شركات عسكرية قطاع خاص صارت أذرعا عسكرية للدول الكبرى، وأداة من أدوات إدارة الصراعات المسلحة التي تديرها أمريكا وروسيا والدول الغربية الكبرى بهدف السيطرة والهيمنة على ثروات الشعوب.
وبرغم أن مسرح العمليات الرئيس لتلك الشركات يتركز في منطقتنا العربية والإسلامية، فهناك تكتم شديد في أجهزة إعلامنا حول ما يتعلق بهذه الشركات، وبالكاد سمعنا من أجهزة الإعلام العالمية عن “شركة بلاك ووتر” الأمريكية الخاصة ودورها في العراق وأفغانستان، ومؤخرا تناولت أجهزة الإعلام نزاعا ديبلوماسيا بين فرنسيا وروسيا بسبب تدخل “شركة فاغنر” العسكرية الروسية في دولة “مالي” التي تعتبرها فرنسا ضمن أملاكها الأفريقية الخاصة، برغم أن فرنسا نفسها سكتت عن دعم “فاغنر” لـ”خليفة حفتر” لأنه يخدم أجندتها في ليبيا.
فما هي قصة تلك الشركات؟
بالأمس كان الجنود العابرون للحدود يسمونهم “مرتزقة” أي مقاتلون مقابل أجر، وأثناء الاحتلال الغربي في الحقبة الاستعمارية جندت الدول المحتلة رعايا الدول التي احتلتها للقتال ضمن جيوشها في الحروب التي خاضتها وأطلقت عليهم اسم “جنود المستعمرات”، ومازالت انجلترا حتى الآن تحتفظ بوحدة مرتزقة خاصة من الجنود النيباليين يطلق عليها “جورخاس” ويعود تاريخها إلى أوائل القرن التاسع عشر، وشاركت هذه الوحدة في احتلال العراق.
وفي العصر الحديث وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي وحاجة الغرب لخلق نقاط صراع مسلح ملتهبة، تضمن استمرار دوران عجلتها الاقتصادية وتشغيل مصانع سلاحها، وخلق مبررات للتدخل المباشر للاستيلاء على منابع الثروة (دونالد ترمب أعلن صراحة في خطاب له أن أمريكا تبيع لحسابها النفط الذي تسيطر على حقوله في سورية)، احتاج الغرب لوسيلة أقل كلفة اقتصادية وسياسية، فاتجهت لتلك الفكرة الإجرامية.
فكرة إنشاء شركات عسكرية خاصة تعفيها من مسئولية تحمل جرائمها، وتفتح لها نافذة للتهرب من مسئوليتها كما تفعل روسيا حاليا من تنصلها من جرائم شركة “فاغنر” في سورية وليبيا، وكما تنصلت أمريكا سابقا من جرائم “بلاك ووتر” في العراق وأفغانستان، وفي ذات الوقت تتجنب الدول الديموقراطية -جدا- نزيف الأصوات الانتخابية الذي تزداد وتيرته مع سقوط جنود من الجيوش النظامية في نزاعات خارجية.
هذه الشركات توظفها الدول الكبرى في حروب بالوكالة، وفي حماية حقول النفط ومناجم الذهب ومنابع الثروة، وفي حماية أنظمة حكم ديكتاتورية وظيفية، وفي القيام باغتيالات سياسية وعمليات قذرة.
وتوفر الدول الكبرى بأجهزة مخابراتها وأسلحتها الدعم للشركة التي تنفذ أجندتها، وتوفر لها الحماية من العقاب ضد جرائمها، وحتى الأمم المتحدة نفسها تستخدم هذه الشركات لخدمة مصالحها في أماكن النزاعات المسلحة، ولذلك اعتبرت أن هذه الشركات خارجة عن تعريف المرتزقة، وأوجد لها الثغرات القانونية للخروج من جرائمها.
عالم اليوم الذي تقوده الرأسمالية الغربية المتوحشة يخوض حربا مفتوحة ضد سكان الكوكب، غايتها الهيمنة والسيطرة، وهدفها امتصاص خيرات الشعوب، حرب لا حدود لوسائلها، ولا سقف لأطماعها، ولا نهاية لشراهتها وجشعها في امتصاص دماء الشعوب.
في سبيلها تشعل الحروب، وتمد طرفي النزاع بالأسلحة، وتخوض حرب تجويع بحصار الدول اقتصاديا، وتخوض حرب إسقاط العملات النقدية للدول التي تحاول الخروج من عباءة السيطرة والهيمنة، وتساند ديكتاتوريات تنفذ أجندتها.
وعلى الرغم من صعوبة الإحاطة بكل عناصر تلك الجريمة في مقال، فإن حسبي أنني وضعت نقاطا فوق حروف الوعي بتلك الجريمة.