أجمع خبراء في الشأن التونسي أن ملفات الأمن ومكافحة الإرهاب، والاقتصاد، والدبلوماسية الخارجية، وتشكيل الحكومة القادمة، ستكون في مقدمة أولويات الرئيس المُنتخب قيس سعيّد في مستهل فترته الرئاسية.
ورأى مجموعة من الخبراء، بحسب وكالة “الأناضول”، أنّ من بين الأولويات المطروحة على سعيّد، أيضا، اختيار فريق ديوانه الرئاسي الذي يجب أن يتكوّن من أشخاص أكفاء محلّ ثقة وأمانة.
وتسلّم الرئيس التونسي الجديد قيّس سعيد، الأربعاء، مهامه رسميا في قصر قرطاج، عقب أدائه اليمين الدستورية أمام مجلس نواب الشعب (البرلمان).
أولويات خمس
وقال المحلل السياسي كمال الشارني: إنه “بالنظر إلى صلاحيات رئيس الدولة في الدستور يمكن تحديد مجال سلطته، وتتضمن هذه الصلاحيات الأمن القومي وتقديم مبادرات تشريعية، والسياسة الخارجية والدفاع”.
وأضاف الشارني أن “أولى التحديات التي ستُطرح على سعيّد هي المسألة الأمنية ومكافحة الإرهاب، وعليه العمل بالوصول إلى رفع حالة الطوارئ في البلاد والتي تعطي صورة سلبية للخارج عن الوضع الأمني داخل تونس وينعكس ذلك سلبا على الاقتصاد الذي يمرّ بمرحلة صعبة”.
ويرى الشارني أن “ثاني الأولويات المطروحة على سعيّد في إطار حقّه في المبادرة التشريعية، تقديم مشروع قانون يتعلق بالتنصيص على تجريم التهرّب الضريبي”.
ويوضّح الشارني “مواجهة التهرّب الضريبي الذي تفشى في البلاد يعدّ أولوية قصوى والحل يكمن في مبادرة تشريعية لتجريمها”.
ويعتقد الشارني أن “الأولوية الثالثة التي يجب على سعيّد العمل عليها تقديم مبادرة تشريعية تتعلق بما تحدّث عنه هو (سعيّد) سابقا حول العدالة بين جهات البلاد”.
وتابع في ذات السياق قائلا “يمكنه (سعيّد) مطالبة رئيس الحكومة القادم بتنفيذ البند الخاص بتركيز العدالة بين الجهات المنصوص عليه في دستور 2014”.
واعتبر كمال الشارني أن “رئيس الجمهورية له قيمة رمزية من خلال التعريف بتونس ومن هذا المنطلق هناك أولوية رابعة على قيس سعيّد العمل عليها خلال الفترة القادمة وهي جلب الاستثمارات لتونس من الدول الشقيقة والصديقة والمُجاورة”.
وعن الأولوية الخامسة التي يرى الشارني ضرورة إيلائها أهمية من قبل قيس سعيّد في مستهل فترته الرئاسية، أوضح: “التقشّف في الإنفاق على مستوى مؤسسة رئاسة الجمهورية”.
وشدّد الشارني، في ذات السياق، على “ضرورة تقليص المستشارين في قصر قرطاج الذين وصلت أعدادهم سابقا إلى حوالي 3 آلاف مستشار، والتقليص من جولات السفر لمؤسسة الرئاسة ويشارك فيها أشخاص ليس لهم علاقة بالمؤسسة وتتكلف الملايين”.
وأردف الشارني قائلا “أتوقّع من قيس سعيّد كرئيس نظيف القليل من التقشّف على مستوى إنفاق مؤسسة الرئاسة التي تضاعفت ميزانيتها خلال الثماني سنوات الماضية ثلاث مرّات”.
أمّا بخصوص فريق الديوان الرئاسي للرئيس الجديد، فيرى كمال الشارني أن “اختيار هذا الفريق يجب أن يكون على أساس الكفاءة والأمانة والثقة”.
وينصح الشارني سعيّد، في هذا الخصوص، “بعدم قطع علاقته بالناس وترك خيوط للتواصل معهم خارج قصر قرطاج، وفي كل مناطق البلاد وأن يحافظ على قدرته على التواصل مع الشعب بشكل مباشر، وأن لا يقتصر فقط على مستشاري القصر الرئاسي، حتى يكون ملمّا بكل ما يحصل في البلاد”.
فريق الديوان الرئاسي
من جانبه، يعتبر مدير معهد الدراسات الإستراتيجية التابع لرئاسة الجمهورية سابقا طارق الكحلاوي، أن “أوّل مهمة ستكون مطروحة أمام الرئيس الجديد هي اختيار فريق عمله في الديوان الرئاسي، على غرار مدير الديوان الرئاسي والوظائف الرئيسية في مؤسسة الرئاسة، وهذا الفريق لم يُعلن عنه حتى الآن”.
