تناولنا في الحلقات السابقة:
- إخلاص النية لله في زواجي
- هل المودة والرحمة هبة أم توفيق من الله؟
- القوامة
- “..هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ..”
- علاقة الزوج بأهل زوجه
- ماهية الزواج
- الشفافية
- بيت الزوجية.. بيت من؟
- المبادرة والاعتذار
- الحقوق والواجبات
- العلاقات الزوجية-1. العلاقة الخاصة
- العلاقات الزوجية-2. العلاقة المالية
- العلاقات الزوجية-3.الخصوصية
- العلاقات الزوجية- 4. الرضا-أ
ونتناول في هذه الحلقة:
العلاقات الزوجية- 4. الرضا (ب)
تناولنا في الحلقة السابقة قيمة وأهمية أن يرضى الزوج عن زوجه، وأثر ذلك على الصورة الذهنية عن الزوج، ومن ثم كيفية صياغة كل علاقتهما الزوجية، يقول الشافعي رضوان الله عليه:
وَعَينُ الرِضا عَن كُلِّ عَيبٍ كَليلَةٌ وَلَكِنَّ عَينَ السُخطِ تُبدي المَساوِيا
إن الرضا قناعة عقلية واطمئنان قلبي وسكينة نفسية:
- قناعة عقلية:
إن حالة الاضطراب التي قد تسود بعض الأزواج ما بين الرضا والسخط على الزوج لمجرد الانفعال النفسي نتيجة تصرف يراه الزوج سلبيا، تحتاج إلى ضرورة تقييم الزوج لزوجه. هناك فرق بين قبول زوجي والرضا به وعدم قبولي لبعض تصرفاته والتعاون معا على تغييرها أو تعديلها أو التعايش معها، وأيا كانت فأنا بصفة عامة راض بزوجي، إلا إذا تعلق السلوك بأساسيات جوهرية تؤثر على مسيرة حياتنا الزوجية.
إن الوصول إلى قرار موضوعي بشأن الرضا عن الزوج يجب ألا يعتمد على مجرد الانفعال نتيجة تصرف آنيّ من الزوج سواء أكان محببا أم مكروها، لكنه يحتاج إلى عمليات تقييم عقلية ومراجعة ذلك عدة مرات. وقد عرضنا إحدى طرق التقييم في الحلقة السابقة.
وأود أن أشير إلى معنى مهم وهو أنه ليس هناك نموذج نمطي يمكن أن يتبعه كل الأزواج عند تقييم أزواجهم؛ لأن لكل زوج نموذجه الخاص به؛ لأن معايير التقييم وأهميتها النسبية تختلف من زوج لآخر، بل إن نموذج التقييم يختلف لنفس الزوج من مرحلة زوجية لأخرى.
وسنعرض هنا طريقة أخرى لتقييم الرضا عن الزوج:
- علاقاتك بزوجك:
اسرد كل علاقاتك بزوجك التي قد تتضمن العلاقات التالية: عاطفية، جنسية، مالية، دينية، الأمومة/الأبوة، رعاية البيت، العلاقة مع الأهل، النشاطات الاجتماعية، ثقافية….
- رتبها طبقا للأهمية النسبية لك:
من المؤكد الأهمية النسبية لكل علاقة زوجية تتباين من زوج لآخر؛ لذا يجب أن يرتب الزوج علاقاته بزوجه طبقا للأهمية النسبية لكل علاقة؛ لأنه قد يكون راضيا عن زوجه في علاقة فائقة الأهمية بالنسبة له ولكن هناك قصور ما في علاقة أقل أهمية، فيعظم له شيطانه هذا القصور ويطمس رضاه عن زوجه في العلاقة الأكثر أهمية.
هناك فرق بين قبول زوجي والرضا به وعدم قبولي لبعض تصرفاته والتعاون معا على تغييرها أو تعديلها أو التعايش معها
قسم العلاقات إلى مجموعتين: مجموعة أساسية ذات أهمية قصوى بالنسبة لك، يجب أن يحقق الزوج فيها نسبة عالية من الرضا. ومجموعة أقل أهمية (فمثلا قد يكون عند زوج ما العلاقة الدينية والعاطفية ورعاية البيت ذات قيمة عالية، أما العلاقة المالية والعلاقة مع الأهل والمجتمع أقل أهمية).
