ومن أبرز الشخصيات اليهودية من الرجال:
عبد الله بن أبي
هذا رأس المنافقين، وهو شخصية قيادية يهودية حاضرة في روايتي “نور الله”، و”على أبواب خيبر”، وإن كان وجودها الفني محدودا إلى حد ما، مع خطورة الدور الذي يقوم به. وتكشف الروايتان عن شخصيته المنافقة والصراع الذي يحركه بين ولائه لليهود، وكراهيته للنبي والمسلمين، بينما يتظاهر بالولاء للإسلام وعبر عن ذلك الصراع الذي يدور بداخله:
“إنه عذاب من نوع غريب لا يستشعره غيري، فبيني وبين نفسي أمقت محمدًا وأحنق على دعوته وانتصاراته، وأمام ابني والناس أظهر الخوف على محمد، وأتظاهر بإسداء النصح له، وتبصير رجاله بما يجب أن يفعلوا، لكم تمنيت أن أجد المناخ المناسب الذي يبدو فيه ظاهري كباطني، وأن أعبر عما يجيش في صدري دون حرج، وأنا بين المقت الخفي والحب الظاهري أقاسي العذاب.. لماذا لا أقف على ملأ من الناس أطلق كلمة الحق التي أعتقدها صريحة مدوية وليكن ما يكون.. وفي المدينة مسلمون وكفرة. ولكل واحد منهم موقف. لا أنكر أيضا أنني أطرب وأسعد للغش والخديعة والتآمر، ولا أنكر أيضا أنني أؤدي دورا كبيرا في سبيل الغاية التي أعمل لها. لكني مع ذلك حزين، وليس مرد حزني إلى ما ينتابني وينتاب حلفائي من فشل.. لكن مرده الحيرة بين الصراحة والجبن، بين الانكشاف والانطواء.. بين الشك واليقين.. وا عذاباه!”. (على أبواب خيبر، ص 93)
الشك واليقين
إنه يظهر غير ما يبطن يمقت محمدا في الخفاء ويظهر حبه في العلن، يطرب لسماع الغش والخديعة والتآمر، يعيش الحيرة بين الصراحة والجبن والشك واليقين، ولاؤه الحقيقي لليهود، ونفاقه لمحمد من أجل اليهود! وعذابه الحقيقي بين ما يظهر وما يبطن.
يتخلف المنافق الأكبر عن الخروج مع المسلمين الذاهبين لمحاربة يهود خيبر ويخذلهم، بحجة أن الرسول اختار للخروج من شهد صلح الحديبية، ولكن زوجه تخبره أنه ينتقي من الكلام ما يوافق هواه ونسي أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- جعل الغنيمة لمن حضر الحديبية وبايع محمدا على الموت، تكريما وتقديرا، الخروج مفتوح للمسلمين جميعا. المنافق يتوقع أن يعود المسلمون من خيبر مهزومين؛ لأن اليهود أعدوا لهم كمينا. بيد أن زوجته تشكك في كلامه، وتتهمه أنه ليس على حق فيهوي على وجهها بصفعة مؤلمة! (السابق، ص 95-97).
المنافق مستمر!
ابن أبيّ يصرّ على حقده ضد الإسلام والمسلمين، وحين تدعو له زوجته بالهداية فإنه يتجهم ويرتجف، ويقول لها:” لا تضرعي من أجلي.. إن دعواتك في الهواء.. إن بيدي مصيري.. أتفهمين؟” (نفسه، ص 99)
ويستمر المنافق في نفاقه، حتى يموت ولا يصلي عليه، وتكون فضحيته أبدية من خلال آيات القرآن الكريم ” وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ. وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ” (التوبة: 84- 85).
كعب بن الأشرف
شاعر يهودي يحقد على المسلمين. لا يخافت بعداوته لمحمد ويسعي إلى التحريض ضده وضد أتباعه، ويذهب إلى قريش والقبائل ويدفعها إلى القتال، ويثير فيهم الأحقاد والأضغان، ويذكرهم بهزائمهم وضرورة الثأر لقتلاهم، وينظم شعرا يهجو فيه محمدا، ويشبب بنساء المسلمين وينال من الدعوة الإسلامية ويلصق بها الشبهات مما أدى إلى إهدار دمه، وبالفعل يلقى مصرعه الذي يمثل ضربة قوية لليهود والمنافقين جميعًا.
لقد أثمرت جهود كعب ودعوته تأليب قريش والقبائل، ونقض يهود بني قريظة لعهودهم وتجييش الجيوش الكافرة للزحف نحو المدينة والقضاء على الإسلام وسحق المسلمين في غزوة الأحزاب، ولكن الله سلم.