ويُضيف الكحلاوي: “ثاني مسألة مهمة سيجد الرئيس الجديد نفسه في مواجهتها هي تعطّل الوضع السياسي، وتحديدا في علاقته بتشكيل الحكومة الجديدة المنبثقة عن الانتخابات التشريعية الأخيرة”.
ويستطرد الكحلاوي قائلا “رئيس الدولة بوصفه طرفا في السلطة وتسلّم مهامه رسميا سيجد نفسه أمام برلمان وحكومة جديدين، وبالتالي يكون داخل النقاش السياسي حول تشكيل الحكومة – رغم أنه غير معني بها – لكنه موجود في الواجهة بما أنه سيكلّف الحزب الفائز بتشكيل الحكومة”.
أما حول المهمة الثالثة، التي ستواجه سعيّد في مستهل فترته الرئاسية، فيرى الكحلاوي فإن “الرئيس سينطلق في متابعة فورية لتطوّرات الوضع الأمني، ويمكنه استدعاء مجلس الأمن القومي والقيادات العليا للجيش للاجتماع بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلّحة”.
أما المهمة الرابعة التي قد تعدّ من أولويات سعيّد، بحسب الكحلاوي، فـ”تتعلق بالسياسة الخارجية، وقد يجري سعيّد في أٌقرب وقت زيارة رسمية إلى الجزائر مثلما وعد سابقا بأن أول زيارة خارجية له ستكون نحو هذا البلد”.
وعلى مستوى الدبلوماسية الخارجية أيضا، يُرجّح الكحلاوي أن يقوم قيس سعيّد بـ”الاطلاع على الحركة الدبلوماسية الأخيرة التي شملت تعيينات لبعض السفراء قبل أسابيع قليلة، وإبداء رأيه فيها”.
ويعتقد مدير معهد الدراسات الاستراتيجية السابق أن “الأولوية الخامسة لرئيس البلاد قد تتمثل في ضبط علاقته بالبرلمان عموما خاصة وأن سعيّد ليست له كتلة نيابية في البرلمان الجديد”.
الأولوية للأمن والاقتصاد
من جانبه، يرى المحلل السياسي والدبلوماسي السابق عبد الله العبيدي أن “قيس سعيّد لن يحدّد قضايا جديدة للنظر فيها بل إنه سيتفاعل مع قضايا قائمة الذات وسيجدها مطروحة على طاولته في إطار استمرارية مؤسسات الدولة”.
وأكّد العبيدي، أن “الرئيس المنتخب سيطّلع في المرحلة الأولى على ملف الأمن ومكافحة الإرهاب وهو ليست له معرفة سابقة بهذه الملفات”.
ويُضيف العبيدي “سيستقبل رئيس الدولة المنتخب في البداية الوزراء في الحكومة الحالية أو القادمة لتكوين فكرة شاملة حول هذه الملفات وترتيب الأولويات في التعاطي مع الشأن العام”.
وتابع العبيدي قائلا “سترد عليه (سعيّد) أيضا مذكرات واتفاقيات وملفات دبلوماسية وملفات مع منظمات محلية وقوى أجنبية للاطلاع عليها أولا”.
وشدّد العبيدي على أن “رئيس الدولة هو مسؤول عن الأمن القومي وهو ركيزة من ركائز الحكم ويمكنه الاطلاع على كلّ ما يهمّ تونس”.
واستدرك العبيدي قائلا “هو (رئيس الدولة) مقيّد بصلاحيات محددة بالقانون لكن هذا لا يمنعه من إبداء رأيه في كلّ المسائل”.
من جهة أخرى، قال العبيدي إنه “على الرئيس الجديد التركيز على الوضع الاقتصادي في البلاد الذي يمرّ بصعوبات كبيرة، ورئيس الدولة معني بالاقتصاد لأنه يعدّ ضمن الأمن القومي، والوضعين الاقتصادي والاجتماعي من مهام رئيس الجمهورية”.
وذكر الدبلوماسي التونسي السابق أن “خطاب قيس سعيّد أمام البرلمان، الأربعاء، كان منهجيا أكد فيه على استحقاقات الثورة من حرية وتشغيل وكرامة، وهذه المسائل ستكون لها أولوية عند الرئيس المنتخب”.
وتسلّم قيس سعيّد، الأربعاء، مهامه رسميا في قصر قرطاج رئيسا للبلاد، بعد أدائه اليمين الدستورية وإلقائه خطابا أمام البرلمان في جلسة عامة استثنائية.