- قيم معدل رضاك عن زوجك في كل علاقة:
حدد في كل علاقة ما العناصر الإيجابية والعناصر السلبية، ثم أجب عن هذه الأسئلة:
- ما الأعذار التي يمكن أن أبرر بها هذه السلبيات؟
- هل السلبيات نتيجة تعمد أم عدم معرفة أم تكاسل أم رد فعل نتيجة تصرف مني…؟
- هل أعلمته بهذه السلبيات بطريقة طيبة {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} (النحل: 125).
- ما هو دوري في علاج سلبيات زوجي؟
- يحاول زوجي تعديل سلبياته؟
- معدل هذه السلبيات: دائما / عادة / نادرا
- إلى أي مدى يمكن قبولك لهذه السلبيات والتعامل معها؟
- قيّم المعدل العام لرضاك في كل مجموعة:
- بناء على إجابتك عن الأسئلة المتعلقة بالسلبيات، ومقارنة قيمة إيجابيات زوجك في هذه العلاقة بسلبياته، قدر معدل رضاك عنه في هذه العلاقة:
- راض تماما: 80% فأكثر
- راض: من 60% إلى أقل من 80%
- راض لحد ما/ من 40% إلى أقل من 60%
- غير راض: من 20% إلى أقل من 40%
- غير راض تماما: أقل من 20%
- قدّر معدل رضاك عن مجموعة العلاقات ذات الأهمية القصوى بالنسبة لك، وكذلك العلاقات الأقل أهمية، مع ملاحظة قيمة الأهمية النسبية لكل علاقة داخل المجموعة؛ بمعنى أنه إذا كانت العلاقة العاطفية ذات أهمية أعلى من العلاقة المالية، وهي تحقق راضا تاما، في حين أن العلاقة المالية تحقق رضا لحد ما؛ فإن رضا العلاقة العاطفية يجبر القصور في العلاقة المالية، وهذا ليس معناه ألا أبذل بالحكمة والموعظة الحسنة في سبيل إصلاح خلل العلاقة المالية.
- قيم المعدل العام لرضاك عن زوجك:
الآن تعرفت على معدل رضاك عن زوجك في مجموعة العلاقات ذات الأهمية القصوى بالنسبة لك، وكذلك معدل رضاك عن العلاقات الأقل أهمية، وبناء على قيمة وأهمية معدل رضاك عن كل مجموعة، يمكنك التعرف على معدل رضاك العام عن زوجك.
أهمية تحليل عناصر تقييم الزوج:
من واقع ما يرد إلينا من استشارات، قد يأتي الزوج وهو في قمة السخط على زوجته، ولكن بسؤاله عن تقييم كل علاقة من علاقاته بزوجته، يتبين أن هناك العديد من العلاقات الناجحة وعلاقة واحدة سيئة! قد تكون العلاقة السيئة مثلا هي إدارة البيت، أما التزامها الديني وأمانتها على عرضها ومالها وتربية الأولاد وعلاقاته العاطفية والجنسية بها طيبة، ولكن شيطانه ركز على قصورها، وطمس نعم الله عليه الأخرى التي تتحلى بها زوجته. ويمكن معالجة هذا القصور من جانب زوجته بمساعدته أو بالاستعانة بمن يساعدها على ذلك.
قسم العلاقات إلى مجموعتين مجموعة أساسية ذات أهمية قصوى بالنسبة لك ومجموعة أقل أهمية
وهناك منحى آخر مهم في تحليل عناصر التقييم، وهو أنه من المؤكد أن كلا منا به قصور ما، فإذا ما قورن قصور هذه الزوجة بإدارة البيت أو قصورها في دينها أو أمانتها أو علاقتها العاطفية والجنسية بزوجها، فمن الطبيعي يتضاءل حجم قصورها بإدارة البيت مقابل إيجابيات علاقاتها الزوجية الأخرى.