الشاعر الصعلوك
يبدو شاعرا صعلوكا لا أسرة له ولا مأوى، ويتنقل بين اليهود وقبائلهم، ويجد لدى اليهودية اللعوب ما يريحه، فيقضي بعض الأوقات لديها، ويسألها الرأي حين تتراكم سحب الهزائم فوق رأسه، ورأس اليهود.
السرد لا يقدم ما وراء شخصية كعب في واقعها الحركي. لا نعلم عنه شيئا في حياته الخاصة أو الاجتماعية غير حضوره في المجتمعات اليهودية، وطرح آرائه، وإلقاء شعره، والتحرك بين القبائل للتحريض والاستنفار. إنه شخصية مسطحة ولكنها مؤثرة بشكل ما في الواقع اليهودي من خلال شعره وتحريضه الذي يناغي وتر التعصب والحقد لدى اليهود.
الحجاج بن علاط
تاجر يهودي يمثل المعارضة من داخل اليهود خوفًا على اليهود من مصيرهم المحتوم الذي صنعه غدرهم وتآمرهم، ويشهد عملية الهزيمة التي حذر منها ويدعو كنانة بن الربيع لمقابلة النبي- صلى الله عليه وسلم- ويذكره بتحريضه ضد المسلمين وإعداده للسلاح وحشد الجند، فتأثر بما يقوله الحجاج، يخرج مطأطئ الرأس مرتاع الفؤاد، ليلقى مصيره جزاء خيانته وغدره!
والحجاج كان شاهدا دائما على غدر اليهود وخيانتهم ونقضهم للعهود والمواثيق وخططهم الشريرة. ويعلن خبر انتصار المسلمين في خيبر للعباس بن عبد المطلب وحده، دون أهل مكة الذين احتال عليهم ليسترد ديونه منهم، ثم يعلن إسلامه ويلحق بالمسلمين في المدينة.
سليمان الحلاق
إذا انتقلنا بعد عصر المبعث أكثر من اثني عشر قرنا، سنجد أن الشخصية اليهودية بملامحها العنصرية وسلوكياتها العدوانية لم تتغير. يحركها الحقد ويحكمها الغدر، ولا تتخلى أبدا عن حب الدنيا والمال، ولو كان الثمن قتل الأبرياء وذبح الشرفاء، فاليهود يقدرون كل شيء بثمن مادي، ولا أثر على كل ما هو معاد للروح والضمير. وزاد زمانهم تعاليم صريحة لأحبار اليهود تحضّهم على مزيد من العنصرية والعدوان والغدر، سجلوها في كتب تُقرأ وتُدرّس وتُعّلم في الكنس والبيوت اليهودية. اشتهر منها التلمود، وبروتوكولات حكماء صهيون.
حارة اليهود
سليمان الحلاق من أبرز شخصيات حارة اليهود، وأكثرها حيوية. وهو صاحب محل حلاقة يتردد عليه كثير من اليهود وغيرهم، وهو ذرب اللسان حلو النكتة، يقلد الأوربيين في طريقة قص الشعر وتنظيم الخصلات وتنسيق السوالف، وهو أيضا مشهور بعملية فصد الدم، ولا يخرج من أي بيت خالي الوفاض، ويؤكد لكل مريض أن فصد الدم ضروري له حتى لوكان مريضا بفقر الدم والهزال!
إنه يحب المال ومنظر الدماء. وبالإضافة إلى ذلك فهو سمح الوجه، باسم دائما لا تشف تعبيرات وجهه عما في داخله (نجيب الكيلاني، حارة اليهود، ص 8)
ولكنه كان يعبر دائما عن كراهيته للأب توما، ويقول: ” إني أكره هذا الرجل كراهية لا مثيل لها.. (حارة اليهود، ص 28) ويردد ذلك أمام أصدقائه اليهود ومراد الفتال وآل هراري والحاخام موسى أبو العافية والحاخام موسى سلانيكي.. ويعلل كراهيته للرجل تعليلا دينيا، لأن اليهود يعدّون المسيحيين وثنيين ولذلك يكرهونهم، ويستبيحون أموالهم ودماءهم، ويضعونهم في مرتبة الحيوانات والبهائم حسب تعاليم التلمود.
الجانب المهني
بيد أن الكراهية الأكبر للأب توما من جانب سليمان تكمن في الجانب المهني فسليمان يزاول الطب والأب توما يمارسه أيضا ولكن بالمجان وعلى أسس علمية وتجربة طويلة. أما سليمان فمجاله محدود وأغلب عمله في مجال فصد الدم، ولا يلجأ أحد إليه ألا عندما يتعذر وجود الأب توما.
