الانتخابات وحرية وحسن الاختيار أمر مهم، ويجب العمل والتفاعل مع ذلك للوصول إلى نجاح القوي الأمين.
أبدأ بالرشوة التي تولّد الكذب، والكذب يولّد الرشوة والنفاق، هي كالأحجية التي تقول: مَنْ سبق مَنْ؛ البيضة أم الدجاجة؟! فهاتان صفتان متلازمتان بشكل ملحوظ؛ إن وجدت صفة في مجتمع بدون تردد نفهم أن الثانية موجودة أيضاً!
الرشوة مال يُسخّر من أجل إبطال الحق وإحقاق الباطل، والله تعالى في كتابه العظيم يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) (النساء: 29)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش”، والراشي هو الذي يعطي أو يدفع المال نصرة للكذب والباطل، وهو ملعون من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، والمرتشي هو الذي يأخذ المال تحت أي ذريعة ومسمى، وهو أيضاً ملعون من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، والرائش هو حامل مال الراشي لإقناع المرتشي بالكذب والبهتان، وهو ما نطلق عليه هذه الأيام “المفتاح”، والمفتاح إن كان خيراً فخير، ولكنه عندما يعمل للراشي فهو ملعون من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
والآية الكريمة (لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) طبيعتها وفهمها وسياقها يبين أن الأمر فيه أطراف عدة؛ فهناك طرف يُعطي، وطرف آخر يأخذ ليأكل بالباطل من أجل إبطال الحق وإحقاق الباطل، والطرف الثالث أيضاً يحتمل أن يكون المعني به هو “المفتاح” أو همزة الوصل بين الراشي والمرتشي، وهو الذي يحمل الحرام للمرتشي.
الرشوة معول كبير ومحوري من معاول هدم المجتمعات والأخلاق بطريقة ناعمة وشبه خفية، فمع انتشارها تذهب من المجتمعات المروءة والرجولة، ويذهب الحياء، وتسود الخيانة، وتتلاشى الأمانة، ويكون الظالم عادلاً، والعدل ظلماً، وهي كبيرة من الكبائر، ومن أكبر أسباب نشر الكذب والزور والبهتان في المجتمعات، حتى تصل الحال أن يقسم البعض على كتاب الله كذباً، ومن أخبث كذب الرشوة وأعظمها خطراً تغيير اسمها وإلصاقها برسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بقولهم: إنها “هدية”، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بالهدية، ويستشهدون بقوله: “تهادوا تحابوا”!
والرشوة ما تكون في مستنقع إلا وتجد الكذب وخيانة الأمانة معها في هذا المستنقع، والكذب والخيانة نتاج الرشوة، والرشوة وليدة الكذب، وهذه الخصال إذا انتشرت في مجتمع إلا وكان للفناء أقرب، والكذب قيل فيه: رأس الآثام والخطايا، وهو أقصر وأسرع الطرق إلى نار جهنم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار..”.
والكذب من خصال المنافقين، كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن نذكر أنفسنا وإخواننا في هذه الأيام قبل الانتخابات، ونقول: إن أشد أنواع الكذب قول الزور في الشهادة؛ حيث تضيع الحقوق، وينتصر الظالم على المظلوم، ويكون الحق باطلاً والباطل حقاً.
اليوم مع أحداث الانتخابات وما يسبقها من تحضير، يجب أن نحذّر من الرشوة، فهي الأرضية الكبيرة لترسيخ ونشر الكذب والخيانة للأمانة والنفاق في العباد والبلاد، وفي حال التعامل معها بسهولة تتلاشى الغيرة على الأوطان، والرجولة، وتسود الخيانة وعدم الأمانة، ويكثر أهل الكذب الذين يكذبون على المرشحين ويسعون لتمييع المعاني والكلام لهذا المرشح أو ذاك حسب المزاج والهوى؛ فاحرص أيها المواطن ألا تكون ممن يروج للكذب بقبولك أمر الرشوة وتداعياتها.
______________________________
إعلامي كويتي.