الملك الجديد لإنجلترا تشارلز الثالث ورث عن والدته لقب “الملك”، وورث أيضاً عن والدته لقب “حامي الإيمان” بصفته الرئيس الأعلى للكنيسة الأنجليكانية.
وقد تابع العالم كله مراسم تتويج الملك الجديد وهي تحمل في كل تفاصيلها مراسم كنسية، مروراً بقَسَم الملك بالحفاظ على الكنيسة الإسكتلندية – الأنجليكانية المنشقة عن الكاثوليكية عام 1534م، وصولاً لتتويج الملك بأيدي رئيس أساقفة كانتربري.
لماذا كل هذا الحرص من دولة علمانية على الحفاظ على ارتباط الدولة بمذهب ديني محدد؟
اقتضى التطور الطبيعي للتجمعات البشرية إلى الحاجة لتنظيم المجتمعات وفق أنظمة حكم وإدارة، التي تطورت بدورها إلى دول وإمبراطوريات، ومن مراحل التطور تلك، إضافة دور رسالي للتجمع البشري داخل الدولة أو الإمبراطورية.
الإمبراطورية الرومانية، على سبيل المثال، تكونت وتوسعت، وفي مرحلة من تاريخها تحولت إلى إمبراطورية رسالية بعد اعتمادها للمسيحية ديناً رسمياً للإمبراطورية، وأصبحت مبشرة وحامية للدين المسيحي.
والإمبراطورية بقوتها وسيادتها وهيمنتها على مساحة كبيرة من العالم وفَّرت الحماية للدين المسيحي وساهمت على انتشاره، وفي ذات الوقت يرى بعض المؤرخين أن المسيحية أعطت قُبلة الحياة لإمبراطورية أوشكت على الغروب، وساهمت في مد عمرها بما بثته فيها من حيوية وعامل جديد للترابط بين أفراد الإمبراطورية.
والدول الحديثة حول العالم تحاول أن تضيف دوراً رسالياً للدولة.
فالمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة والدول الغربية يرى أنه يحمل رسالة الليبرالية والديمقراطية للعالم، ويسعى في كل مناسبة للدعاية لهذا الدور الرسالي، ويغذيه بآلة إعلامية ومنظمات ممتدة في ربوع العالم.
والمعسكر الشرقي تبنى الشيوعية كأيديولوجيا ورسالة عابرة للدول، والكيان الغاصب اختار اليهودية رسالة للدولة يلم بها شتات اليهود في العالم.
ومصر ومعها بعض الدول العربية في الخمسينيات والستينيات اختارت القومية العربية رسالة لها.
ودول أخرى انكفأت على نفسها وجعلت رسالتها رفاهية شعبها.
الإسلام والدولة الرسالية
والمجتمعات الإسلامية تميزت عبر قرون بدور الدولة الرسالي المرتبط بالإسلام.
وتميزت عقيدة الإسلام بأنها أوجدت الدولة الرسالية منذ بدايات التكوين في وجود الرسول صلى الله عليه وسلم.
فنظام الحكم والإدارة في الإسلام ليس مجرد باب من أبواب الأحكام الشرعية والفقهية، بل هو من صلب العقيدة والشريعة وثمرة من ثمراتها، وفرع عن أصلها، ولا يكتمل دور الفرد المسلم والجماعة المسلمة بدونه.
فالإسلام لا يهدف إلى مجرد تكوين أفراد مؤمنين مكتفين بعلاقتهم مع الله، ولا مجرد جماعات من المؤمنين منغلقين على أنفسهم، بل تكوين أفراد وجماعات من المؤمنين يحملون رسالة تجاه مجتمعهم والعالم.
وما شهده العالم من مراسم تنصيب كنسية لملكِ واحدةٍ من كبريات الدول العلمانية يدخل ضمن إطار سعي الدول لتبني دور رسالي للدولة.
وهو ما يطرح بدوره السؤال عن الدور الرسالي لدول منطقتنا؟ وهل هو موجود أصلاً؟ أو موجود ومنحرف عن مسار الرسالة الحقيقية؟