“وقد تجرأ سليمان ذات مرة وقال:
– أيها البادري الصالح.. يجب أن تتقاضى أجرا على جهودك الدائبة في الليل والنهار.. الأجر يجعل لعملك معنى وقيمة.. حينما تقدم للناس شيئا بلا ثمن فإنهم يزهدون فيه.. ابتسم الأب توما في رقة وقال:
– أي سليمان لا أريد أجرا، ولا أنشد مجدا بين الناس، إن عيني متجهتان دائما صوب السماء، من أجل المسيح أعمل.. وفي سبيل التعساء من بني البشر أجاهد.. والسعادة التي تتدفق بين حنايا الضلوع هي الثواب الكبير.. إنها نعمة كبرى.. فليبارك الرب مسعانا”. (السابق، 29-30)
لكل شيء ثمن
وكان لهذه الكلمات وقع السهام على قلب سليمان وفسر موقف توما بالبلاهة، لأنه يعتقد أن لكل شيء ثمن في هذه الحياة، ولو لم يكن لكل شيء ثمن لما وجد الملايين الرغيف! والعمل الشريف وحده لا يستطيع أن يصعد بالإنسان إلى قمة المجد، لا بد إذا من الوثب.. لابد من الكذب والممالأة والنفاق والسرقة بل القتل في بعض الأحيان، ويستشهد بأوربة وكيف حكمت العالم وسيطرت عليه.. لابد من الخوض في دماء البشر وجثث الضحايا.. (السابق أيضا، ص 30-31)
سليمان يقوم بأمر من دواد هراري بذبح البادري توما وتقطيع أوصاله لتلقى في المجاري. وإذا كان قد أبدى شيئا من التردد والخوف عند عملية الذبح فقد أتمه، وقام بتقطيع الجثة، وحصل على مكافأته. وبعد أن قبض عليه لم يتردد في الاعتراف بماجري مقابل الإفراج عنه ونجاته من الإعدام.
داود هراري
من أسرة هراري المعروفة في دمشق. وهي أسرة ثرية ثراؤها فاحش ولها تجارات واسعة وصيت ذائع، وداود هراري معروف لدى العامة والخاصة، ونساء الأسرة مثل نساء اليهود في دمشق لا يكترثن كثيرا بالآداب المرعية، ولذا تجذب حارة اليهود عشرات الشبان الشوام الذين يصبون في آذان النسوة كلمات الإطراء والثناء على جمالهن.
وداود شخصية مرموقة لها بطش ونفوذ، وهو متدين بمقاييس حاخامات الدين اليهودي، ويحافظ على الصلاة ويهتم بالشعائر ويظهر احتراما وتقديرا بالغين نحو الحاخامات، وأسهم في ترميم المعبد اليهودي ودهانه بالألوان الزاهية. ويملك حاسة تجارية لا تخيب ويحتكر البضائع لبيعها في السوق السوداء بأعلى سعر. وله روابط مع رجال القنصليات والحكام، ويستطيع بالمال أن يحصل على ما يستعصي عليه بالقانون وهو مستبد في أسرته، ولكن زوجته الجميلة كاميليا تضيق بنظامه الآلي الصارم وتشمئز منه، وكانت صغيرة السن بالنسبة له فهي في الثلاثين وهو في الخامسة والخمسين، فأنشأت علاقة سرية مريبة بخادم الأسرة مراد الذي هو محل ثقة داود وخادمه المخلص.
نوع من البذور
مراد يحب خادمة اسمها أستير تخدم أسرة هراري وهي في التاسعة عشرة، وتغار منها كاميليا زوجة داود وتحقد عليها، وهمت بطردها أكثر من مرة لأنها تقف عقبة في طريق علاقتها المريبة مع مراد.