إن تحليل عناصر تقييم الزوج يساعد على بيان العناصر الإيجابية والسلبية بطريقة موضوعية، وكذلك توجيه الجهود نحو إصلاح الخلل، ولا يبخس الزوج حقه، بل يجب الإشادة به لما أنعم الله عليه من إيجابيات. ويؤيد هذا المعنى ما ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله ﷺ: “لا يَفرَكْ مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلقًا رضي منها آخر أو قال: غيره” (رواه مسلم).
- اطمئنان قلبي:
رغم قيمة وأهمية القناعة العقلية للرضا الزوجي، فإنه يدعمه الاطمئنان القلبي من خلال التفكر في آيات الله الكريمة وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي تتناول حسن المعاشرة الزوجية:
- {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (البقرة: 216)، إن الله رحمان رحيم بعباده، وهو أعلم بما فيه خيرهم وقضاء الله كله خير، ولا يعلم الزوج ما في زوجه من خير له، رغم ما قد يرى فيه من نقص.
- {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا…} (البقرة: 286)، يقول الشيخ شعراوي رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: “مادام الله قد كلفك فهو في وسعك”، وإذا ما تعامل كل زوج مع ما قد يراه من قصور في زوج من منطلق فإنه في وسعه أن يحسن التعامل مع زوجه؛ فهذا يجعله يقبل زوجه بكل سماته ويطلق طاقاته الإبداعية لحس تعامله معه.
- الصبر على أذى الزوج المحتمل: يقول الله عز وجل: {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (الزمر: 10). إذا ما أخلص الزوج النية لله في زواجه، وصبر صبرا جميلا على نقصه، فقد بشره الله بأجر بغير حساب. إن الصبر الجميل ليس به ضجر ولا سخط ولكن فيه حسن توجيه ومساعدة الزوج على معالجة قصوره دون احتقار أو انتقاص من قدره بل استثاره دوافعه نحو تزكية نفسه وتنمية قدراته.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة، في بيان الصبر وحسن التعامل مع خطأ الزوج؛ فقد روى أنس بن مالك: “كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فأرْسَلَتْ إحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ بصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتِ الَّتي النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في بَيْتِهَا يَدَ الخَادِمِ، فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ، فجَمَع النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الذي كانَ في الصَّحْفَةِ، ويقولُ: غَارَتْ أُمُّكُمْ. ثُمَّ حَبَسَ الخَادِمَ حتَّى أُتِيَ بصَحْفَةٍ مِن عِندِ الَّتي هو في بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إلى الَّتي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وأَمْسَكَ المَكْسُورَةَ في بَيْتِ الَّتي كَسَرَتْ، (أخرجه البخاري).
- سكينة نفسية:
يقول المولى عز وجل: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (الأعراف: 189).
لقد خلق الله حواء من آدم -عليهما السلام- والتعبير القرآني {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجها}، يوضح سبب الارتباط النفسي للزوجين ومن ثم سكنهما لبعض.
إن احتضان الزوج لزوجه لا يشبع فقط الارتواء الجسدي؛ بل هو سكينة نفسية، ولا تقتصر على هذا اللقاء، لكنه يستشعر هذه السكينة النفسية بمجرد إتمام العقد الشرعي.
إن قناعة الزوج العقلية بزوجه لا تستصحب معها فقط سكينة نفسية بل شعوره بالاكتمال النفسي للزوج بعودة زوجته كجزء منه إلى حضنه، وكذلك الزوجة بعودتها إلى أصلها التي جُعلت منه.
إن الشعور النفسي للزوج بأن زوجته جزء منه وشعور الزوجة أنها جزء من زوجها يشعرهما بالسكينة في ارتباطهما كزوجين، وهذا من أهم مقومات الرضا الزوجي وشرط أساسي للحياة الزوجية.
————–
* استشاري تربوي وعلاقات أسرية، مستشار البحوث بمجلس الوزراء الكويتي سابقاً.
(للتواصل: y3thman1@gotmail.com +14169973277)