تشهد الأسواق في الصومال ركوداً تجارياً بعد إغلاق المجال الجوي، وتراجع حركة الاستيراد من ميناء مقديشو (أكبر ميناء في الصومال) الذي كان يستقبل يومياً سفناً ضخماً تحمل مئات من الحاويات الكبيرة والمتوسطة.
فقد شّلت جائحة كورونا اقتصادات دول العالم، وخاصة الأسواق الصينية، التي كانت السوق الرئيسة بالنسبة لتجار الصومال لاستيراد السلع الاستهلاكية والمكتبية والملابس وقطع الغيار والإلكترونيات. إلى جانب توقف الاستيراد من الموانئ العربية بعد الإغلاق الشامل الذي تشهده دول خليجية عدة.
وبحسب إحصاءات رسمية فإن 80% من تجار الصومال كانوا يعتمدون على البضائع الصينية، لكن توقف حركة الاستيراد من الصين نحو البلاد، أججت ارتفاع أسعار البضائع والسلع الضرورية في أسواق مقديشو؛ وهو ما يضيق الخناق على الأسر الفقيرة والمتضررة من جراء الكوارث الإنسانية، بما فيها الفيضانات والقحط والجفاف.
تضخم وارتفاع الأسعار
يقول الخبير الاقتصادي عبد الرزاق أحمد لـ”العربي الجديد”: إن توقف حركة الاستيراد ستؤدي إلى تضخم مالي وانهيار للاقتصاد المحلي، الذي كان يتعافى من آثار الحرب الأهلية، مشيراً إلى أن الاقتصاد الصومالي يعتمد على الاستيراد الخارجي. ويلفت إلى أن البلاد كانت تعاني من عجز مالي يفوق 70%، حيث إن التصدير بطيء جداً.
ولا يصدر الصومال إلى الخارج سوى الماشية إلى دول الخليج، وبعض الصمغ واللوبان والسمسم والليمون، وهو ما لا يساهم في دعم عجلة النمو الاقتصادي في البلاد؛ إذ توقفت حركة التصدير من الصومال نحو العالم منذ الحرب الأهلية.
ولمنع تفاقم أوضاع الأسر المتضررة في البلاد، تحاول الحكومة الفيدرالية تخفيض الضرائب المفروضة على السلع الاستهلاكية؛ وقال وزير المالية عبدالرحمن دوالي بيلي في مؤتمر صحفي: إن الحكومة الصومالية تدرس اتخاذ عدة تدابير لمنع حدوث أزمة اقتصادية في البلاد.
وأعلن عن إعفاءات ضريبية عن بعض السلع الاستهلاكية مثل الأرز والتمر، وخفض الضرائب عن سلع أخرى بنسبة 50%، منها القمح، وذلك للحيلولة دون تأجيج الأوضاع المعيشية المتردية لدى الأسر الصومالية التي تعيش نسبة كبيرة منها بأقل من دولار أمريكي يومياً.
وقال رئيس الحكومة الفيدرالية حسن علي خيري في مؤتمر صحافي بمقديشو “إن الحكومة الفيدرالية تحذر التجار الصوماليين من تفجير الوضع الاقتصادي في البلاد، من خلال رفع أسعار السلع الاستهلاكية”، خطوة أنعشت آمال كثير من الصوماليين الذين كانوا يتخوفون من ارتفاع حاد للأسعار الضرورية.
التحويلات في مأزق
لكن الخطر الأكبر على الاقتصاد الذي يواجهه الصومال يكمن في تراجع خدمات شركات المال والتحويلات الصومالية؛ حيث احتجب الكثير منها عن الوجود، نظراً لظروف اقتصادية ومالية، وما تبقى منها، بات اليوم مهددا بالإغلاق بسبب توقف حركة تنقل رؤوس الأموال التي كانت تتم عبر الطائرات من وإلى مقديشو.
ويقول الخبير الاقتصادي، عبدالرزاق علي ورسمي، لـ”العربي الجديد”: إن الأزمة الاقتصادية التي يعيشها الصومال لم يسبق لها مثيل منذ غياب الدولة المركزية في تسعينيات القرن الماضي، وإن بنوكاً عديدة تواجه خطر الإفلاس بسبب عدم توفر قدر كاف من السيولة المالية، بعد توقف تحويل الأموال وتنقلات رؤوس الأموال من الصومال وإليه.
