سألت صديقي: أين تسكن؟ فقال: شقة بالإيجار، فقلت له: كيف ذلك.. ووالد زوجتك يملك عدة عقارات، ويسكّن أولاده بالشقق مجاناً. فرد: نعم.. أعطى الأولاد شققا مجانية، أما البنات فلم يعطهم شيئاً، وكلنا ـ أزواج البنات ـ نسكن بالإيجار.
أما صديقي الآخر.. فقد منح والد زوجته لأولاده (سواء تزوج أو بعد) بيوتاً، ولم يعط البنات شيئاً!
تتكرر هذه المشكلة منذ زمن بعيد في المجتمعات العربية بسبب النظرة المشرقية للأولاد والبنات، والتفريق بينهم في الأعطيات والمنح والمعاملة، بحجة أن البنت مسؤولية زوجها، والولد مسؤولية والديه.
وأستغرب هذه النظرة القاصرة بعد سنوات من التعليم والتوعية والتثقيف، إلا أن المخزون التراثي يستعيد حياته بين الحين والآخر في النظرة نحو البنت، وتنتقل بين الآباء والأعمام والأخوال والإخوان، وحتى الأمهات والأخوات، فلا تجد البنت من يقف معها، ولا يستنكر أحد ذلك، وهذا لعمري تفكير سلبي ناقص يتحمل وزره الأبوان بالدرجة الأولى، لأنه يبتعد كلياً عن العدالة والمساواة بين الأبناء.
وقد استنكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الفعل، وذلك عندما أعطى أبو النعمان ابنه عطية، وسأله: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية، فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله. فقال: «أعطيت سائر ولدك مثل هذا»؟ قال: لا..
قال: «فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم»..
فرجع فرد عطيته.
يقول د. سليمان العلي مدرب تطوير الذات: إن التفرقة بين الأبناء لها آثار وعواقب خطيرة على نفسيتهم، فتورث الحقد، والغيرة، والأنانية، وتولد الكراهية بينهم، وتؤثر بالسلب على الصحة النفسية، وينتج عنها شخصية حقودة، (جريدة الرياض).
ولا يعني ذلك انعدام العدالة، فأعرف آباء كثراً يتعاملون مع جميع الأبناء بمسطرة واحدة، فعلى سبيل المثال يحدد قيمة موحدة للسيارة لجميع الأبناء بعد التخرج، ويمنح الأولاد والبنات شققاً، فمن أراد سكن بها، أو استثمرها لصالحه، وهذه فكرة جميلة، وإن كان ذا مال اشترى لكل ولد وبنت أرضاً بنفس المستوى (نفس المساحة والموقع والارتداد والمنطقة قدر المستطاع)، أما أن يشتري للأولاد 1000م بمنطقة غالية، وللبنات 500م بمنطقة عادية فهذه لا عدالة فيها.
ولا بأس في أن يمنح الأب أحد أبنائه أو بناته مبلغاً أو عقاراً لخصوصية ما دون باقي أبنائه، نظير جهد أو تميز ما، مثل التفرغ لرعاية الوالدين دون باقي الأبناء، أو إدارة أعمال الشركة بأجر زهيد، أو غير ذلك، مع إخبار الأبناء بالسبب حتى لا توغر القلوب.
إن تطبيق العدالة ليس بالأمر الصعب، وأيضاً ليس بالأمر السهل، ولنتذكر أن عكس العدالة هو الظلم، ويزداد الأمر صعوبة لدى الوالدين في التعامل مع الأبناء كلما كبروا في السن، إما لاجتياح العواطف، أو لاختلاف المواقف، أو لظروف بعض الأبناء، أو نقص معلومات وغير ذلك.
وعلى المقربين تنبيه الوالدين عند تجاوز خطوط العدالة، فلعلها غفلة، وعلى الأبناء مساعدة الوالدين في اجتياز الأزمات النفسية تجاههم، وألا يعقوهم بإحراجهم أو زيادة مطالبهم.
أسأل الله أن يوفق الجميع للعدالة بين الأبناء، لأجل استقرار أمثل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينشر بالتزامن مع صحيفة “الأنباء” الكويتية.