اختار عمر بن عبدالعزيز لسياسة الرعية وأعمال الحق بين الناس الولاةَ الثقات الخيرين الأبرار ممن اشتهروا بالأمانة والعلم والقوة والتواضع وعفة النفس، والعدالة، وحسن الخلق والرحمة والقدوة الحسنة ومشاورة الآخرين والنصح وعدم الأنانية والكفاءة والذكاء والحكمة، وقد قال ابن كثير في ولاة عمر بن عبدالعزيز: وقد صرَّح كثير من الأئمة بأن كل من استعمله عمر بن عبدالعزيز ثقة (البداية والنهاية، ص 270)، ومن هؤلاء:
1- الجراح بن عبدالله الحكمي (ولي خراسان وسجستان):
قال عنه الذهبي: مقدم الجيوش، فارس الكتائب، أبو عقبة الجراح بن عبدالله الحكمي، ولي البصرة من جهة الحجاج، ثم ولي خراسان وسجستان لعمر بن عبدالعزيز، وكان بطلاً شجاعاً مهيباً، عابداً، قارئاً، كبير القدر (سير أعلام النبلاء، 5/ 189).
قال الجراح الحكمي: تركت الذنوب حياءً أربعين سنة، ثم أدركني الورع، كان على خراسان كلها حربها وصلاتها ومالها، قتل عام 112هـ في خلافة هشام، فعن سليم بن عامر: دخلت على الجراح فرفع يديه، فرفع الأمراء أيديهم، فمكث طويلاً، ثم قال لي: يا أبا يحيى، هل تدري ما كنا فيه؟ قلت: لا، وجدتكم في رغبة فرفعت يدي معكم، قال: سألنا الله الشهادة، فوالله ما بقي منهم أحد في تلك الغزاة حتى استشهد، قال خليفة: زحف الجراح من برذعة سنة اثنتي عشر إلى ابن خاقا، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فقتل الجراح في رمضان، وغلبت الخرز على أذربيجان وبلغوا إلى قريب الموصل، وكان البلاء بمقتل الجراح على المسلمين عظيماً، بكوا عليه في كل جند. (سير أعلام النبلاء، 5/ 190).
2- عدي بن أرطأة الفزاري (والي البصرة):
كان أمير البصرة لعمر بن عبدالعزيز، حدَّث عن عمرو بن عبسة، وأبي أمامة، قال عباد بن منصور: خطبنا عدي على منبر المدائن حتى بكى وأبكانا، وكان عمر بن عبدالعزيز يتفقده بالنصائح والمواعظ، قال معمر: كتب عمر إلى عدي بن أرطأة: إنك غررتني بعمامتك السوداء، ومجالستك القراء، وقد أظهرنا الله على كثير مما تكتمون، أما تمشون بين القبور؟!
قدم عدي على البصرة، فقيَّد يزيد بن المهلب، ونفذه إلى عمر بن عبدالعزيز، فلما مات عمر، انفلت، ودعا إلى نفسه وتسمى بالقحطاني، ونصب رايات سوداً، وقال: أدعو إلى سيرة عمر بن الخطاب، فحاربه مسلمة بن عبدالملك، وقتله، ثم وثب ولده معاوية فقتل عدياً، وجماعة صبراً، سنة اثنتين ومائة، قال الدارقطني: يحتج بحديثه.
3- عبدالحميد بن عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب (والي الكوفة):
الإمام الثقة الأمير العادل أبو عمر العدوي الخطابي المدني، ولي إمرة الكوفة لعمر بن عبدالعزيز، كان قليل الرواية، كبير القدر، توفي سنة 115هـ.
4- عمر بن هبيرة (والي الجزيرة):
كان من الدهاة الشجعان، وكان رجل أهل الشام، ولاَّه عمر الجزيرة (100هـ)، فتوجه إليها وغزا الروم من ناحية أرمينية، فهزمهم وأسر منهم خلقاً كثيراً، واستمر على الجزيرة إلى خلافة يزيد بن عبدالملك، فولاه إمارة العراق وخراسان، ثم عزله هشام بخالد القسري فقيده، وألبسه عباءة وسجنه، فتحيل غلمانه ونقبوا سرباً وأخرجوه منه، فهرب واستجار بالأمير مسلمة بن عبدالملك، فأجاره، ثم لم يلبث أن مات سنة سبع ومئة تقريباً.
