أجمع خبراء تونسيون على أن الانتخابات البلدية تعدّ أهم حدث منتظر بتونس العام القادم، باعتبارها خطوة مهمة وأخيرة في طريق الانتقال الديمقراطي، رغم ما يطرحه احتمال عزوف الناخبين من مخاوف.
والثلاثاء الماضي، دعا الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، التونسيين إلى انتخاب أعضاء المجالس البلدية في 06 مايو المقبل.
دعوة تأتي عقب جدل واسع رافق موعد الاقتراع الذي تأجل العديد من المرات، آخرها في أكتوبر الماضي، حين قررت هيئة الانتخابات إرجاءه إلى 25 مارس المقبل، بعد أن كانت مقررة في 17 ديسمبر الجاري.
وسبق أن شهدت تونس انتخابات تشريعية ورئاسية في عام 2014.
الانتخابات البلدية.. مفتاح الانتقال الديمقراطي
اعتبر أستاذ التاريخ المعاصر بالجامعة التونسية، عبد اللطيف الحناشي، أن أهم مرحلة من مراحل لانتقال الديمقراطي هو إنجاز الانتخابات المحلية والبلدية.
وأضاف الحناشي، في تصريح لـ”الأناضول”، أن الترتيب يفرض البدء بالخدمات المقدمة للمواطن، و”نحن في هذه التجربة الرائدة بدأنا من فوق”، في إشارة إلى الانتخابات التشريعية والرئاسية.
ورغم أن إجراء الانتخابات البلدية تأخر، وفق الحناشي، فإن “اتخاذ القرار الآن يعطي بعداً آخر للانتقال الديمقراطي”، محذّراً من احتمالات عرقلة الانتخابات.
وأعرب الأكاديمي عن أمله في عدم وقوع مشاكل تعرقل المسار الانتخابي، لافتاً إلى أن “بعض الأطراف” التي لم يسمها، “ستحاول العرقلة، فالتجربة التونسية مستهدفة من الخارج والداخل”، على حدّ قوله.
وفسّر الحناشي ذلك بأن المنطقة عموما لم تهدأ بعد، وأن التوترات مستمرة فيها، كما أن بعض القوى الداخلية قد تعرقل المسار لسبب أو لآخر.
وفي ذات السياق، قال أستاذ القانون المتخصص في الجماعات المحلية (البلديات)، الصغير الزكراوي، لـ”الأناضول”: إن “الانتخابات البلدية هي أم المعارك، ولابد من إجرائها وتفعيل الباب السابع من الدستور”.
ويتناول الباب السابع من الدستور التونسي المصادق علية في يناير 2014، “السلطة المحلية”، ويتشكل من 12 مادة.
وتنص المادة (132) من هذا الباب على أن “الجماعات المحلية تتمتع بالشخصية القانونية، وبالاستقلالية الإدارية والمالية، وتدير المصالح المحلية وفقاً لمبدأ التدبر الحر”، ما يعطيها ما يشبه الحصانة والاستقلالية عن السلطة المركزية.
بدوره، أكّد المحلل السياسي التونسي، الحبيب بوعجيلة، أهمية الانتخابات البلدية في ترسيخ مسار الانتقال الديمقراطي، رغم الرفض الذي أبدته أطراف سياسية (في إشارة إلى حزب “نداء تونس”)، للحكم المحلي والباب السابع من الدستور، معتبرا أن هناك حرص دولي على استكمال تونس لمسارها.
ويفسر بوعجيلة هذا الحرص الدولي بأن “هناك قوى دولية تريد إثبات أن الخيار الديمقراطي وخيار الحريات هو خيار مضمون، لأنه لم يتبق الا النموذج التونسي لإبراز قيمة ما جرى في ما سماه البعض بالربيع العربي”، وفق قوله.
غير أن بوعجيلة قلل من احتمال استمرار حماس القوى الدولية للتجربة التونسية، نظرا لانشغالها حاليا بمسائل أخرى، داعيا التونسيين إلى التعويل على أنفسهم في حماية المشروع الديمقراطي والنموذج التونسي لهذه الثورة.
مخاطر العزوف ودعوات للتدارك
يبدي الخبراء الذين التقتهم “الأناضول”، تخوفات من عزوف متوقع للناخبين عن المشاركة في الانتخابات البلدية القادمة، قد ينقلب إلى ما يشبه المقاطعة.
ويعتبر الصغير الزكراوي أن أكبر خطر يهدد المسار هو عزوف الناخبين عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع في السادس من مايو القادم، معتبرا أن المشكلة الحقيقية التي تهدد المسار الانتخابي تكمن في العزوف الذي قد يتحول إلى عدم الثقة بالانتخابات.
