالأزمة؟!
في الحقيقة، إن موقف الغرب، وموقف اليهود والنصارى من المسلمين والأمة الإسلامية واضح جداً، ولا يحتاج إلى أي تأويل أو شك، فالكفر ملة واحدة، كما أشار إليه الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، وأكدت عليه السُّنة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام.
وبعد كل هذه التوضيحات كيف للمسلم أن يسترحم عدوه المطبوع على الشر والهمجية، وأن ينتظر منه الخير والعدل والنصفة والعطاء ويتأسف على همجيته ويشكو منه عدم قيامهم بتلك الفضائل، ويستخدم كل طاقاته عليه وهو بلاطائل؟!
وبالتالي، لا يتناسب لنا بحال أن نتوقع من أعدائنا خيراً، وأن يعملوا لصالحنا أو أن يرحمونا، فالغرب لن يتوقف عن محاربة المسلمين، ولن يتوقف عن ظلمهم وعن إبادتهم بشكل اجتماعي ما دامت المصلحة في ذلك.
وإن ما يُطرح من قوانين حقوق الإنسان في الغرب ليس سوى وسيلة لتحقيق مصالحهم السياسية والسيطرة على العالم وتغرير الناس ببريق محتواها وشمولية نطاقها لجميع البلاد والعباد، والحق أنها لا تخدم إلا الغرب وحلفاءه في المقام الأول، ولا تعترف عملياً بالحقوق الحقيقية للشعوب المسلمة، فانتظار العدل منها ومن هيئاتها والاستغاثة بالعدالة الغربية واستجداء الرحمة لا يعدو كونه سرابًا وضياعا للوقت وتيئيسا للأمة.
وعليه، فلا ينبغي للكتَّاب والمفكرين تضييع جهودهم في كتابة مثل هذه الكلمات والدراسات التي لن تفيد الأمة، بل على العكس قد تذلهم وتهينهم وتعطي الأعداء فرصة التفوق والتعالي والتأله، وإنما عليهم أن يخاطبوا شعوبهم المسلمة ومجتمعاتهم وينبهوهم على ما وصى به الله ورسوله من الأعمال في مثل هذه الأوضاع الحرجة وحين اندلاع الحروب، وحين العجز والخور، وعندما يثّاقل الناس إلى الأرض ويرضون بالحياة الدنيا، وبيان ما عليهم من المسؤوليات والأعمال التي يجب أن يقوموا بها جميعاً وبشكل انفرادي، وأن ينبهوا الجميع على مكر العدو ومواطن ضعفه بدلاً من أن يكتبوا عن مجازرهم ويطالبوهم بالرحم والحنان والرأفة والألفة، الأمر الذي لم يذكره التاريخ إلا في صفحات الجبناء.
وإذا كنا لِنلوم أحداً فعلينا أن نلوم أنفسنا وليس الأعداء، ومن مبدأ «الحرب بيننا وبينهم سجال» ينبغي أن نغير ما بأنفسنا، كيف كنّا؟ وكيف صِرنا؟
ويجب على الكُتّاب والخطباء والعلماء والحُكّام بصفتهم قادة ودعاة التركيز والإرشاد نحو مسؤوليات الوضع لكل فرد وجماعة، والحل إذاً هو الدعوة إلى المبادئ الإسلامية من مبدأ «أن آخر الأمة لن يصلح إلا بما صلح به أولها»، والدعوة إلى مسؤوليات فردية من الاهتمام بالصلاة والزكاة والدعاء، ومسؤوليات اجتماعية من توحيد الصفوف والتنبيه نحو العدو وفهم مكائده وألعابه، والتقليل من نشر الخلافات بين المسلمين، والإعداد للمقاومة وأهمية الجهاد في سبيل الله، وذكر الأبطال المسلمين ونماذج من شجاعتهم وحميتهم، وانتظار القيادة الصالحة ثم طاعتها بكل إخلاص وتفان وتقوى.
_________________
(*) بكالوريوس في العلوم الإسلامية والمتخصص في الإفتاء بدار العلوم- كراتشي، باكستان.