تلخّص مواقف والد الشهيدة أشرقت قطناني حكاية انتفاضة القدس:
صباح يوم الأحد 22 نوفمبر أطلقت قوات الاحتلال النار على الفتاة أشرقت قرب مدينة نابلس، فاستشهدت على الفور.
بدأت الأخبار تقول: إن جنود الاحتلال أطلقوا النار على فلسطينية “بزعم” أنها تريد تنفيذ عملية، في إشارة إلى أنها قُتلت من دون سبب.
لكن والد الشهيدة أشرقت قال أمام الجموع التي وصلت إلى منزله: إن أشرقت كانت تعتزم تنفيذ عملية طعن ضد جنود الاحتلال، وإن السكين الذي وُجد في المكان هو بالفعل سكين مطبخنا، وإنها أرادت الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك، ونحن سنواصل المقاومة حتى لو هدموا منازلنا واعتقلونا.
هذه الحكاية تلخص واقع انتفاضة القدس، فهي انتفاضة شعبية شاملة، يشارك فيها الرجال والنساء، تشمل إلقاء الحجارة وعمليات الطعن والدهس وإطلاق الرصاص.
وأهم ما فيها أنها انتشرت بين جميع شرائح المجتمع الفلسطيني، بحيث لا يمكن اجتثاثها أو القضاء عليها.
تميزت انتفاضة القدس بأنها أوجدت آليات عمل جديدة في مواجهة الاحتلال: التخطيط فردي، القرار فردي، التنفيذ فردي.
عمليات الدهس والطعن تتم بهذا الشكل، فقط عمليات إطلاق الرصاص هي عمل مجموعة، لا يمكن بهذا الشكل القضاء على الانتفاضة.
قبل أسبوع أطلق الرصاص باتجاه سيارة للمستوطنين في الخليل. ضابط “إسرائيلي” قال: كل مائتي متر هناك حاجز عسكري في الخليل، ثم يخرج شخص ويطلق الرصاص من دون أن يكتشفه أحد.
معلّق “إسرائيلي” قال: إن الانتفاضة دخلت الطور الثالث بعد الحجارة والطعن.
انتشار ظاهرة الانتفاضة داخل المجتمع الصهيوني بهذا الشكل يرعب الاحتلال، لا فصائل مسلحة، لا هياكل تنظيمية، لا تشكيلات عسكرية، لا بنية سياسية.
في عام 1987م انطلقت الانتفاضة الأولى، واستطاع الاحتلال بعد سنوات من مؤتمر مدريد واتفاق أوسلو إجهاض هذه الانتفاضة.
وفي عام 2000م، انطلقت انتفاضة الأقصى، واستطاع الاحتلال من خلال الاجتياح العسكري للضفة الغربية عام 2002م وعمليات اغتيال واعتقال القيادات أن يجهض الانتفاضة.
واليوم، وبعد أقل من شهرين على انتفاضة القدس، يقف الاحتلال عاجزاً عن مواجهتها.
عملية دهس في القدس، إطلاق رصاص في الخليل، عمليات طعن في تل أبيب، محاولات طعن في نابلس وبيت لحم، هجوم في بئر السبع، نيران تمتد وتشتعل والحكومة الصهيونية حائرة في ردود أفعالها.
فقد قررت الحكومة الصهيونية مضاعفة عمليات الاعتقال والهدم، ونشرت الحواجز وضاعفت أعداد الجنود، وزادت جرعة الإرهاب، وعززت التنسيق الأمني السلطة الفلسطينية، لكن كل ذلك بدون جدوى.
مصادر الاحتلال تعترف بتراجع وتيرة الانتفاضة، وهذا حصل في بعض الأحيان، لكن فجأة تتصاعد الأحداث وتزداد الهجمات بوتيرة مرعبة، مثل يوم الخميس الماضي 19 نوفمبر حيث قُتل أربعة مستوطنين في شرق فلسطين وغربها، بفارق ساعة واحدة.
أهمية انتفاضة القدس أنها أوجدت آليات عمل يصعب استهدافها والقضاء عليها: كل فلسطيني مقاوم، كل فتاة تفكّر في الطعن، كل شاب يفكر في الدهس.
الاحتلال اعتقد أنه قضى على المقاومة في الضفة الغربية بشكل كامل، واليوم تخرج مدينة الخليل لتشكل أزمة إستراتيجية للاحتلال، إذ إن معظم العمليات والمواجهات والشهداء هم من مدينة الخليل.
انتفاضة القدس صارت روحاً فلسطينية مقاومة، غيّرت المسار الفلسطيني، وستفرض وقائعها حتماً.