ويفسر الزكراوي العزوف بفقدان الناس الثقة في الأحزاب “التي يعتبرها الناخب لم تحسن صياغة برامج، ولم تفتح آمالا للشعب التونسي”، مطالبا الأحزاب بـ “تحسين أدائها لتدارك الأمر”.
ويؤكد الزكراوي أن الحزب الوحيد الذي يمكن أن يحسِّن نسبة المشاركة في الانتخابات هو حركة “النهضة” ( 58 نائباً/ 217)، بما له من قاعدة ثابتة باعتباره حزبا عقائديا”، وفق تعبيره.
ويذهب الحناشي في ذات الاتجاه، معرباً بدوره عن مخاوفه من تسجيل نسب متدنية للمشاركة في الانتخابات البلدية القادمة.
ويعتبر الحناشي أن “العزوف وارد جداً”، بحكم أن الأحزاب السياسية كانت ولازالت عاجزة في علاقتها مع المواطنين، بسبب خطابها الذي لم يستطع التفاعل مع هموم الناس، متوقعا عزوفا ومقاطعة للانتخابات البلدية في شكل من أشكال معاقبة النخبة السياسية”.
ويؤكد الحناشي أن الفكرة التي ارتسمت لدى الناس تتلخص في أن “الأحزاب تبحث عن الغنائم من الحكم”.
ويوافقه بوعجيلة في ذلك قائلاً: إن “وضعية الملل والإحباط واليأس من الحياة السياسية، ومن فشل تحقيق الاستحقاقات الكبرى للثورة، ستنعكس على نسبة المشاركة إذا لم تتكثف جهود الأحزاب والإعلام، وكل المعنيين بنجاح التجربة الديمقراطية من أجل “إعادة ثقة المواطن في السياسة”.
ويعتبر بوعجيلة أن القيمة الرمزية للانتخابات تكمن في أنها “اختبار لمدى ثقة المواطن في الحياة السياسية”.
وتابع: “إذا لم يعمل الإعلام والأحزاب والسياسيون على رأب الصدع بين الطبقة السياسية والمواطنين، أتوقع أن تتكرر الكارثة التي وقعت خلال انتخابات ألمانيا في الانتخابات البلدية، وعندها سيكون هناك ناقوس خطر كبير يتعلق بانفصام تام بين الطبقة السياسية والمجتمع، وهذا ما قد يفتح البلاد على الغموض والمجهول”.
ووفق بلاغ للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات الجزئية البرلمانية بألمانيا التي فاز بها المدون المعارض ياسين العياري، 5.02%، وهي نسبة ضئيلة للغاية.
ووفق بوعجيلة، فإن “توقعات سبر الآراء تشير إلى حالة غضب وإحباط، ربما تجعل المواطن يعزف عن إبداء رأيه في الانتخابات البلدية”.
وتوقعت نتائج سبر آراء نشرتها مؤسسة “سيغما كونساي” (خاصة)، نهاية نوفمبر الماضي، أن نسبة المقاطعة في الانتخابات البلدية ستكون في حدود 69.2%.
النهضة الأكثر استعداداً
ورغم أن عمليات سبر الآراء تعطي المرتبة الأولى في توقعات الفوز خلال الانتخابات البلدية القادمة لحزب “نداء تونس” ( 56 نائباً)، فإن الخبراء أجمعوا أن أكثر الأحزاب استعدادا لاستحقاق البلديات القادمة هي حركة “النهضة”.
ويعتبر الحبيب بوعجيلة أن حركة النهضة هي الحزب الأكثر استعداد للانتخابات البلدية، باعتبارها “حزبا كبيرا وموحدا”.
إلا أن بوعجيلة توقع أن تخسر النهضة جزءاً من قاعدتها خلال الانتخابات البلدية القادمة، لعدة أسباب منها سياسة التوافق مع “نداء تونس”، مؤكداً أن “نداء تونس في عام 2018 لن يكون نفسه الذي عرفه التونسيون في عام 2014”.
وفاز حزب “نداء تونس” بقيادة السبسي، بالانتخابات التشريعية المقامة في أكتوبر 2014، إثر حصوله على 85 مقعداً، فيما حلت “النهضة” ثانياً بـ 69 نائباً.
ويسانده في ذلك الصغير الزكراوي الذي يعتبر أن الانتخابات البلدية تختلف عن الانتخابات السابقة، إلا أنه يصعب توقع نتيجتها، لافتاً إلى أنه لا يصدق نتائج سبر الآراء، وأن “النهضة” هي الحزب الأكثر استعدادا للاقتراع، ويمكنها حصد 20% على الأقل من أصوات الناخبين.