يعتزم داود السفر إلى بيروت من أجل نوع من البذور يعيد الشباب ويحسن علاقته الحميمة مع كاميليا، ويخبرها إنه لن يردّ إليه قوته ويرضي ربه إلا الفطير المقدس؛ فطير عيد الفصح، وفقا لأوامر التلمود، ويقول لها ” دم المسيحي الممزوج بالدقيق له فعل السحر يا امرأة.. (حارة اليهود، ص 21)
ويقرر داود وزعماء الحارة ذبح الأب توما ( البادري توما) لصناعة الفطير المقدس، حيث تتوفر فيه المواصفات المطلوبة. فالبادري توما قسيس يقترب من الستين. يتمتع بنشاط وحيوية. وهو من مواليد سردينيا، إيطالي الأصل ويحمل الجنسية الفرنسية ويعيش في دمشق منذ أكثر من ثلاثين عاما. ودمشق كلها تعرفه، وجهه أشقر يفيض حيوية ونشاطا وتنسكب الطيبة والرضا واليقين من عينيه الصافيتين. ولحيته الشقراء تتناثر فيها بعض الشعيرات البيضاء تقطر سماحة وأمنا وثقة. ويحظى بالإجلال والاحترام، والأطفال يحبونه ويمتزج حبهم له بشيء من الخوف لأنه يعطيهم دائما الطعم الواقي ضد الجدري. واليهود يحبونه أيضا وداود هراري التاجر اليهودي الثري يعد من أصدق أصدقائه، وأخلص خلصائه. قرار الذبح
الأب توما صيد مناسب لليهود الذين قرروا ذبحه، فهو لن يثير متاعب كثيرة، لأنه وحيد يسكن مع خادمه الوحيد أيضا، إبراهيم عمار في دير صغير، وحياته هادئة بسيطة لا إزعاج فيها، ووقته موزع بين العبادة والقراءة ومعالجة المرضى، ولديه مكتبة ضخمة مليئة بالكتب المتنوعة، وهو حريص على مطالعة كتب الطب خاصة ويعتمد عليها في معالجة الأهالي.
وكان قرار داود وزعماء الحارة بذبحه مناسبا لهم، وتمت الجريمة، وأثرها كشفهم، وكانت تحقيقات، وكانت فضيحة، وكانت خطط يهودية وتدبيرات؛ لإنقاذ دواد المجرم ومن معه!
الخواجة ينّي
في رواية نجيب الكيلاني “النداء الخالد” تقابلنا شخصية الخواجة ينّي. وهو يوناني يهودي مستوطن بمصر. في الأربعين من عمره، هادئ الأعصاب لدرجة مثيرة.. باسم دائما في خبث، شديد سواد القلب كما يقول الفلاحون؛ يشبه فص القطن الأبيض وبداخله بذرة سوداء. يملك في القرية مئات الأفدنة وله تجارة واسعة يعتقد أن التجارة لا تعرف الرحمة ولا المجاملات، دستوره: خد وهات! له أصدقاء من كبار البلد، يودّهم ما داموا يملكون القرش، فإذا خلت جيوبهم فلا يعرفهم إلا من خلال التعامل بالأوراق المكتوبة (الكمبيالات والإيصالات) وبنسبة ربح مركبة (ربا فاحش)، وله وكيل أعمال اسمه الحاج إبراهيم يشبهه في كثير من الصفات، وخاصة برود الأعصاب وعدم الرحمة. ويشرف على الأرض التي يملكها ينّي واستولى عليها من الفلاحين بأثمان زهيدة في ظروف مريبة.
القرية تغيرت
يقف ينّي إلى جانب الإنجليز، ويدافع عن السُّخرة بحجة أن الإنجليز يدافعون عن الحريات وعن مصر التي أذلها الأتراك! ويهدّد من يعارضون السخرة بالإنجليز والأحكام العرفية وفلسفة الأقوياء.
وأدرك ينّي من أحداث الثورة أن القرية تغيرت، وأن أهلها لم يعودوا كما كانوا، ولأنه رجل ذكي يفهم الأمور وتطوراتها، ويعرف متى يتقدم ومتى يتراجع، فقد قرر الانتقال إلى الإسكندرية حيث البورصة والأسهم والسندات وتجارة القطن والبنوك والتصدير والاستيراد، على أن يقوم وكيله الحاج إبراهيم بإدارة الأرض ومتابعة الفلاحين، ولم يكن عجيبا أن يتنكر لامرأة خفاجة التي جاءت تطلب منه أن يؤجر لها فدانين من الأرض، ولكن العمدة يؤجر لها فدانا، ويمنحها الشيخ عنبة جوالا مملوءا بالحبوب مساعدة لها.
ينّي شخصية اليهودي المعاصر الذي لا يعرف الرحمة وتحركه الأنانية، ولا أثر للإنسانية في تفكيره أو سلوكه. وهو لا يختلف كثيرا عن اليهود في عصر البعثة النبوية، ولا اليهود في القرن التاسع عشر، ولا في عصر المسيح عليه السلام، إلا في قدرته المتنامية على الأخذ بالمزيد من أسباب القوة التقليدية، والتقنيات الحديثة وأفضل معطياتها.