وكانت الأموال التي يتم تحويلها من المخارج نحو الصومال تنقل عبر طائرات من كل من إسطنبول ودبي، لكن تعليق المجال الجوي الصومالي منذ 14 مارس الماضي، أربك حسابات الكثير من الشركات الصومالية، والتي تعمل في مجال توفير الخدمات المالية منذ عقدين من الزمن.
ويشرح عبدالله محمد، أمين عام رابطة الحوالات الصومالية، أن “استمرار الوضع الاقتصادي المتردي على ما هو عليه سيؤدي إلى إغلاق العديد من شركات التحويلات المالية، بسبب نفاد المخزون المالي في الداخل لدى تلك الشركات، وعدم تلقيها أموالها في الخارج. وهو ما سيؤدي حتماً في الأشهر المقبلة إلى توقف كامل لأعمال بعض الشركات العاملة في مجال التحويلات المالية”.
ويضيف أن عمل نحو 60% من تلك الشركات حالياً مشلول بسبب توقف الأموال التي كانت ترسل من الخارج، وخاصة من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا ودول الخليج، وهو ما سيؤدي إلى تسريح مئات الموظفين من أعمالهم ما يهدد اقتصاد البلاد بالتراجع والمزيد من الأزمات.
وتقدر الأموال التي ترسل من الخارج نحو الصومال بمليار وثمانمائة مليون دولار أميركي، وهو ما كان يدعم عجلة النمو الاقتصادي في البلاد، الذي يفتقر لدعائم اقتصادية قوية، نظراً لتراجع الإنتاج المحلي وتزايد الطلب على المنتوجات المستوردة من الخارج.
ويحذر خبراء من استمرار تدهور قطاع التحويلات المالية في البلاد، والتي يعمل فيها آلاف من الموظفين، فيما لا تزال إحصاءات وأرقام البطالة في البلاد وخاصة في صفوف الخريجين من الجامعة صادمة؛ حيث تقدر بنسبة 70% من عدد الصوماليين المهيئين للدخول إلى سوق العمل.
شركات تواجه الإفلاس
ليس قطاع المال والتحويلات هو الذي تأثر بالأزمة الاقتصادية الراهنة من جراء جائحة كورونا؛ حيث دفعت الأخيرة عدداً من شركات الطيران والسفر والسياحة إلى إغلاق أبوابها، بسبب الديون المالية التي تراكمت عليها وعدم قدرتها على دفع تعويضات لزبائن بعد توقف فجائي لحركة الطيران القادمة والمغادرة من الصومال.
يقول علي أحمد فارح رئيس جمعية الصومال لوكلاء السفر والسياحة إن نحو 6 ملايين دولار أميركي هو حجم الخسائر المالية التي يتكبدها قطاع الطيران في البلاد، وخاصة شركات السفر والسياحة التي يملكها أفراد ومؤسسات خاصة.
ويحذر فارح من انهيار كامل لشركات الطيران والسفريات، بسبب تعليق الرحلات الجوية الداخلية والعالمية، مشيراً إلى أن ثلثي تلك الشركات تواجه ظروفاً اقتصادية خانقة، فيما أغلق أبواب بعضها بسبب الأوضاع المالية والديون والمستحقات المترتبة عليها.
وكان قطاع الطيران شهد تطوراً لافتاً في السنوات الخمس الأخيرة، بعد أن سيرت خطوط طيران عالمية رحلاتها نحو الصومال، منها الخطوط الجوية القطرية والتركية والكينية والإثيوبية، إلى جانب عشرات من شركات الطيران المحلية، لكن هذا القطاع الذي كان بمنزلة رافعة أساسية للاقتصاد المحلي يبدو أنه يعيش في أحلك ظروفه بسبب جائحة كورونا التي تهدد النظام الاقتصادي العالمي، بعد أن هوت أسعار النفط الأمريكية إلى ما دون الصفر.