5- أبو بكر محمد بن عمرو بن حزم (والي المدينة):
وهو أحد الأئمة الأثبات الثقات، أمير المدينة ثم قاضي المدينة، قيل: كان أعلم أهل زمانه بالقضاء، روى عن أبيه وعباد بن تميم وعن سلمان الأغر وخالته عمرة بنت عبد الرحمن وطائفة وعداده في صغار التابعين، روى عطاف بن خالد عن أمه عن زوجة ابن حزم: أنه ما اضطجع على فراشه منذ أربعين سنة، وقيل: كان رزقه في الشهر ثلاثمئة دينار.
6- عبدالعزيز بن عبدالله بن أسيد الأموي (والي مكة):
أقر عمر على مكة عبدالعزيز بن عبدالله الأموي، والي سليمان بن عبدالملك، وثقه النسائي وابن حبان؛ توفي في خلافة هشام بن عبدالملك. (عمر وسياسته في رد المظالم، ص 273).
7- رفاعة بن خالد بن ثابت الفهمي (والي مصر):
ذكر ابن تغري بردى خبراً انفرد به وهو: أن عمر بن عبدالعزيز أقر على مصر عبدالملك بن رفاعة بن خالد بن ثابت الفهمي المصري الذي كان حسن السيرة عفيفاً عن الأموال، ثقة فاضلاً عادلاً بين الرعية، روى عنه الليث بن سعد وغيره، ثم عزله في شهر ربيع الأول سنة تسع وتسعين دون أن يذكر سبب عزله. (عمر وسياسته في رد المظالم، ص 289)، وولى مكانه أيوب بن شرحبيل بن أكسوم بن أبرهة بن الصباح.
8- إسماعيل بن عبيدالله بن أبي المهاجر المخزومي (والي المغرب):
كان صالحاً فاضلاً زاهداً، قدم أفريقية سنة 99هـ، ويقال: سنة 100هـ، كان حسن السيرة، سار فيهم بالحق فأسلم على يديه عامة البربر، وكان حريصاً على إسلامهم، وكان عمر يرسل إليه بالرسائل لدعوة أهل الذمة للدخول في الإسلام، فيقرؤها عليهم، توفي إسماعيل بن عبيدالله سنة 132هـ.
9- السمح بن مالك (بالأندلس):
الأمير الشهير، استعمله عمر على الأندلس وأمره أن يميز أرضها ويخرج منها ما كان فتحه عنوة فيأخذ منه الخمس، وأن يكتب إليه بصفة الأندلس، فقدمها سنة 100هـ، وفعل ما أمره به عمر، واستشهد غازياً بأرض الفرنجة. (عمر بن عبدالعزيز، عبدالستار، ص 271).
هؤلاء من أشهر ولاة عمر بن عبدالعزيز الذين عيَّنهم على الأقاليم والولايات، والذين كانوا عند حسن الظن.
___________________________________
1- استفاد المقال مادته من كتاب “عمر بن عبدالعزيز”، للدكتور علي الصلابي، واعتمد في كثير من معلوماته على كتاب “عمر بن عبد العزيز وسياسته في رد المظالم” للدكتورة ماجدة فيصل.
2- البداية والنهاية، أبو الفداء الحافظ ابن كثير الدمشقي، دار الرّيان، الطبعة الأولى، 1408هـ/ 1988م.
3- سير أعلام النبلاء، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذَّهبي، الطبعة الثانية، مؤسسة الرسالة، بيروت 1402هـ.
4- عمر بن عبد العزيز وسياسة رد المظالم، ماجدة فيصل، مكتبة الطالب الجامعي، مكة، الطبعة الأولى، 1407هـ/ 1987م.
5- عمر بن عبدالعزيز، صالح العلي، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، الطبعة الأولى 2000م.
6- الخليفة الراشد والمصلح الكبير عمر بن عبدالعزيز، د. علي محمد الصلابي، دار ابن كثير الطبعة الأولى، 2005م.