منذ أن أعلن الرئيس العراقي انتهاء حقبة «داعش»، وتحرير كامل الأراضي العراقية من سيطرة ذلك التنظيم الإرهابي، وما تلاه من إعلان تحرير دير الزور آخر معاقل التنظيم في سورية، والجميع ينتظر أن يرى قتلى «داعش» وأسراه وقياداته ليطمئن إلى ما سمع، إلا أن أياً من ذلك لم يحصل، باستثناء حالات فردية لا يمكن مقارنتها بتنظيم يضم عشرات الآلاف من المقاتلين الذين صمدوا –أو هكذا أُريد لنا أن نفهم– أمام تحالف دولي غير مسبوق لعدة سنوات!
هذه حقيقة تؤكد ما كنا نذهب إليه فيما سبق، من أن «داعش» صنيعة استخبارات أمريكية، بالتنسيق مع الإيرانيين، وبمباركة “إسرائيلية”! والدليل على ما نقول أن نتيجة هذه الحركة المصطنعة للإرهاب هو تشويه الإسلام السُّني كدين ومذهب، وتشويه الحركات الإسلامية بشكل عام وربطها بالعنف، ومن تداعيات ذلك تحجيم العمل الخيري وتجفيف منابعه بحجة أنه رافد للإرهاب، بينما العمل الخيري الذي تتبناه إيران مازال ينطلق في جميع آفاق الأرض من دون عراقيل!
ولقد كانت المناهج التي يقوم عليها الفكر الإسلامي الصحيح النابع من الكتاب والسُّنة، إحدى ضحايا ظهور «داعش»، بل إن محاربة هذا الفكر وهذه المناهج أحد أسباب وجود هذه النبتة الشريرة! لذلك لم نستغرب استغلال الملاحدة وبعض الليبراليين عندنا لهذا الجو المشحون ضد هذا التنظيم، ليطالبوا بشيطنة الوهابية، وشيطنة فكر الإخوان المسلمين، تلك الجماعة الوسطية التي لم تمارس العنف في تاريخها! ولعل بروز الفكر الصوفي والفكر الجامي إحدى أهم نتائج هذه الحملة، كي يكونا بديلاً للتيار الوسطي الذي يفهم الإسلام كمنهج حياة، بينما الفكر البديل يقيد الدين في العبادات دون غيرها ويحصره في زوايا المسجد!
يقول أحدهم: إن المناهج التي تربينا عليها منذ ستين عاماً في الكويت والخليج كانت مرجعاً لكثير من أفكار «داعش»، ونسي أو تناسى أن هذه المناهج استمرت تخرج أجيالاً وأجيالاً طوال تلك السنوات، ولم نكن نسمع لا بـ«داعش»، ولا بفيلق بدر، ولا حشد، ولا غيرها، فما الذي تغير فيها حتى نربطها بـ«داعش» وبقية هذه التنظيمات الإرهابية؟!
إنني أُؤكد أن تطرف «داعش» لا يقل عن تطرف بعض أنصار العلمانية وتلاميذ الليبرالية عندما يناقشون هذه الظاهرة، فقد وصل بهم الأمر إلى المقارنة بين مناهجنا الإسلامية ومناهج الدول الأوروبية، بل والهندوس! للترويج لفكرهم الانهزامي، من أن الجميع أفضل منا، وليتهم قارنونا بالانضباطية والالتزام بالقوانين والشفافية والديمقراطية التي يتميزون بها، بل قارنونا بالمناهج ونظرتنا للحياة وفهمنا لمقاصد الخلق!
«داعش» لم تأخذ أفكارها من مناهجنا التي تربينا عليها، بل وجدت البيئة المناسبة لتطرفها بعد محاربتنا للفكر الإسلامي الوسطي، ورفع راية التوحيد المتعطشة لها القلوب، لكنها مع الأسف رفعت بأيدي أعداء الإسلام وخصوم أهل القبلة، فكانت الخديعة الكبرى لآلاف الشباب الذي يشاهد كل يوم محاربة الفضيلة والترويج للرذيلة، فتم جمعهم وغسل «مخهم» وتوريطهم بأعمال القتل غير المبرر، ثم مقاتلتهم وحصدهم ممن ورطهم وخدعهم!
اليوم هؤلاء الملاحدة خرجوا عن توازنهم، وأصبحوا ينتقدون كل ظاهرة إسلامية، ويمدحون كل ظاهرة غير إسلامية، لدرجة انتقادهم لانتشار مراكز تحفيظ القرآن الكريم، بل وصل الأمر إلى اعتراضهم على قرار إدارة السجون بتمييز من يحفظ القرآن الكريم أثناء فترة تنفيذه للعقوبة، واعتبروه تمييزاً غير عادل! ولكن من لا يرى للروحانيات أي اعتبار، ولا يؤمن بالغيبيات، كيف نستغرب منه مثل هذه الأفكار المتطرفة والغريبة؟!
ينشر بالتزامن مع صحيفة “القبس” الكويتية