حث الإسلام على الاعتماد على النفس والسعي على الرزق، لما في ذلك من فضائل جمة، نذكر منها إكرام النفس وعفتها عن سؤال الناس، بالإضافة إلى كفاية من تعول بما يحتاجون من متاع الدنيا، فعَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ: “الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ” (رواه البخاري، برقم 1427- ومسلم، برقم 1034)، والظاهر من الحديث الشريف أن الأفضلية هنا أفضليه إنفاق وإحسان وجود وتعفف، كما حث ديننا الحنيف على التواضع وعدم التكبر، ففي التواضع خصال جمة منها لين الجانب وحب المساكين.
وقد ضرب أهل الكويت الكرام أمثلة رائعة في الاعتماد على النفس لبناء الذات، وتحقيق الكسب الحلال الطيب، وكثيراً ما صاحب ذلك تواضعاً وإحساناً.
وهذا ما سوف نستعرضه في ذكر هذه القصة الواقعية وهي عن التاجر صبيح الصبيح رحمه الله والتي جاءت في كتاب “محسنون من بلدي، الجزء الثالث من إصدار بيت الزكاة ، ص 55 – 70 (مستشار التحرير د. عبدالمحسن الجار الله الخرافي).
وفيها أن التاجر صبيح البراك الصبيح قد بدأ نشاطه التجاري من الصفر، معتمداً على الله سبحانه وتعالى ثم على نفسه، فبدأ حياته العملية بمشاركة زميله خالد سليمان العدساني، ثم استقل عنه بأعماله التجارية في الخمسينيات، وقد نمت تجارته وبارك الله فيها، فشملت معظم مجالات التجارة الرئيسة كالعقار والمقاولات، لدرجة أنه قام بتشييد مائتي بيت في كيفان وحدها وعدة مدارس في منطقة الشويخ.
وبالرغم من اتساع نشاطه التجاري كان شديد التواضع، يقوم بالإشراف على تجارته بنفسه، بل ونقلها وتصريفها في سيارته الخاصة التي كانت متواضعة إلى حد كبير، ولذلك قرر أولاده شراء سيارة جديدة له بدلاً من هذه السيارة التي لا تليق به، ويروي الأستاذ محمد بن إبراهيم الشيباني في مقالة له بجريدة “القبس” نقلاً عن ولده مشاري قصة تلك السيارة قائلاً: أما قصة السيارة “الهدسن” فيقول عنها ابنه مشاري: “رأينا أن نشتري للوالد سيارة تليق بمقامه، فاشترينا هذه السيارة “هدسن موديل 1947م”، لكنه في البداية رفضها لأنه يرى ذلك تمايزاً على الناس، ومع إلحاحنا قبل، لكننا بعد أيام وجدنا “الهدسن” وقد علق بها الغبار والطين، وكانت المفاجأة في الداخل، حيث وجدنا المقعد الخلفي كله أكياس أسمنت، وشيئاً لا يوصف من الغبار! فلما سألناه عن ذلك قال: ألستم تريدون مني استعمالها؟ لقد استعملتها فجعلت المقعد الخلفي لأكياس الإسمنت والطابوق والأدوات، والمقعد الأمامي لي فقط، انظروا إليه ليس فيه أي أتربه أو خلافه”. (جريدة “القبس” – العدد 9874 – 23/ 12/ 2000م).
وبفضل الله تعالى، ثم أعماله الطيبة وكرمه مع الناس، تنامت ثروته بعد ذلك وبارك الله فيها، حتى بلغ رصيده خلال الحرب العالمية أكثر من 100 مليون روبية، وكان يودع أمواله في “البنك الشاهي البريطاني” وهو فرع من البنك الرئيس في لندن.
وهكذا ضرب لنا التاجر صبيح البراك رحمه الله نموذجاً رائعاً من الاعتماد على النفس، والمثابرة والجد في سبيل الوصول إلى الغايات وتحقيق الآمال، كما امتزج ذلك الطموح والنجاح بتواضع جم وبر وإحسان.
وهذه كانت حال الكثير من أهل الكويت الطيبين، لم يغيرهم الثراء ولا كثرة الأموال عن معدنهم الأصيل، بل بالعكس نجد أن معظم أهلنا من هذا الجيل الفريد كلما زادت ثروتهم ازدادوا تواضعاً وإحساناً وبذلاً للخير والمعروف.
WWW.ajkharafi.com